فوضى المراحل!

في هذا الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على غزة، والاقتحامات الدموية في الضفة الغربية يجري الحديث عن اليوم التالي دون معرفة متى يأتي، أو ما إذا كان يوما يخص طرفا دون غيره من جميع الأطراف الأخرى، فتلك المحاولة لخلط المراحل ما هي إلا انعكاس لتعقيدات الأزمة التي اشتعلت شرارتها يوم السابع من أكتوبر وما تزال تتفاعل وتتعقد من يوم إلى يوم.

اضافة اعلان


المراحل في سياقها المنطقي هي تلك التي كان ينبغي أن تتواصل منذ بدء عملية السلام في مدريد، وتفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس الشريف، ولكن إسرائيل مضت في مشروعها الاستيطاني التوسعي، وصولا إلى يهودية الدولة، والتمييز العنصري، وضم القدس عاصمة موحدة لها، فضلا عن محاولات السيطرة على الحرم القدسي الشريف، تحت مزاعم تلمودية، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، وطموحاته المشروعه.


ظن الجانب الإسرائيلي أنه بذلك يسد كل السبل في طريق الحل العادل للقضية الفلسطينية، واعتقد أن بإمكانه أن يتجاوز الحقائق على الأرض، ويطرح نفسه كعنصر فاعل ومؤثر في التوازنات الإقليمية، من دون التزام من أي نوع بقرارات الشرعية الدولية ومرجعيات ومبادرات السلام بما فيها مبادرة السلام العربية، ولا حتى اتفاقية أوسلو على علاتها!


وللحقيقة والتاريخ، وحده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ظل يحذر قادة العالم من القبول بالنهج الإسرائيلي على أنه أمر واقع غير قابل للتغيير أو التبديل ، وكانت الظروف الإقليمية والدولية تخدم تلك الخديعة التي خدعت إسرائيل نفسها بها، وأرادت أن يقبلها الجميع على أنها مسألة وقت، حتى تحل الصراعات الأخرى، والمشروعات الاقتصادية الكبرى محل الاهتمام بمطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.


من جديد يسعى جلالة الملك إلى تشكيل موقف عقلاني عربي ودولي لإعادة ترتيب المراحل بعد أن أدرك الجميع ما كان يدعو إليه من تحرك عاجل وضروري لفرض حل الدولتين، محذرا من أن التغاضي عن هذه المسألة سيؤدي حتما إلى انفجار الوضع، واحتمال توسيع نطاقه على مستوى المنطقة والعالم، وهو ما حدث بالفعل، ويمكن أن يحدث في ضوء ما يجري على الحدود الشمالية مع لبنان، وفي البحر الأحمر، وكذلك الاحتمالات الناجمة عن انتهاك إسرائيل الصارخ للمعاهدات والاتفاقيات، والقانون الإنساني الدولي، بما يضع دول العالم أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية على حد سواء!


إعادة ترتيب المراحل كما يطرحها جلالة الملك في سياقها الذي يؤدي إلى إنهاء هذا الصراع تبدأ بالوقف الكامل والصارم للعدوان الإسرائيلي على غزة، ومدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية، والانسحاب منها، ومن ثم البدء بعملية سلمية تستند قواعدها إلى قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، وحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، وصولا إلى اختيار الشعب الفلسطيني قيادته التي تمارس سلطات الدولة المستقلة على الأرض الفلسطنينة ضمن حدود الرابع من حزيران موحدة وكاملة.


بالنسبة لقائد مثل جلالة الملك لا يقبل مبدأ فرض الأمر الواقع بالقوة، ويعلم علم اليقين نقاط القوة والضعف في هذه المعادلة فإنه عندما يطالب الإدارة الأميركية والقادة الأوروبيين بالعمل على الوقف الفوري لهذه الحرب، وادخال المساعدات الإنسانية إلى غزة كمرحلة أولى فإنه يلفت انتباههم إلى أن مسؤولياتهم تجاه الحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي، وتجاه مصالح دولهم أيضا هي اليوم على المحك، والشواهد على ذلك كثيرة، وكلها تؤكد أن قدرة الحكمة والعقل أنفع وأجدى من قدرة القوة وجنون العظمة!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا