تلك الناس المتعبة قهرا حد الضجر

مالك العثامنة- كل ما سيحدث بعد أي انتخابات برلمانية قادمة في الأردن أن المشهد – بالضرورة وفي العمق- سيتغير.
قواعد اللعبة السياسية تم ضبطها من جديد على أسس جديدة وغير مسبوقة في الدولة الأردنية، وأهم عناوين التغيير سيكون في شكل ومحتوى – وطبعا مخرجات- الانتخابات النيابية أيا كان موعدها.

اضافة اعلان


من يمارسون السياسة بأدواتها التقليدية "المحلية" القديمة سيخرجون من اللعبة تدريجيا، ومن يقدر من اللاعبين القدامى أن يعيد تأهيل نفسه بالأدوات الجديدة فله فرصة استمرار لكن لن تكون طويلة، والمدى الطويل سينتج أسماء جديدة وربما نوعية تفكير جديدة نأمل أن يكون من بينها أحزاب "برامج" تتوسع وتنمو طبيعيا بلا أي عمليات بتر جراحي مفاجئة، كما يمكن أن يتوازى مع هذا الأمل توقع أكيد بأن تطرد الحالة الجديدة من أحزاب البرامج كل ما سبق من تجربة الدكاكين الحزبية التقليدية والتي عرفنا تاريخيا نوعان منها : أحزاب "من تزهو بهم المناصب" ومن حولهم تجار يتكسبون من النفوذ، وأحزاب الرفاق الأيديولوجيين الذين تعنيهم كل قضايا الكون بكل تفاصيلها ولا يهتمون لفكرة برامجية تنموية واحدة تخدم الأردن.


حاليا، هناك صياغات تتشكل في جوف الحالة الأردنية، صياغات متعددة ومتباينة بين نماذج "جمعية" تحاول أن تثبت نفسها كحالة حزبية قادرة على الاستمرار.


ربما تنجح حالتان أراقبهما وأعرفهما لقدرة "عرابيها" على التكيف السياسي الممزوج بالخبرة والمعرفة والأهم: الذكاء في التقاط ما يريده "الجميع".


باقي الحالات، ما تزال رهينة الانتفاخ البالوني الاستعراضي الواهم، والذي ينتهي كما أي حمل كاذب كقصة منسية قد لا يتذكرها أحد في المستقبل.


ببساطة، ومن الواقع وعلى أرض الواقع، فالناس تعبت، تعبت جدا وتجاوزت القهر نفسه إلى الضجر الملامس لليأس.
ومع ذلك، فتلك الناس المتعبة والضجرة على حافة اليأس، قد "تأنس نارا" من بعيد في أي حالة حزبية قادمة تلامس ما تريده فعلا في حياتها ومعيشتها، ولو بعض حلول لا كلها، لوضع اقتصادي واجتماعي وسياسي ثقيل جدا.


الناس المتعبة – على غضبها وضجرها- لم تعد لديها ولو على سبيل تضييع الوقت والتسلية بلع الاستعراضات اللغوية والعبارات الفضفاضة والوعود "المطلية بالعسل"، ولم تعد عبارات "الحماس الوطني" ولا استطرادات البلاغة الإنشائية في الرجولة والنخوة والشهامة صالحة لاستنهاض الهمم.


الشيء الوحيد الذي يمكن له أن يجعل مواطنا متعبا تجاوز القهر حد الضجر منتبها للجديد، هو في أن يكون جديدا فعلا وبالمحتوى، قادر منطقيا على إقناعه أن الأبواب ليست مغلقة، ويمكن فتحها بالوعي والمعرفة والمنطق والمصداقية.


الناس، تلك الناس المتعبة حد الضجر غاضبة من كل ما يحدث حولها، أغلبهم جيل شاب، وقد شب عن طوق استغفاله بالرشوات البلاغية والبيانات الثورية، وهم جيل "معرفة تكنولوجية" يقرأون كل شيء ومن الصعب إيقاع "معظمهم" في كمائن "الاستقطاب" الثوري، ولا في أفخاخ "سد الحاجة" لكن برنامجا واقعيا مبنيا على المنطق قد يقدم لهم إطارا لأمل يبدأون برسمه يقدم لهم بارقة حل لعيشهم ومعيشتهم وقادر على أن يعيد إحياء المواطنة فيهم من جديد.


والمواطنة، تلك المفردة السحرية لو تم تفعيلها في الدولة، فهي التي تحول الناس المتعبة حد الضجر إلى مواطنين في دولة تملك نفسها وسيادتها امام الجميع.

المقال السابق للكاتب

جلسات مغلقة بابها مفتوح