تلك الحرب الضرورية

الطلب من دمشق أن "تضبط" حدودها طلب عبثي، والتفاهمات مع إيران بخصوص عملية الضبط هذه قد تكون أكثر جدوى، لكن إيران ليست كتلة صماء واحدة، هناك من يتلقى الرسائل في طهران فيهز رأسه متفهما، وهناك – في طهران أيضا- من لا يريد الاستماع ويتوغل أكثر في مخطط "التوسع الإقليمي" المبني على قاعدة تصدير الثورة، بالأحرى تصدير الأزمات الإيرانية إلى الخارج تحت مسمى تلك الثورة.

اضافة اعلان


تصعيد الحرب على الحدود الشمالية لوقف سيل التهريب "مخدرات وأسلحة" لم يعد ضربات نوعية وتجاوز الردع والتحذير إلى حرب حقيقية قد يجد الأردن نفسه فيها في خيارات لم يكن يريدها لكنه مضطر إليها ومن بينها الدخول في العمق السوري لحماية المجال الحيوي الأردني.


هذا خيار صعب لكنه مطروح غالبا في الأوساط الرسمية خصوصا أن كلفة الردع صارت كبيرة في ظل الظروف الإقليمية الراهنة وما يحدث في غزة وما يمكن أن يحدث في الضفة، وهي حسابات لا تترك هوامش للتأني والصبر، الذي انتهت حدوده عند تلك الحدود.


حرب الأردنيين الحقيقية هي في الجبهة الداخلية التي تواجه عملية ممنهجة لإغراق المجتمع بآفة المخدرات، وتلك التي تتطلب من الجميع أن يواجه عمليات التهريب بكافة أنواعها، فنجاح – أي نسبة نجاح- لظاهرة انتشار المخدرات "والسلاح" في الأردن هو تقويض للدولة مما يعني حتما ومنطقيا انتصارا لكل من يريد للدولة الأردنية أن تصل إلى مراحل الضعف، وأول المستفيدين – بالإضافة إلى ميليشيات التهريب الممنهج- هم مجانين التطرف في إسرائيل، والذين لن تنجح مخططاتهم بنقل الأزمة الفلسطينية بكاملها إلى شرق النهر إلا بتقويض الدولة الأردنية.


الأردن مستهدف، وهذه ليست لازمة إنشائية بل قاعدة أساسية مبنية مع تأسيس الدولة الأردنية منذ بدأت، فالجغرافيا السياسية هي التي فرضت هذه "القدرية" على الأردن الذي تجاوز مئويته الأولى بكل ما فيها من حواجز ومنعطفات خطيرة ومفصلية، وتغيير قواعد الاشتباك حالة من الحالات النادرة التي يخرج فيها الأردن عن طبيعته الهادئة، لكنه خروج لا ينفلت من كل الحسابات الدقيقة على مستويات سياسية واقتصادية وإنسانية، فالعدو هنا ميليشيات مسلحة منفلتة عن كل الحسابات والقوانين وغذاؤها الحيوي الوحيد هو الفوضى، وهم يختبئون في مناطق كثيفة سكانيا وبين قرى ومدن مأهولة ومنهكة من حرب أهلية مدمرة، وغياب لسلطة الدولة فعليا، وهذا التحدي باستهدافهم يتطلب فرض النظام على الأرض نفسها، وتلك حسابات واردة ومنطقية تجنبا لحسابات كارثية أخرى يريدها أصحاب نظرية نشر الفوضى في الإقليم.


لا توجد حلول "دبلوماسية" في حالة معقدة ومسلحة وخطيرة مثل هذه الحالة، هناك حلول إنهاء الحالة تماما وفرض النظام وتبديد الفوضى، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بحالتين: أن تحسم إيران خياراتها وتتحكم بأدواتها على الأرض، أو – في حال رفضت أو عجزت طهران عن توحيد موقفها- فلا خيار إلا فرض النظام على الأرض "المستباحة" بالقوة وبأقل الأضرار الممكنة، حتى لا يتحول الإقليم كله إلى ساحة مستباحة من كل وكلاء الحروب والتطرف والجريمة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا