لماذا؟ هذا هو السؤال المطلوب لمعرفة الجواب

لعله لا يوجد شعب في هذا العالم، محروم من وطنه وممزق في داخله وخارجه غير الشعب الفلسطيني.


يصف المفكر والكاتب والصحفي اليهودي الإسرائيلي المعروف ديفيد ليفي حال أو وضع هذا الشعب بقوله:  «إنه لا يوجد في العالم الكثير من المجموعات السكانية العاجزة مثل الفلسطينيين الذين يعيشون في بلادهم. لا يوجد أي أحد يدافع عن حياتهم وعن ممتلكاتهم وعن كرامتهم. حتى أنه لا يوجد أحد ينوي ذلك. هؤلاء الناس تُركوا لمصيرهم. ممتلكاتهم أيضاً مستباحة. مسموح إحراق بيوتهم وحقولهم وبالطبع إطلاق النار عليهم بدون أي رحمة وقتل الشيوخ والأطفال منهم. لا توجد أي قوة للحماية إلى جانبهم ولا شرطة ولا جيش ولا أي جهة.

اضافة اعلان

 

نشاطاتهم تعتبر إرهاباً ومصيرهم معلوم: «ما التصفية أو الاعتقال» (هارتس في 26/6/2023 وفي الغد في 27/6/2023). وكأنه يريد أن يقول: حرام على بلابلها الدوح: حلال لليهود من كل صوب.


حقاً إنها كارثة أو نكبة وأمام عيون العالم أجمع أن يفقد شعب بريء أرضه ووطنه، وأن يُشرّد فيه وفي الآفاق على يد لاجئين ومهاجرين بائسين في الأصل تسللوا إلى وطنه، قدموا من وراء البحار الأوروبية التي اضطهدتهم حتى الموت. حقاً إنه لا مثيل لكارثته أو لنكبته في العالم سوى كارثة أو نكبة الهنود الحمر في العصر السابق.

 

كان الهجوم الفلسطيني الاستثنائي الأخير الذي شنه فصيل فلسطيني على اسرائيل – حماس-  هو محصلة ما ذكره السيد ديفيد ليفي. فلقد بلغ القلق الوجودي عند هذا الشعب الزبى، وكان لا بد من توكيد هذا الوجود، فكان هذا الهجوم.


لقد أذلت حماس كبرياء نتنياهو وابن غفير وسيمورتش وإسرائيل بهذا الهجوم المنسق المفاجئ وهزأت عسكرها وكسرت غطرستها ليس على يد دولة عظمى مدججة بالسلاح بل من تنظيم/ فصيل محاصر براً وبحراً وجواً حتى الموت، فكيف يكون مصير اسرائيل لو شمل الهجوم جميع الجهات والجبهات؟


ولكن إسرائيل لن تدع ذلك يمر، فهل استعدت حماس لذلك أم أنها اكتفت بالتوكل على الله دون القطران؟ إنها، أي إسرائيل، تخطط منذ الآن لرد دوي أو مزلزل للقطاع، كما يعبر عنه خطاب نتنياهو لإسرائيل. إنها تستدعي مئات الآلاف من جنود وضباط الاحتياط، وأميركا وأوروبا تعلنان الاستعداد مادياً ومعنوياً لتمكينها من إبادة الشعب الفلسطيني، على الأقل في قطاع غزة، فلا تقوم له قائمة، ويتأكد بقاء إسرائيل إلى الأبد، وينتهي قلقها الوجودي. وحتى الهند التي نقيم أحسن العلاقات معها انضمت إليهما في الوقوف مع إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني البريء، وكأنه امتداد لكراهيتها لمسلمي الهند ورفضها لهم.


