الفرضيات التي اشتق منها الفين توفلر نظريته الاجتماعية في القوة

1. إن القوة متأصلة في جميع النظم الاجتماعية وفي جميع العلاقات الإنسانية. إنها ليست شيئاً مادياً وإنما هي سيماء لأي علاقة في المجتمع، ولجميع العلاقات بين الناس فيه، ومع أنها حيادية، أي إنها ليست في الأصل جيدة أو سيئة، إلا أنه لا مفر منها.

اضافة اعلان


2. يضم نظام القوة في المجتمع كل فرد من أفراده فلا ينجو منه أحد، ولكن خسارة فرد لقوته لا تعني دائماً كسباً لفرد آخر.

 

3. ينقسم نظام القوة في أي مجتمع إلى نظم فرعية أصغر وأصغر، كل منها ضمن الآخر. ويربط الرّجع (Feedback) هذه الأنظمة الفرعية بعضها بالبعض الآخر بالنظام الأكبر التي هي جزء منه. إن الأفراد جميعاً منضوون في أنظمة قوة فرعية عديدة ومختلفة ولكنها ذات علاقة فيما بينها.


4. وقد يكون الشخص نفسه قوياً في البيت مثلاً ولكنه ضعيف في العمل أو الشركة أو المؤسسة.


5. ولأن العلاقات بين الناس في تغير مستمر فإن علاقات القوة هي الأخرى في تغير مستمر.

 

6. ولأن للناس حاجات ورغبات فإن الذين يملكون القدرة على إشباعها، يتمتعون بقوة عليها، فالقوة الاجتماعية تمارس من خلال توفير المواد والخبرات لطالبيها ومحتاجيها أو حجبها عنهم.


7. ولأن الحاجات والرغبات متنوعة جداً، فان طرق إشباعها أو حرمانها متنوعة جداً كذلك. هناك إذن «أدوات» مختلفة كثيرة أو «روافع» للقوة أهمها العنف، والثروة، والمعرفة ومعظم مصادر القوة الأخرى مشتقة منها.


8. إن العنف المستخدم، إجمالاً، للعقاب هو أقل مصادر القوة مرونة. إن المال/ الثروة أكثر مرونة لأنه يمكن استخدامه للعقاب والثواب على حد سواء، كما يمكن تحويله إلى مصادر أخرى للقوة. ولكن المعرفة هي الأكثر مرونة والأكثر أساسية، لأنها يمكن أن تساعد المرء على مواجهة التحديات، التي ربما كان عليه مواجهتها بالعنف والثروة، كما يمكن استخدامها كثيراً لإقناع الآخرين للقيام بالسلوك على النحو المرغوب فيه لاقتناعهم أن ذلك هو في صالحهم. إن المعرفة توفر أفضل أنواع القوة وأرقاها.


9. تتغير العلاقات بين الطبقات والأعراق والجنسين والمهن والحرف والأمم... الخ، وباستمرار، نتيجة تغيرات سكانية وايكولوجية وتكنولوجية وثقافية، وغير ذلك من عوامل. وتؤدي هذه التغيرات إلى حدوث فراغ يمكن أن يُعبأ في إعادة توزيع مصادر القوة في المجتمع.


10. إن الصراع حقيقة اجتماعية لا مفر منها.


11. إن الصراعات على القوة ليست سيئة بالضرورة.


12. وقد تؤدي التقلبات المتزامنة للتغيرات في توزيع القوة في الأنظمة الفرعية للمجتمع إلى حدوث نقلات جذرية في القوة على مستوى النظام الأكبر التي هي جزء منه.

 

إن هذا المبدأ يعمل في جميع المستويات، فالصراع النفسي الدائر في أحد أفراد الأسرة يمكن أن يمزقها، والصراع على القوة بين دوائر الشركة يمكن أن يدمرها، والصراع على القوة بين المناطق أو بين الفئات، أو بين المذاهب، أو بين الطوائف، أو بين العشائر، أو بين القبائل.. في دولة ما يمكن أن يدمرها.

 

13. قد تتمتع بعض الأنظمة الفرعية القوية «المتفاهمة» مع النظام الأكبر بالتوازن النسبي بينما تكون بقية الأنظمة مفتقرة جداً إليه. إن التوازن ليس بالضرورة فضيلة دائماً.


14. عندما تكون الأنظمة الفرعية للقوة بعيدة عن التوازن، فإن تقلبات مفاجئة وربما غريبة قد تحدث، لأن التأثيرات غير الخطية في النظام أو النظام الفرعي غير المستقر تماماً تتضاعف. وقد لا تفيد مدخلات القوة الكثيرة كثيراً. وقد تؤدي حوادث صغيرة إلى سقوط النظام السياسي القائم، فالطلاق بين الزوجين قد يقع بسبب «خبزة» محروقة.


