المرتكزات العقائدية للفكر الإبادي الصهيوني (5)

تشير المفردات التي يستخدمها قادة الكيان الصهيوني وحاخاماته في خطابهم المعادي للفلسطينيين إلى مصدرها الأيديولوجي/ اللاهوتي في العقيدة اليهودية. والأهم هو تجليات هذا الخطاب في الممارسة، والكود «الأخلاقي» الوحشي الذي أرشد العصابات الإرهابية الصهيونية، واستمر في إرشاد ما أصبح الجيش الإرهابي النظامي لـ»الدولة» ومعاملتها للفلسطينيين.

اضافة اعلان


ويتناقض هذا الخطاب المعلن مع إنكار اليهود الصهاينة وجود هذه المرجعيات في النصوص اللاهوتية اليهودية، خاصة في التلمود، ويزعمون أنها افتراء وجزء من النشاط المعادي للسامية. لكن دارسين يؤكدون أن هذه التعاليم موجودة، يتيحها تعدد نسخ التلمود، الكتاب المركزي في تأصيل اليهودية الحاخامية وتأويلها.

 

ويمكن من هذه النسخ تجميع نظرية مدعومة لاهوتيا ملائمة تماما لمشروع استعماري-استيطاني وحشي بطبيعته كالمشروع الصهيوني في فلسطين. وسوف يعثر منظرو المشروع وقادته بسهولة على تعاليم دينية تمجد ممارسات مثل السرقة، والاستيلاء، والقتل، والخداع، والتجريد من الإنسانية -لا كأدوات عقائدية إيمانية موصى بها من الله فحسب، بل كممارسات عبادية واجبة الأداء أيضا.


في خطابهم التأسيسي لنظرية الاستعمار، حشد المنظرون الصهاينة –الذين أعلنوا أنفسهم علمانيين- حول المقولات اللاهوتية التوراتية، مثل «أرض الميعاد» و»شعب الله المختار» و»العودة إلى صهيون» (عليا)، وكل ما يلزم لتغطية الجانب العقائدي مشروع الاستيلاء. وفي الشق العملي، استحضروا التعاليم التلمودية بشكل خاص لتشكيل نهج سلوكي مرشد لمجتمع المستعمرين المستوطنين، وسياسة الدولة، وممارسات الجيش الذي لا يتطابق دوره بطبيعته مع أدوار الجيوش الأخرى، والذي ينبغي أن يحكمه ميثاق «أخلاقي» عقائدي يبرر ممارساته الوحشية الإبادية. 


تقسم اليهودية التلمودية الحاخامية ما نسميه نحن بـ»البشر» إلى قسمين متمايزين: البشر الحقيقيون، اليهود؛ والحيوانات «البشرية» التي خُلقت لكي تخدم اليهود: «الأمم»، «الغوييم»، أو «الجنتايل»، وكلها أسماء تشير إلى «غير اليهود».

 

و»الأمم» في التعاليم التلمودية، من كل الملل والألوان والأجناس والأديان، هي كائنات دنيا، الغرض من وجودها هو خدمة اليهود. أما لماذا خُلقت على هيئة البشر (اليهود)، فيشرح التلمود، ندراش تالبيوث، ص. 255-ل: «خلَق يهوه غيرَ اليهوديِّ في شكل بشري حتى لا يضطر اليهودي إلى أن تخدمَه الوحوش. وبذلك، فإن غير اليهودي هو حيوان في شكل إنسان، ومحكوم عليه بأن يخدم اليهودي ليلاً ونهارًا».‏ وفي ‏بابا نسيا 114، 6: «اليهود بشر، لكن أمم العالم ليسوا بشرا بل وحوشا».‏


وبذلك، فإنه ليس هناك ما يمنع قتل «الحيوانات البشرية» –بل إن قتلها عمل محمود. كما أوصى «الحكماء» في التلمود:


‏- السنهدرين 59 أ: «قتلُ الغوييم مثل قتل حيوان بري».‏


‏- عبوداه زارا 26 ب: «حتى أفضل الغوييم يجب أن يُقتلوا».‏


- توسيفتا. عبودة زارا ب، 5: «إذا قام غوي (غير يهودي) بقتل غوي أو يهودي، فهو مسؤول. أما إذا قام يهودي بقتل غوي، فإنه غير مسؤول».‏


