تسليح الأردنيين

عبر كثيرون عن سخريتهم من الدعوة الصريحة التي أطلقها بعض المسؤولين السابقين لتسليح الأردنيين، وإعادة إحياء الجيش الشعبي الذي كان رديفا مهما للجيش النظامي في عقود خلت، وذلك في مواجهة الأطماع التوسعية الواضحة للمشروع الصهيوني، والذي يصرح رموزه على الدوام بعدم الاكتفاء باحتلال فلسطين.

اضافة اعلان


ورغم تعدد المواجهات السابقة بين المقاومة والاحتلال، إلا أنها تكاد تكون المرة الأولى التي تتم فيها الدعوة إلى أمر كهذا، خصوصا أن المسؤولين الذين تصدوا لهذه الدعوة، يدركون الكلف التي من الممكن ان يدفعها الأردن جراء قرار كهذا.
لكن السؤال الأهم في هذا المقام، هو ما هي الكلف التي يمكن للأردن دفعها إن تغاضى عن المخاطر التي تحيط بالمنطقة، والتي يبدو أنها ذاهبة إلى تصعيد خطير يعيد خلط الأوراق، ويعبث بالجغرافيا، وقد يفرض علينا واقعا جديدا لم ينكره مسؤولو الدولة العنصرية حين طالبوا سكان غزة صراحة باللجوء إلى مصر، وهو الطلب الذي لا يبدو أنه وليد لحظته، بل قرار صهيوني حبيس الأدراج حتى اللحظة المناسبة، والتي يظنون أن وقتها حان اليوم.


يُعمل الاحتلال آلته العسكرية الوحشية ضد غزة، منطلقا من سياسة الأرض المحروقة، بحيث لا يريدها مكانا صالحا للحياة، مستهدفا كل شيء؛ الإنسان والمدارس والمستشفيات والعمران، وبهذا يكشف عن نواياه بأنه لا يريد شعبا فلسطينيا هناك.


دفع آلة الدمار الصهيونية بالغزيين نحو مصر، ظل على الدوام خيارا عنصريا لإفراغ الأرض من سكانها، بينما على الجهة الأخرى، يعيث  كيان الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة فسادا، و "يتسلح" بمشروع "الوطن البديل" للتخلص من الفلسطينيين، وهو الحلم الذي داعب خيال الجيل الأول من المستعمرين الصهاينة، وتبناه تابعوهم حتى اليوم.


تسليح الأردنيين اليوم ليس دعوة للضحك أو السخرية والتندر، بل بات يمتلك أهمية خاصة حين نتعامل مع عدو يتبنى أهدافا مرحلية، وكل مرحلة ينجح في تحقيقها تدفعنا أكثر فأكثر نحو الجدار. يمكن لنا أن نتتبع ما وصلت إليه الأمور منذ تفاهمات "أوسلو" ومعاهدة "وادي عربة"، ونسأل: أين هي الالتزامات التي نفذها العدو، وأين هي الدولة الفلسطينية المستقلة وسط الكيانات الاستيطانية الاستعمارية التي قطّع بها أوصال الوطن الفلسطيني!


إذا كانت معركة المقاومة ضد هذا الاحتلال تدور في قطاع غزة اليوم، ونعتقد أنها بعيدة عنا، فهذا نوع من التفكير القاصرالذي لا يمكن له استشراف المستقبل المليء بالحبائل. فالكيان العنصري الذي أخذ تفويضا عالميا من القوى الاستعمارية القديمة بأن له "الحق في الدفاع عن نفسه"، وتم دعمه سياسيا وعسكريا، يشعر أنه الوقت المناسب لكي يذهب خطوات واسعة إلى الأمام، وأن يضع لبنات عديدة في مشروعه الاحتلالي، خصوصا أن الانتهازية الصهيونية المعروفة لن تفوت فرصة ذهبية مثل هذه.


إن العالم العربي اليوم، يقبع تحت خطر كبير، ولكن وضع البلاد المحيطة بفلسطين، وأولها الأردن، ترتفع درجة الخطورة فيه إلى مديات كبيرة، ومن غير المعقول أن ندفن رؤوسنا في الرمال، وأن نظل نعتبر السلام هو خيارنا الاستراتيجي الوحيد، خصوصا في مقابل عدو لا يعترف بالسلام إلا من أجل أن يحقق بعض الاستقرار الذي يؤهله لتحقيق قفزته التالية على حساب مصالحنا وأمانينا، وعلى حساب الأجيال التي تكبر من دون أي أمل.


إذا كانت المقاومة تخوض حربا ضد كيان نظام الإبادة الجماعية الصهيوني، وتدفع الثمن غاليا من دمها ودماء أبناء شعبها، فإن مآل المعركة النهائي لن يكون غزة وحدها في حال نجح العدو، لا سمح الله، في حسم المعركة لصالحه. كل البلدان المحيطة، وكل العرب سيدفعون الثمن غاليا حين يستتب الأمر للدولة العنصرية، وستتعامل كمنتصر جديد يحمل خرائطه الخاصة ليقسم الأرض والناس عليها.
السلام كخيار وحيد، هو خيار الأمم والشعوب العاجزة عن الفعل، وينبغي لنا أن نكف عن النظر إلى أنفسنا بهذه الطريقة المزرية.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا