السوريون: لماذا نحبهم ويحبوننا؟

لحسن الحظ أن الشعوب عموما في حياتها اليومية والاجتماعية، تنظر إلى السياسة (أقصد هنا العمل السياسي) وإلى العلاقات السياسية بين الدول (اتفاقا أو اختلافا) كأمور ثانوية مقارنة بالعناصر الجغرافية والثقافية والانتماءات القومية ومسائل العيش المشترك والجوار والعلاقات المتبادلة. وحتى في الحالات النادرة التي يمكن أن نلحظ عند شعب ما ميلا، لكراهية خاصة أو لحب خاص، تجاه شعب آخر، فإن الأمور لا تكون عادة متعلقة بالشأن السياسي، فضلا عن الرياضي! إن الكره "الخاص"، كما الحب "الخاص" فيما بين الجماعات البشرية عندما يحصل، فإنه عادة يرتبط بعناصر عميقة في ثقافة الفرد والجماعة، أي ما يسمى العناصر الأنثروبولوجية المتجذرة في طبيعة الناس الذين تتكون منهم تلك الجماعات. وتحصل هذه الأمور مثلا في حالات الاختلاف العنصري وفي حالات خاصة من الاختلاف الطائفي عندما تتراتب الطوائف هرميا وتنفصل بحدود اجتماعية واحيانا مكانية أيضا، ولا تحصل أبدا لأسباب سياسية تديرها الدول والأجهزة الرسمية. على المستوى العربي، ورغم مرور مائة عام على التقسيم إلى دول وشعوب، فإن الخلافات السياسية حتى في الحالات التي وصلت فيها إلى القتال والمواجهة العسكرية، فإنها لم تنفذ إلى الثقافة المجتمعية العميقة، أي لم تتجذر، ولا تزال شعوبنا العربية تتبارز، ولو شكليا على الأقل، في حرصها على العروبة. وتلك لعلها من آخر الأسلحة التي تحوزها الأمة دفاعا عن وجودها كأمة. فيما يتصل بالعلاقة بيننا وبين الأشقاء السوريين، فإنه لا السياسة، ولا الرياضة بالطبع، يمكن أن تخلق كراهية أو حبا إضافيين على المستوى الشعبي. فيما قبل السياسة، توجد في منطقة بلاد الشام تمايزات واختلافات وحساسيات وميول عابرة للحدود ولكنها أيضا عابرة لتقسيمات الشعوب، فقد نشأت أجيال منا على قصص "البدوي مع الشامي"، أو "الحوراني مع الشامي والحلبي" أو "الفلاح مع المدني"، حيث تتوزع في تلك القصص صفات الفطنة والذكاء والشطارة والأناقة والفجاجة والشجاعة والجبن والحربقة والحرتقة والصدق والوضوح والتمويه... هنا وهناك. مرت بيننا وبين السوريين سنوات أصعب من سنوات الأزمة الأخيرة وما رافقها من حرب أشرار الكون على سورية، ففي هذه الأزمة لم يتواجه بلدانا، والحمد لله، وأديرت العلاقة برصانة نسبية من قبل البلدين، وخاصة الجيشين. ولكن حتى عندما تواجه بلدانا في محطات سابقة من التاريخ القريب، فإننا لم نشهد كلاما عن الكراهية على المستوى الشعبي أبدا. وبالطبع لم تعمل المستويات الرسمية في البلدين على سحب الخلاف إلى المستويات الشعبية، وقد أديرت تلك الخلافات دوما بحيث حافظت على حيادية أو استقلالية العلاقات بين الشعوب اجتماعيا وثقافيا. إن الكلمات الشهيرة التي قالها وصفي التل عن أن الشام عندما تذكر في الأردن ترفق مع عبارة "الله يعمرها"، كما ترفق "بغداد" مع عبارة "الله يحميها"، قيلت أثناء أصعب مواجهة سياسية بين بلدنا الأردن، وبين الجارين السوري والعراقي. في الرياضة بالذات، فإن اللاعبين لا يتواجهون كخصوم كارهين لبعضهم، وإذا كره لاعب آخر كرها عميقا يحاول تجنبه. ألا تلاحظون أن اللاعب العربي المحترم يرفض مقابلة اللاعب الإسرائيلي، فيقبل بذلك الخسارة، لأنه يرفض الفوز إذا مر بإهانة قبول التنافس واللعب المشترك. وبالمناسبة، خلال السنوات الماضية، عندما انتشرت "موضة" متابعة "خطاب الكراهية"، عبثا حاول الباحثون والراصدون العثور على دلائل في الحالة الأردنية السورية. العلاقة بين الأردنيين والسوريين خلال السنوات الماضية كانت نموذجا على "التهذيب" المتبادل، والمهذبون لا يكرهون سوى أعدائهم.اضافة اعلان