السعودية والعودة إلى ما قبل الثورة الإيرانية

أحمد جميل عزام- تستعد السعودية لإستضافة القمة العربية في 15 آيار (مايو) 2023، وإذا بقي مسار الأحداث الحالي متتاليا فستكون هذه القمة في سياق رؤية سعودية مختلفة للمنطقة. استخدمت مصادر إعلامية ومحللون عرب وأجانب مصطلح «تصفير المشاكل» لوصف ما تفعله السعودية حاليا، والواقع أن ما يحدث أكبر من ذلك، وجزء من إعادة تشكيل الجو العام في المنطقة، ويوجد ملامح تشابه مع سياسات المملكة في السبعينيات، قبل الثورة الإيرانية. سياسة تصفير المشاكل وصف مستعار من سياسة تركيا بين عامي 2001 – 2011، الهادفة لتحسين العلاقات مع محيط تركيا الإقليمي سعيا وراء أفضل علاقات اقتصادية وسياسية ممكنة، لكن التحولات في السعودية أعمق من هذا. آخر التطورات السعودية هي استضافة متزامنة للرئيس الفلسطيني محمود عباس لإفطار رمضاني، ووفد من حركة المقاومة الإسلامية «حماس» لتأدية مناسك العمرة، تزامنت مع وصول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، وهذا يضاف للاتفاق الأخير مع إيران، والانفتاح عليها، والتهدئة في اليمن. تبنت السعودية في السنوات الأخيرة، تحولا داخليا كبيرا اجتماعيا واقتصاديا، وهذا التحول أكثر من أن يكون مجرد شأن داخلي. تم تبني نوع من «الانفتاح» والحرية الشخصية والاجتماعية تعاكس منهجا تم تبنيه نهاية السبعينيات، اتسم بنوع من التشدد وكان نوعا من السياسة الوقائية للتصدي لمتغير الثورة الإيرانية العام 1979 التي جاءت تقدم نموذجا دينيا أصوليا (شيعيا)، وبدأت نتائجه تؤثر في السعودية، حينها، على غرار عملية الاستيلاء على الحرم المكي بقيادة جهيمان العتيبي العام 1979. تقرر حينها، وبالتوازي أيضا مع الجهاد في أفغانستان، تبني «الصحوة الإسلامية»، والتحالف مع القوى المحافظة، بما فيهم الإخوان المسلمين، وكان ذلك نوعا من القفز للأمام، وموازنة إيران، بذات الأدوات. حاليا قررت السعودية تغيير جزء أساسي من توجهاتها في إدارة الشأن الاجتماعي والثقافي في المنطقة والذي كان جزءا من عقيدة الأمن القومي الإقليمية السعودية أيضا. خارجيا، فإنه في بداية عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدا أن هناك التقاء بين السعودية والإمارات مع الحزب الجمهوري الأميركي، وبدا أن هناك تبادل مصالح، مع فريق ترامب، خصوصا مستشاره وزوج ابنته جاريد كوشنير. لكن في نهاية عهد ترامب تأكد الانسحاب الأميركي من الترتيبات التاريخية الخليجية الأميركية، برفض ترامب تأكيد الالتزام بموقف داعم للأمن الخليجي، أو القيام بدور فاعل في المنطقة، ما فرض ضرورة تفكير دول المنطقة، خصوصا السعودية، بطرق وتحالفات جديدة، خصوصا مع تعثر ترتيب الأمور في اليمن، ناهيك عن التغيير في سورية. مقابل التراجع الأميركي، ومقابل إصرار واشنطن على إدارة ملف إيران دون مشاركة حلفائها في المنطقة، جاء قرار سعودي، بالانفتاح على العالم وفق إدراك أوضح للمصلحة الوطنية. فتم أولا رفض مطالب واشنطن أن تقود السعودية الدول النفطية لتأمين كميات نفط إضافية لتعويض النقص الذي قد يحصل بسبب فرض حصار على روسيا، ثم قررت السعودية أن العلاقة مع الصين مفيدة للغاية، اقتصاديا وسياسيا، فاستجابت للوساطة الصينية في ملف إيران، وجعلت بكين الضامن لالتزام طهران. بناء على كل ما سبق، قد لا يكون هناك تصور محدد للسعودية بعد في موضوعات مثل الموضوع الفلسطيني، والزيارات الفلسطينية الأخيرة هي نوع من استطلاع المشهد، تمهيدا للمستقبل. جميع الدول العربية التي طبعت علاقتها مع إسرائيل استضافت أو حاولت استضافة الفلسطينيين قبيل التطبيع. لكن في اللحظة الراهنة، الأرجح أن لدى السعودية تصور أكبر من الاهتمام بالموضوع الإسرائيلي. ما يحدث هو أولا تغيير في ثقافة المنطقة وعقلها الجمعي، وبناء تحالفات دولية جديدة. في الواقع أن السعودية التي قادت سياسة نفطية مستقلة لدول أوبك في السبعينيات، وعلاقات دولية وضعتها يومها على وفاق مع واشنطن أحيانا وعلى خلاف حينا آخر، وكان لديها مسار اجتماعي ثقافي مختلف، كل هذا تغير بفعل الثورة الإيرانية. والآن وخصوصا مع تراجع جاذبية النموذج الإيراني إقليميا، والانسحاب الأميركي من المنطقة، أو على الأقل الفشل الأميركي في الأداء، هناك تصور سعودي في طور التشكل، لكن أهم معالمه التعويل على خلق بيئة سياسية، اجتماعية، اقتصادية جديدة، تمهد لواقع إقليمي جديد، يغير تدريجيا حتى في محور إيران، مع تنويع علاقاتها الدولية. المقال السابق للكاتب خليل الوزير.. و”خطة القنفذة” و”دافوس وطني”اضافة اعلان