البجاحة أو الوقاحة الغربية كما تمثلها تصريحات بايدن وماكرون وبقية العصابة الإسرائيلية في الغرب تتهرب من طرح السؤال الوارد في عنوان هذه المقالة، والا لكانت عرفت الجواب المعروف واستحت على حالها. لكنهم بين جبناء أو عملاء للصهيونية واسرائيل. كما لم تجرؤ كل من روسيا والصين على قول كلمة حق بهذه المناسبة كي تنالا رضا إسرائيل، وبالتالي العبور منه إلى أميركا عاجلاً أو آجلاً.
أما العرب الرسميون فقد وقفوا بذيل الصف حائرين، فمن جهة لا يجرأون على تأييد الهجوم، ومن أخرى لا يقدرون على شجبه خوفاً من شعوبهم المبتهجة به.


لقد قضوا الحقبة الأخيرة من قضية فلسطين منشغلين بأمرين: الأول الشجب والاستنكار والإدانة لتصرفات إسرائيل في المسجد الأقصى، ولعدوانها اليومي على الفلسطينيين، وبمطالبتهم المجتمع الدولي الذي أنشأ إسرائيل وحماها بتكثيف الجهود والضغط على اسرائيل لتنفيذ حل الدولتين غير القابل للتنفيذ. والثاني: في الهرولة نحو التطبيع والاعتراف والتوقيع مع اسرائيل على اتفاقيات سلام ووئام ومحبة، «والقرد يضرب فلسطين».

 

للأسف فازت اسرائيل بروايتها التاريخية، وبخاصة في الغرب، أن فلسطين يهودية أصلاً وفصلاً مع أن اليهود غزوها في الماضي ومارسوا الهلوكوست ضد أهلها الكنعانيين في اريحا وبقية مدن ما يسمى الآن بالضفة الغربية، وان الفلسطينيين اليوم هم أحفاد الكنعانيين والفلسطينيين في أرض كنعان/ فلسطين، الذين تعرضوا بعدها لغزو اليونان والرومان والفتوحات العربية فاكتسبوا لغتهم وثقافتهم ودينهم منهم. رواية اسرائيل الناجحة في الغرب الآن أن الفلسطينيين مجرد عرب دخلوا للعمل في اسرائيل ويرفضون المغادرة، ويعتدون على إسرائيل، وينكرون هذا الجميل.


لا تريد اسرائيل ان تتعلم من التاريخ اليهودي الإسرائيلي نفسه، فقد سقطت دولتاها القديمتان وسيق اليهود إلى بابل إلى أن ارجعتهم فارس إليها وبنت لهم الهيكل الثاني. إنها تعتقد أن التاريخ لن يتكرر، ولذلك تتفنن في إبادة الفلسطينيين مع أنهم تضاعفوا عدة مرات منذ بداية النكبة، فعددهم في فلسطين يساوي أو يزيد عن عدد اليهود فيها. لو كانت اسرائيل تتعلم من التاريخ لقعدت للسلام والوئام والعدل مع الفلسطينيين في إطار دولة ديمقراطية واحدة لا يقتل فيها أحد أو يجرح، لأنه يهودي أو فلسطيني، فقد عاش الشعبان طويلاً في سلام ووئام في السابق ولم يمارس الفلسطينيون أي اضطهاد لليهود فيه، كما فعلت شعوب ودول أوروبا وأميركا التي خلقت المسألة اليهودية (Jewish Question)، وجعلوا الشعب الفلسطيني كبش الفداء لهم ولها بدلاً من أن يكفروا عن ذلك.


لو فكرت إسرائيل الحالية قليلاً لتواضعت وعاملت الفلسطينيين أحسن معاملة في العالم، وحتى «لباست» أقدامهم لعلهم يرضون عنها ويقبلون دولة ديموقراطية واحدة لهما.


وأخيراً فان تفسير حماس للهجوم بالرد على اعتداء اليهود على الأقصى يختزل جوهر القضية وكأنه موافقة على اغتصاب فلسطين واستيطانها وتشريد شعبها الذي يمثله قطاع غزة أقوى تمثيل. كانت العملية فرصة لإيقاظ العالم على جوهر القضية.


كان يجب عليها إعداد بيان موجز باللغة الإنجليزية والفرنسية، يشرح جوهر القضية بقوة، ويكسر عيون الغرب الذي ينكرها.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا