الهوية والقلق

سائد كراجة- مهاجمة الدولة المدنية ليست مقالا أو مقولة عابرة، ولا هي مناكفة بين حزبين، بقدر ما هي انعكاس لتيار قلق، تيار قلق متوجس يعتبر الدعوة للحرية الشخصية دعوة للانفلات والتهتك، ويعتبر الدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة باعتبارها دعوة لتجنيس (ازواج) الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين، ويرى أن الوظيفة العامة ليست لكل الأردنيين! تيار يشعر بتهديد على الهوية الأردنية، ويكاد يرى أن أي دعوات للمواطنة وسيادة القانون والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات هو تهديد لهذه الهوية. وأيضا هناك تيار عريض يعتقد ان التحديث السياسي كله ليست حربه، ولا يعني له شيئا وهو تيار يائس فاقد للأمل في الأحزاب والتحزب والحياة السياسية وسيادة القانون، وما نتائج استطلاعات الرأي المنشورة مؤخرا الا دليل فاجع على ذلك. اعتقد أن الوقت قد أزف للمكاشفة والحديث في غرف مفتوحة حول هذا القلق، مناقشة وطنية عامة لهذه المخاوف وتلك المفاهيم بكل احترام وانصات، فمخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وضعت الاطار السياسي والقانوني للحياة السياسية المستقبلية في مئويتها الثانية، ولضمان فاعلية هذا الاطار القانوني السياسي نحتاج لمكاشفة شعبية وطنية وحوارا عاما شفافا قائما على الانصات لمخاوف بعضنا بعضا، نحتاج الانصات لكل من يشعر بالتهميش أو الاقصاء لسبب ما، فيبدو أن التجريف السياسي الذي تمثل في تعطيل الحياة السياسية ومشاركة الناس في القرار في المئوية الأولى للدولة، تركنا جميعا اقليات وان كثر عدد بعضنا، وترك بين ظهرانينا مشاعر اما بالغربة أو بالخوف من ضياع ما نعتقده مكاسب كسبناها من مخرجات التجريف السياسي اياه الذي دام حوالي اربعة عقود! الوقت قد حان لمناقشة قيم ومفاهيم المجتمع السياسية والاجتماعية، الأساسية، بمعنى الاتفاق عليها سياسيا واجتماعيا، وهذا جهد سياسي وثقافي واجتماعي قامت وتقوم به الدول في مراحلها الانتقالية السياسية، فقد قامت به الصين فيما كان يعرف بالثورة الثقافية، وقبلها قامت به الحضارة الإسلامية في القرن الأول الهجري؛ الذي شهد عصر التدوين وضبط المصطلحات والمفاهيم الفقهية والاجتماعية، وتقوم به السعودية الآن والتي انتفضت على حركة دينية محافظة كانت عماد الدولة، وهي الآن تواصل عملية جريئة وتكاد تكون غرائبية في مراجعة والاتفاق على كل المفاهيم الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية بما في ذلك صحيح البخاري!! نعم نحن بحاجة لنقاش وطني هادئ يقوم على الاحترام والانصات لقلق الناس ومخاوفهم، والذي اعتقد انه مع تعدد دوافعه الا انه قلق حقيقي، وهو قلق تيار عريض من المشاركة السياسية نفسها، ذلك ان هدف المشاركة السياسية هي تفعيل الحياة السياسية الدستورية التي تقوم في نصوصها على المواطنة، والتي من صورها المشاركة في الوظائف العامة على مبدأ الكفاءة – كما نصت المادة 22 من الدستور ـ كما تقوم على تكريس الحريات الفردية / الشخصية التي تشغل الفصل الثاني كاملا من الدستور واعتقد ان هذا الجهد هو أهم عمل يمكن أن نقوم به لتحقيق ما نتغنى به من ضرورة تمكين الجبهة الداخلية أمام الأطماع في الأردن نظاما وهوية وأرضا. نعم لنتفق على معان تبدو للبعض واضحة، ولكنها للكثيرين مثيرة للشك والريبة، لنتفق من هو المواطن؟ وماذا تعني المواطنة؟ وماذا تعني المساواة بين الرجل والمرأة؟ وكذا ماذا نعني بمبدأ تكافؤ الفرص الذي قرره الدستور؟ لنتفق ماذا نقصد بالهوية الاردنية وما هي معايير حمل هذه الهوية والانتماء لها؟! ماذا يهددها وماذا يقويها؟! هل يجب أن نحارب الهويات الفرعية ام نحتفي بها؟ تذكرون نقاش الهوية الجامعة! هو محطة قريبة تدلل على أن الحوار الوطني العام حول القلق العام وحول المفاهيم والمصطلحات لغايات بناء سرد سياسي وطني اجتماعي ثقافي صار مطلبا ومصلحة عليا للدولة والدستور والشعب، مطلب ضروري ولازم لتحقيق مخرجات اللجنة الملكية بالوصول إلى حكومة برلمانية لدولة مدنية ديمقراطية معاصرة، تقوم على المواطنة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وتحتفي بالحريات الفردية الدستورية ولا ترتعب منها، أقول هذا الحوار ضرورة قصوى جنابك!! المقال السابق للكاتب تواصل عن تواصلاضافة اعلان