حوارة و"صبر المقاومة" في غزة

أحمد جميل عزم أحد الأسئلة التي تُطرَح باستمرار في فلسطين، هو ما المطلوب أن يحدث في قطاع غزة؟ وتحديداً من قبل تشكيلات الفصائل المسلّحة ذات القدرة الصاروخية، لإسناد الضفّة الغربية والقدس في مواجهات كالعدوان الذي حدث في حوّارة، جنوب نابلس، هذا الأسبوع. قد يكون من الخطأ القيام بعمل مسلح من القطاع، لأسباب أهمها أنّ هذا السلاح ليس الأداة المناسبة لمتطلبات الحالة في الضفة، وسيكون استخدامه مؤشر ضعف وليس قوة. أحد آخر الأمثلة على التصريحات التي تلوّح بالمقاومة من غزة، تصريح الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة “حماس” أبو عبيدة، قبل أيام، إن المقاومة في قطاع غزة تراقب جرائم الاحتلال المتصاعدة تجاه أهلنا في الضفة المحتلة و”صبرها آخذ بالنفاد”. يمكن فهم تردد سؤال “لماذا لا تنطلق الصواريخ من غزة لنصرة الضفة”، جزئيا ضمن التنافس بين الفصائل، سواءً فصائل المقاومة ذاتها (حركتي الجهاد الإسلامي و”حماس”) التي تحتار كيف تحافظ على الصورة التي شكلتها في المواجهات من غزة، وكيف تستخدم قوتها هناك، أو استفزازاً من منافسي الحركتين، وخصوصاً ضمن بعض شرائح جمهور وإعلام حركة “فتح” التي تريد أن تقول إنّ “حماس” تركت المعركة. هناك عدّة تفسيرات لماذا لا ترد حاليا المقاومة المسلحة من غزة بالصواريخ؛ أولها تفادي الخسائر والأضرار الهائلة التي تصيب القطاع والإرهاق الذي أصاب أهله. وثانيها، الحديث عن ترتيبات وتفاهمات أصبحت شبه علنية ورسمية بين حركة “حماس” وإسرائيل في القطاع، سواء فيما يتعلق بتخفيف حدة الحصار، والسماح ببعض المتنفس على شكل تصاريح عمل للعمال، أو موضوع دخول المساعدات المالية من دولة قطر. وثالثاً أن المواجهات السابقة لم تؤد لتحقق الهدف السياسي المباشر المعلن لها. ورابعاً لأنّ إسرائيل معنيّة حقاً بتحويل أي مواجهة إلى مواجهة نظامية بين جيش وفصائل مسلّحة بالصواريخ، لأنّ لديها تفوقا هائلا في هذا الصدد، ولأنّه يسهل تسويق مواقفها وجرائمها للعالم بمواجهة “الصواريخ”. على أنّ السبب الذي يجب أن يمنع فصائل غزة المسلّحة عن دخول المواجهة، أن المعارك في القدس ونابلس وجنين وكل الضفة الغربية تطلب عملاً من نوعٍ آخر. صحيح أنّ حُضور حركة “حماس” في المجموعات المسلحة خصوصاً في جنين ونابلس، غير واضح، وغير مباشر، وهذا مفهوم وربما سديد، لأسباب منها أنّ هذه المجموعات تريد وحدة غير فصائلية، ولأنّ “حماس” تحتفظ بتكتيكاتها السرية المنفردة، ولأنّ إسرائيل قد ترد على “حماس” في الضفة بضرب غزة، ولأنّ السلطة الفلسطينية لن تتسامح مع سلاح علني لحركة “حماس” يعيد للأذهان الصدام في غزة عام 2007، وسيُتّهَم أنّ هدفه داخلي بقدر ما هو ضد الاحتلال، لكن إضافة لكل ذلك، فإن متطلبات المعركة في الضفة الغربية مختلفة. إذا كانت الفصائل باختلاف أسمائها، تعتقد أنّ لديها قدرة على الفعل في كل الأرض الفلسطينية فيجب أن تستخدم لكل ساحة أسلحتها وأدواتها المناسبة، والإصرار على استخدام الصواريخ من غزة علامة ضعف، مفادها عدم امتلاك بنى وقاعدة وجماهيرية وأدوات قادرة على الفعل في المناطق الأخرى. في حالة نابلس وجنين فإنّ الفصائل جميعها مطالبة بتنظيم حركة الشعب الفلسطيني والمقاومة الشعبية. هناك عبارة تتردد كثيراً في الآونة الأخيرة هي أنّه “لا انتفاضة دون حركة “فتح” ولا هدوء دون “حماس” (وأحياناً يقال لا انتفاضة دون “فتح” ولا حرب دون “حماس”)”. إن تنظيم لجان الحماية الميدانية في كل مكان بوجه المستوطنين والجنود، والإسناد الاجتماعي والميداني للمواجهة والمقاومة بأنواعها، هي الدور الأول للفصائل الآن في الضفة. “فتح” باعتبارها الخزان الجماهيري الأكبر، تعمل بمبادرات ذاتية مواقعيّة وتفتقد لضبط إيقاع حقيقي واستراتيجية “جماعية”. حركة “حماس”، ومعها “الجهاد” يمكن أن تقدم أيضاً تصوّرا واقعيا بالتنسيق مع “فتح” والفصائل والقوى الأخرى، لتحديد برامج مشتركة، متعددة الأدوات؛ مدنية، وشعبية، ولجان دفاع ضاربة لمواجهة القوى اليمينية الإسرائيلية الفاشية التي تشن هجماتها يومياً. يجب أن ينفذ صبر المقاومة في غزة، ولكن ليس بمواجهةٍ تحرف الأنظار، عن ساحة المواجهة، وتغير من قواعد المواجهة لصالح القوة النظامية الإسرائيلية، ولكن بجعل المقاومة في الضفة تُطّوِر أدواتها واستراتيجيتها بالأدوات المناسبة. المقال السابق للكاتب  نمطان للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية.. سيناريو جديد؟اضافة اعلان