القادم هو الأكثر خطورة

مالك العثامنة- “أهم مؤشر لاحتمالية انتفاضة فلسطينية هو عدم وجود أي مؤشرات”. وهذه العبارة حسب تسريبات في الصحافة الإسرائيلية منسوبة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، مما يعني أن القلق حالة مستمرة ومتصاعدة في ظل ما تشهده إسرائيل من أزمات متتابعة ليس أولها “ربيعها العبري” ولا آخرها الطاولة الإقليمية التي انقلبت فجأة على كل الحسابات التقليدية في المنطقة. القلق في إسرائيل يمكن أن يصبح “عنقوديا” أيضا مع وجود نخبة متطرفين حازوا السلطة ولديهم القدرة على إصدار الأوامر، ولا يزال هناك توقعات غاية في السوء لما يمكن أن يحدث في الجمعة القادمة تحديدا مع نهاية شهر رمضان وعلى عتبة موسم الأعياد الإسلامية المتزامنة مع موسم الأعياد الدينية المسيحية. القلق لا ينتهي مع نهاية شهر رمضان الذي شهد صدامات ومواجهات دامية تشكل بحد ذاتها بذورا سريعة النمو لما بعد رمضان على شكل حروب انتقامية من كل الأطراف، وأخطرها ما يتسرب من تقارير إسرائيلية عن نية لخوض حرب على عدة جبهات تستهدف حماس وحزب الله وأذرع إيران في إسرائيل وخارجها. خسرت إسرائيل سياسيا وعسكريا الكثير منذ تولى نتنياهو الحكومة، والخسارة الأكثر فداحة كانت في قوة الردع التي تآكلت كثيرا لا لأسباب الأزمة الداخلية في المشهد السياسي الإسرائيلي وحسب، بل لعدة عوامل دولية وإقليمية من أهمها إدراك تل أبيب أن واشنطن خفضت حضور الشرق الأوسط كله في قائمة أولويتها لحساب صراعات أخرى على النفوذ في مناطق أخرى من العالم، وهو ما أدركته قوى إقليمية كانت أكثر انتباها للمتغيرات وتجلت في حلقاتها الأخيرة بمفاجأة النوايا السعودية – الإيرانية على تفاهم يحسم ملفات إقليمية كثيرة. وأثرها المتوقع على تذليل الصراعات في اليمن ولبنان والعراق وسورية. لم يعد خافيا أن واشنطن وقد حاصرتها الأزمات في العالم، تبحث عن نقطة تفاهم مع إيران أكثر من البحث عن حرب معها، وهي حرب كلفتها عالية وحساسة في ميزان العلاقات الدولية، مما يجعل حكومة نتنياهو تحديدا وحيدة أمام طبول حرب يحاول الجميع إسكاتها. نعم، هنالك حكومة متطرفين مجنونة في إسرائيل، قد تعمل حسب بعض التقارير على جر واشنطن إلى الحرب مع إيران بحماقات غير محسوبة، أو محسوبة بحماقة وعلى معايير لم تعد فاعلة اليوم، وصار واضحا بدون التباسات حالة انعدام الثقة التي يشعر بها البيت الأبيض تجاه الحليف التاريخي إسرائيل. وحتى لا تسحبنا الأوهام ولا التمنيات، فإن حالة “هدم الثقة” الأميركية مرتهنة بحكومة نتنياهو والمزاج اليميني المتطرف، فلا تزال إسرائيل حليفا مهما لواشنطن لكن ضمن شروط واشنطن لا ضمن شروط تقوض مصالح واشنطن التي تخوض حروبا “باردة” على كل جبهات الكوكب. في كل ذلك، وبين كل تلك التفاصيل، هنالك قضية فلسطينية قيد البحث عن حلول نهائية لا تحتمل الترحيل ولا التأجيل، في إقليم يعيد ترتيب حساباته العميقة من جديد، ولا يمكن للحسابات أن تستقيم بدون حل عادل للفلسطينيين وفكرة من خارج كل الصندوق القديم والبائس. المقال السابق للكاتب مشروع السلام الإيرلندي الهشاضافة اعلان