في الأصل، ينبغي أن يُخفي اليهود هذه النظرة الازدرائية الفوقية لـ»الأمم»، من باب الخُبث المحض. وعلى سبيل المثال، تخص كتب اليهود المسيحيين بقدر وافر من الازدراء، لكنهم يتكتمون على المقولات التلمودية التي تعبر عن هذا العداء، بل وينكرون وجودها جملة وتفصيلا، ويقولون إنها افتراءات مدسوسة كجزء من نشاط العداء للسامية. ويوصي التلمود، 37: «إبلاغ أي شيء إلى الغوييم عن علاقاتنا الدينية يكون مساويًا لقتل جميع اليهود، لأنه إذا عرف الغوييم ما نُعلِّمُه عنهم، فسوف يقتلوننا علانية».‏ وفي التلمود، ليبري ديفيد 37: «إذا طلب من يهودي أن يشرح أي جزء من الكتب الحاخامية، فعليه أن يقدم تفسيرا خاطئا فقط. كل من ينتهك هذا الأمر يقتل».‏ وفيه أيضا، زعالوت-أوتزابوت، كتاب جوري ديا 17: «يمكن لليهودي، بل يجب عليه، أن يحلفَ يمينًا كاذبًا عندما يسأله الغوييم عما إذا كانت كتبنا تحتوي على أي شيء ضدهم».


لكن مقولات التلمود العنصرية التحريضية بشأن الغوييم تُستدعى علناً في السياق الحديث  ضد الفلسطينيين، باعتبار أنهم الغوييم مختزلين. وهو استدعاء لا يُمكن فعل أي شيء من دونه، لأنه الوقود الذي يمد الوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني بالهواء والماء والغذاء، الذي لا حياة للمشروع من دونه. وعندما يصف قادة الكيان اليوم الصراع مع الفلسطينيين بأنه صراع وجودي، فإنهم لا يجدون بُدًا من المجاهرة بالخطاب العدواني التلمودي للتحشيد حول العقيدة المشتركة التي لا تختلف حول إبادة الفلسطينيين، كحق إلهي وواجب ديني. وكان أول خطاب حربي ألقاه وزير حرب الكيان، يواف غالانت، يتحدث عن الفلسطينيين في غزة كـ»حيوانات بشرية»، طباقا للتصنيف التلمودي.


ولا يُقتصر اعتناق المنظور التلمودي العنصري الإبادي على قادة الكيان وحاخاماته. إنه العقيدة التي يُنشأ عليها كل مستعمِر في الكيان. وقد أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أن معظم سكان الكيان يرون أن القوة التي يستخدمها الجيش الصهيوني ضد الفلسطينيين في غزة –برغم وحشيتها الأسطورية- ليست كافية. وتطالب الأغلبية بسحق «حماس»، بمعنى سحق الفلسطينيين جميعًا في الحقيقة. وحتى عندما يطالب أقارب الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية بإبرام صفقة ووقف الحرب، فإنهم يريدون ذلك لاستعادة أقاربهم، ثم يجب على الجيش استكمال ذبح الفلسطينيين.


في خطاب ألقاه أمام الكنيست في العام 1982 في تبرير الغزو الإسرائيلي للبنان، وصف مناحيم بيغن الفلسطينيين بـ»وحوش ذات قدمين». وتحدث بنيامين نتنياهو عن كل من الفلسطينيين والعرب خارج الحدود باعتبارهم «وحوشًا برية/ مفترسين». وهناك تصريحات موثقة لعشرات المسؤولين السياسيين والقادة الدينيين في الكيان الذين نعتوا الفلسطينيين بالعشرات من أسماء الحيوانات.

 

وكان هذا التجريد المسنود لاهوتيا للفلسطينيين من الإنسانية هو الوسيلة المقدسة لتخفيف اليهود المستعمرين من أي شعور بالذنب، بل الشعور بالفخر بتنفيذ الوصايا الحاخامية القاضية بإبادة الشعب الفلسطيني.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا