"الحل النهائي" للمشكلة الفلسطينية: منظور فلسطيني (4)

حدّدت طبيعة الصراع في فلسطين مساراته وفلسفته وأدواته. كان الحل الصهيوني لـ»المشكلة الفلسطينية»– وما يزال- هو إبادة الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيًا كشرط وجودي لمشروع استعماري-استيطاني.

اضافة اعلان

 

واقترح العالم والعرب «حل الدولتين» الذي يعطي كل شيء تقريبًا للمستعمِر على حساب أصحاب الأرض الأصليين. ولم ينجح كلا الحلين حتى الآن. الحل الصهيوني فشل بسبب عناد الفلسطينيين ومقاومتهم كل جهود الإبادة والإخضاع. و»حل الدولتين» بشروطه المعروضة والمتوقعة، لا يمكن أن يحقق، في نظر معظم الفلسطينيين، شروط العدالة، والشمول والديمومة. أما الحل الثالث، الذي يرى معظم الفلسطينيين أنه سيكون عادلًا وشاملًا ودائمًا حقًا، فهو ببساطة أن يأخذ كل ذي حق حقه كاملًا -أو قريبًا ما أمكن من الكمال. وحق الفلسطينيين الكامل واضح تمامًا: استعادة كل فلسطيني أملاكه التاريخية الموروثة في فلسطين.


كما يفكر الفلسطينيون، في انسجام مع الحقيقة التاريخية، لم يكونوا هم سببًا في الصراع ولا شاركوا في تعريفه. كان صِراعًا هبط عليهم وعرَّف نفسه، فلسفة وممارسة– وما يزال- على أنه نقيضهم الوجودي العاكف على إخراجهم من الوجود والتاريخ. ويصعب تصور ردِّ على هذا النقيض غير خوض الصراع على أساس الشروط التي تفرضها طبيعته. ولذلك، فإن الحل النهائي الفلسطيني الوحيد لمشكلة الفلسطينيين هو تفكيك المشروع الاستعماري الصهيوني، باعتباره النقيض الحتمي لمشروع تحررهم الوطني. إنه استعادة السيطرة السياسية والعسكرية على الأرض بين النهر والبحر. وكحل وَسط يحاول تجنب حتمية قضاء أحد المشروعين على الآخر، ثمة «حل» ثالث هو «الدولة الواحدة ثنائية القومية، الديمقراطية التي تعطي حقوقًا متساوية لكل من فيها، بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مدنهم وقراهم في فلسطين التاريخية، وترتيب كيفية تعويضهم واستيعابهم في هذا الكيان الجديد اليوتوبي المتخيل، الذي ينبغي أن يجترح الانسجام من رحم المستحيل.


ليس معروفًا بعد كيف يمكن أن يقبل المستوطنون المستعمرون–الممتلكون لأدوات القوة والدعم والمسلحون بأيديولوجية عدوانية، هذا الحل. إنهم يعرِّفون كيانهم بأنه «دولة قومية لليهود حصرًا» بالقانون والممارسة. ويتم تلقينهم، كضرورة لحفظ الوجود نفسه، أن العربي شيء أدنى من إنسان، بل أدنى من الحيوان لأن للحيوانات حقوقًا بعد كل شيء. وعندما يكبرون ويصبحون جنودًا ويَقتلون، فإنهم يتصرفون على أساس أن حقوق الإنسان لا تنطبق على هذا الشيء غير البشري الذي اسمه عربي/ فلسطيني. ولا تحتاج هذه العقيدة الإيمانية عند كل أفراد الكيان الصهيوني إلى إخفاء. إنها من علامات الشخصية الصهيونية المعروضة على الشاشات الآن، كما كانت دائمًا قيد العرض منذ ما قبل النكبة حتى اليوم. ولا تتكلف تصريحات قادة الكيان عناء إخفاء هذه العقيدة الإبادية.


كيف يرد الفلسطيني على عدو صريح من هذا النوع؟ ثمة طريقتان: الاستسلام، الذي تمثل أولًا في الخروج من الوطن في النكبة والنكسة، ثم في «أوسلو» كآلية فاشلة لحل دولتين. أو، الإصرار كفكرة وإيمان وواقعية في فهم طبيعة الصراع، على هزيمة المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين التاريخية بأي وكل طريقة ممكنة، بما في ذلك محاربته بنفس أدواته التي لا تُهادن، لأن المشاريع الاستعمارية الاستيطانية لا ينفع أن تُهادن.


ولا علاقة للإمكانية أو عدمها بتحديد هكذا صراعات. لا تعني عدم إمكانية تحقيق انتصار حاسم على المستعمِر أن يتبنى الفلسطيني، كفكرة أو كعملية، التسليم بالهزيمة والتوصية بها– ببساطة لأن المستعمِر لم يحسم الصراع ما دام الفلسطينيون باقين، فيزيائيًا وثقافيًا وهوياتيًا. ويدرك العدو هذه الحقيقة ويتصرف على أساسها بلا ندم ولا هوادة، فيواصل الإبادة والتهجير والمحو والإذلال ضد الفلسطينيين، ولا يفكر أبدًا في تغيير عقيدة أجياله العدوانية نحو نوع من التعايش، لأن ذلك سيعني –موضوعيًا- انتحار مشروعه الاستعماري.

 

سوف يسمع الفلسطينيون كل الوقت نصائح تذكرهم بأن العدوّ هائل القوة والدعم بحيث لا قِبل لهم به. وهي ليست نصيحة محبّ لأنها تقترح أن يضع الفلسطيني رقبته تحت السيف فحسب. 


ينقل الصحفي كريس هيدجز عن المناضل الفلسطيني الشهيد، باسل الأعرج، رؤيته التي تعرِّف المقاومة في هذه المواقف. وكان الأعرج قد وضع قبل وقت قصير من غزو الكيان لغزة في العام 2014، بعضًا من القواعد الأساسية للحرب ضد الكيان.


قال الأعرج إن القتال مع «إسرائيل» لا يمكن قياسه بعدد الجثث. سيكون الإسرائيليون قادرين على قتل أعداد أكبر بكثير من الفلسطينيين. وكتب أن حركات المقاومة تعاني دائمًا من خسائر غير متناسبة. في حرب الاستقلال في الجزائر، بين العامين 1954 و 1962، قتل ما يزيد على 1.5 مليون جزائري- أو ‏‏حوالي‏‏ 10 في المائة من السكان- على يد الفرنسيين. في مطار الجزائر العاصمة، هناك لافتة ضخمة كتب عليها: «مرحبا بكم في الجزائر. أرض المليون شهيد».‏ وأضاف: «نحن أكثر قدرة بكثير على تحمل التكاليف، لذلك ليست هناك حاجة للمقارنة أو القلق من حجم الأرقام».


في الواقع، فلسطين الآن من البحر إلى النهر هي «دولة واحدة» تُدار بالآليات التي تناسب الاستعمار. وهي آليات لا تناسب الفلسطينيين قطعًا وتقضي منهم الدأب على محاولة تغيير عناصر الواقع في فلسطين بين البحر والنهر.- (يُتبع)

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا