فلسطين الحرة: القوة العظمى للتغير..؟!

حسب رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أمس، فإنه قال لقادة العالم أن هزيمة "إسرائيل" تعني أنهم سيكونون التالين، وأن "الإرهاب" سيطالهم أيضاً. وحسب قادة الكيان جميعًا تقريبًا، فإن كيانهم هو خط الدفاع الأخير عن الحضارة أمام الهمجية، والنور أمام الظلام.

اضافة اعلان


يُقرأ هذا الخطاب بطريقتين: من ناحية، ثمة مبالغة أسطورية في تصوير الشعب الفلسطيني على أنه قوة طامحة إلى احتلال العالم. إنهم لن يكتفوا، حسب نتنياهو وزملائه، بالقضاء على "القوة العظمى الحضارية" في فلسطين، وإنما سيواصلون من هناك مطاردة "الحضارة" كوجود ومفهوم، في كل مكان في العالم، وصولاً إلى أوروبا وأميركا. وبطبيعة الحال، يتحدث نتنياهو لأصدقائه في الإقليم بنفس الطريقة عن "خطر الفلسطينيين" الذين سيغيرون خريطة الإقليم ويستهدفون "الاعتدال" الذي يساوي القبول بالكيان حبيبًا وجارًا وحليفًا، وبهيمنة الذين خلفه.


من ناحية أخرى، وهذه هي المفارقة، نتنياهو مُحقّ جدًا. وهو محق بالقدر الذي توضع فيه التعريفات والحقائق في سياقاتها الحقيقية، كما نفهمها نحن وكل "الجنوب العالمي" تقريبًا -بمعنى شعوب الجنوب العالمي أكثر من أنظمته. أولًا، نحن نفهم الكيان الصهيوني على أنه القاعدة المتقدمة، والمدافع الأخير حقًا، عن مشروع الهيمنة الاستعماري الغربي في إقليمنا الكبير وجزئنا من العالم. وإذا انهارت هذه القاعدة، وذهب هذا الشرطي الذي تزوده مؤسسة الهيمنة الغربية والأميركية بأحدث وكل وسائل "قمع الشغب"، فإن هذا "الشغب" من أجل الحرية سيصل مباشرة إلى أسوار نظام المؤسسة نفسه.


أما بالنسبة للثنائيات المتعارضة، النور/الظلام، والحضارة/ الهمجية، فإننا نعرف تمامًا كيف يتم إسنادها إلى الكيانات بشكل قسري واعتباطي، حيث القوي يضع التعريفات. بالنسبة لنا، كانت "الحضارة" و"التنوير" الغربيان هما العربتان اللتان جاء على متنهما الاستعمار الأبيض، مسلحًا بإيمان لا يتزعزع بمهمته التنويرية الإلهية. وما يزال هذا الخطاب ساريًا كما كان دائمًا، في كلام قادة الكيان عن "النور" و"الحضارة" بوصفهما كيانهم الاستعماري الاستيطاني الوحشي الممثل للغرب والمدافع عنه.


وبذلك الفلسطينيون الساعون إلى التحرر "خطر" داهم حقًا. إنهم يحاولون أن يشكلوا طليعة تريد أن تزعزع "استقرار" النظام العالمي السائد و"استقرار" الإقليم على فوضاه. لماذا يشكل الفلسطينيون كل هذا "الخطر"، وأكثر من أي أمة مناضلة أخرى؟ أولًا لأن قوى الاستعمار التقليدي لها قواعد أصلية انطلقت منها حملاتها وعادت إليها عندما انهكتها مقاومة المستعمرات. أما الكيان الصهيوني فاستعمار استيطاني، يمثل من ناحية الاستعمار التقليدي بعسكرته وممارسته القتل والإخضاع اليوميين، ومن ناحية أخرى الطبيعة غير الطبيعية للاستعمار الاستيطاني الذي يلزمه افتقاره إلى قاعدة انطلاق بالدفاع عن نفسه كمسألة وجود. وعلى النقيض من المشاريع الاستعمارية السابقة، في أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، لا يستطيع الكيان الصهيوني إدامة نفسه بنفسه، وإنما يديمه صانعوه مقابل خدماته كنائب وشرطي ووكيل إخضاع في منطقة فائقة الأهمية.


هل يصدق القادة العالميون والإقليميون مزاعم نتنياهو بأن "الإرهابيين" الفلسطينيين سيأتون إليهم إذا أسقطوه هو وكيانه؟ أتصور أنهم يصدقونه تمامًا ولا يعتقدون أنه يبالغ. وإلا، لماذا تُشن حرب عالمية، حرفيًأ، على غزة والمقاومة الفلسطينية فيها؟ ليس قادة الغرب، وأتباعهم إذا كان هذا يهم، أغبياء يخدعهم نتنياهو كما قد نعتقد. وهم يعرفون بالتأكيد أن الفلسطينيين المنهكين لن يستهلوا عهد حريتهم عندما تتحقق بغزو العالم. لكنهم يعرفون أن حركات التحرر الناجحة تُعدي وتشجع وتضع مثالًا ليحتذى. ويدركون أكثر من ذلك أن حرية الفلسطينيين، التي شرطها زوال الكيان الصهيوني، سيجعلهم يخسرون رصيدًا مهمًا لا يقدر بثمن كان يضمن تمزيق الشرق الأوسط، وإحباط النزعات التحررية لشعوبه، والتبعية لمختلف الأسياد البيض.


ثمة فرز واضح  كالشمس لكل ذي عين صنعته معركة غزة من أجل الحرية. ثمة أنصار فلسطين الحرة، كمشروع وفكرة ونتائج. وثمة أعداء فلسطين على هذه الأسس أيضًا. الذين يعادون فلسطين هم الدول الاستعمارية الوحشية الإبادية تاريخيًا، التي تعطي لنفسها الحق الحصري في الغزو والقتل والإبادة والهيمنة، والتي تصطف، من دون مفاجأة، مع قرينها الصهيوني. وهم الخائفون من "عدوى" الحرية والأمل والنور والحضارة، التي ستنشرها فلسطين حرة بين الشعوب المُخضعة. هذا هو "خطر" الفلسطينيين الذي يجعلهم مستهدفين، و"قوة عظمى" محتملة لتغيير النظام، الذي يفسر مواقف كل أصدقاء نتنياهو، الذين يحدثهم ويستمعون إليه، ويصدقونه كإيمان.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا