الصيغ المرنة للشراكة بين القطاعين

يثور جدل كبير وحساس كلما اثير موضوع التخاصية الذي مثل في احد اضيق تعريفاته نقل ملكية أصول من القطاع العام الى القطاع الخاص مع الحفاظ على تركيبة الأسواق بما تمثله أحيانا من احتكار او اطر تشريعية كانت تحابي الحكومة التي كانت تمتلك تلك الأصول قبل تحويل ملكيتها، وهذا النهج الاقتصادي يكتنفه الكثير من الملاحظات وجاء ضمن حزمة إصلاحات غير مكتملة فرضتها العديد من المتغيرات على الكثير من الدول ومن ضمنها الأردن، لذلك بقي ارث التخاصية في الأردن مثيرا للجدل، وحتى تقرير التخاصية الذي ترأس فريقه رئيس الوزراء الحالي خرج بخلاصات يمكن قراءتها من زوايا مختلفة حول التجربة التي مر بها الأردن. بعد انتهاء تلك الحقبة، كان من المفترض ان يبدأ الأردن بما عرف بالشراكة بين القطاعين ، وكان من شأن تلك الشراكة التي تم وضع قانون لتنظيمها اطلاق مرحلة جديدة من التعاون تستفيد من تجارب الماضي وتؤسس لعلاقة من نوع جديد تقوم على الندية والوضوح وتحديد الأولويات وتوظيف قدرات وموارد القطاع الخاص المالية والفنية ومرافق بنية تحتية بما يسهم بتحسين الأداء الاقتصادي بشكل عام وتعزيز كفاءة القطاع الخاص وسد الثغرات القائمة. وهذا شعار دائم التكرار حتى يومنا دون ترجمة فعلية. وهذا الموصوف أعلاه يعد نموذجا لصيغة جديدة من العلاقات، ولكن النجاح لم يرافق هذا النهج ، وتم تنفيذ عدد من المشروعات في قطاعات مثل الطاقة والمياه وبعض البلديات وامانة عمان، ولكن هذا النهج لم يكتسب الزخم المطلوب لأسباب عديدة أهمها ان الاطار التشريعي كان منقوصا او لأن هناك حالة من الشكوك وانعدام الثقة وغياب الرؤية الواضحة حول تحديد الخطوات المستقبلية. نعود للكتابة حول هذا الموضوع لأنه لا مناص من العودة الى الأساسيات المتعلقة به، وخطر ببالي وانا أرى العنوان الرئيسي في احد الصحف المحلية يتحدث عن ان أبواب المدارس الحكومية موصدة بوجه الطلاب بسبب محدودية الطاقة الاستيعابية ، حدث هذا بسبب الهجرة من مدارس القطاع الخاص الذي احتضن العام الماضي اكثر من ربع طلبتنا في كل المراحل وعودتهم لمدارس الحكومة ، مبدئيا الشراكة في التعليم لا تعني تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي ، ولكنها تعني تحولا وتكيفا من الظروف المستجدة ، ففي الوقت الذي تكتظ فيه مدارس حكومية لا تتمكن من استيعاب الاعداد المتزايدة من الطلبة ، يوجد هناك مساحات وغرف صفية مجهزة لا تبعد عن تلك المدارس سوى مئات الأمتار مملوكة للقطاع الخاص، تتجلى هنا مفاهيم الشراكة الحقيقية التي تساعد في تحسين نوعية الخدمة المقدمة ، وفي نفس الوقت تعزز من الادوار المجتمعية لمدراس القطاع الخاص في حل إشكالية برزت ضمن ظروف استثنائية تفرض التباعد الاجتماعي. ذات المبدأ يمكن تطبيقه وبشكل واضح على الصحة والنقل وغيرها من المجالات التي استثمر فيها القطاع الخاص على مدى عقود ، وباتت متاحة ويمكن تطويع مفاهيم الشراكة للاستفادة منها، فهي موارد يمكن استغلالاها والانتفاع منها دون كلف إضافية، ومن شأن هذا النهج مساعدة القطاع الخاص الذي يعاني أيضا بسبب التراجع الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا، وهذا يدخل ضمن حزم الإنقاذ المالي التي يمكن ان تعود بالنفع على المستثمر والمواطن، فهل يمكن قراءة الواقع والبدء بمقاربة جديدة تعزز مفاهيم الشراكة الحقيقية ، ام يبقى الحديث مجرد شعارات كلاسيكية عن شراكة تتحدث عن مشاريع كبيرة مؤجلة، او صيغ جامدة لا تستفيد من روح الشراكة المطلوبة لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الجميع ، وهذا يتطلب توجها جديدا لا يقف عند حدود وحدة الشراكة في رئاسة الوزراء بل يمثل نهجا حكوميا متكاملا ينتقل من وصف الواقع الصعب الى إيجاد حلول خلاقة تساعد كافة الأطراف وتعيد مفهوم الشراكة الى الأساسيات التي وضع من اجلها والمتضمن التعاون لتجاوز التحديات ضمن صيغ متوازنة.اضافة اعلان