15. الصدفة مهمة، وكلما كان النظام غير مستقر زادت أهمية الصدفة فيه.
16. توزيع القوة بالتساوي حالة غير محتملة الوقوع. وحتى إذا تم تحقيقها، فإن الصدفة قد تؤدي بسرعة إلى إنتاج لامتساويات جديدة، كما ستبذل محاولات لإزالة اللاتساويات القديمة.


17. ويمكن تحقيق التوازن بين اللاتساويات في مستوى معين أو في مستوى آخر. ولهذا السبب فإن من الممكن أن يوجد توازن في القوى بين كينونتين أو أكثر، وحتى عندما توجد لا تساويات داخل أنظمتها الفرعية.


18. من المستحيل أن تكون جميع النظم الاجتماعية الرئيسة والفرعية في حالة توازن كامل ومتزامن والقوة موزعة بالتساوي بين جميع الفئات. إن النظام الظالم يتطلب عملاً جذرياً لإسقاطه، ومع هذا فإن وجود درجة ما من اللامساواة في المجتمع ضروري لحدوث التغيير.


19. المساواة الكاملة تعني عدم حدوث تغيير في المجتمع وهو أمر ليس مستحيلاً فحسب، وإنما غير مرغوب فيه أيضاً. وفي عالم يجوع فيه الملايين فإن فكرة وقف التغيير ليست غير مجدية فحسب، وانما هي غير أخلاقية أيضاً. إذناً، فوجود درجة ما من اللامساواة ليس أمراً غير أخلاقي بحد ذاته، وإنما غير الأخلاقي وجود نظام يكرس التوزيع السيئ للموارد التي هي مصدر القوة. وتصبح اللاأخلاقية في أوجها عندما يكون التوزيع السيئ مبنياً على العنصر/ العرق، أو الدين، أو المنبت أو غير ذلك من الصفات الموروثة.


20. المعرفة موزعة في العالم بصورة أسوأ من توزيع السلاح والثروة. ومن ثم فإن إعادة توزيع المعرفة وبخاصة المعرفة عن المعرفة، أكثر أهمية، ويمكن أن يؤدي ذلك، إلى إعادة توزيع بقية موارد القوة الرئيسة بصورة أعدل.


21. التركيز الزائد لموارد القوة خطير. ومن الأمثلة على ذلك هتلر وستالين وغيرهما، وينطبق ذلك على الثروة أيضاً.


22. والقلة الزائدة لتركيز القوة خطير. لقد حول غياب الحكومة القومية لبنان إلى بلد فقير، وإلى ما هو مرادف للعنف الفوضوي حيث تنافست جماعات عديدة على القوة بدون أي اتفاق على مفهوم للقانون أو للعدالة أو لأي قيود دستورية.


23. إذا كان التركيز الزائد للقوة أو القلة الزائدة لتركيزها يؤديان إلى الرعب الاجتماعي، فمتى يعتبر التركيز الزائد للقوة زائداً عن الحد؟ وهل هناك قاعدة أخلاقية لقياس ذلك والحكم عليه؟ ترتبط القاعدة الأخلاقية للحكم فيما إذا كانت القوة مركزة في يد أحد أو جهة أكثر من اللازم، بصورة مباشرة بالفرق بين النظام order الضروري اجتماعياً (لتوفير الأمن) والنظام الأمني الزائد عن الحد بحجة توفيره. 


24. يجب أن تكون القوة الممنوحة لنظام سياسي ما كافية لتوفير درجة من السلامة ضد التهديد الخارجي الحقيقي (لا المتخيل)، بالإضافة إلى اليسير من النظام/ الأمن order الداخلي والكياسة. إن هذه الدرجة من النظام/ الأمن والكياسة ضرورية اجتماعياً وبالتالي مبررة أخلاقياً. إن النظام/ الأمن المفروض من عَلٍ على المجتمع المدني وبمقدار يزيد عن اللازم منه لا ليعمل وإنما لمجرد المحافظة على الحكم، هو غير أخلاقي.


25. يوجد مبرر أخلاقي للمعارضة أو حتى لإسقاط النظام الذي يفرض على الناس أمناً زائداً عن الحد الضروري.


وكما يبدو فإن توفلر يريد أن يقول: لقد أصبح الناس في هذا العصر بحاجة إلى المعرفة أو التكنولوجيا أكثر من حاجتهم إلى الأيديولوجيا. وبعبارة أخرى: لقد انتهى ارتزاق الناس من الأيديولوجيا وحل محله عيشهم من التكنولوجيا (بمعناها الواسع).

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا