ماذا أكثر؟

من أجل غزة، فعلنا كل ما يمكن فعله، وقلنا كل ما يُسمح بقوله، خرجنا في مظاهرات فرّقها المطر، ردّدنا وراء الإمام أدعية على الظالم مبللة بالدمع، توقفتْ اللقمة في الحلق لما تزامن عشاؤنا مع إخراج نصف جثة من تحت الردم، بكينا حتى جفّ مخزوننا الاستراتيجي من الدمع وبعضنا لمح دماً في أقصى المجرى، تمنّينا لو كنا رصاصاً أو رأس قذيفة "ياسين"، ماذا أكثر، كتبنا شعراً ونواحاً يُسمع حتى بالقراءة الصامتة، وأنهكنا غوغل بالبحث عن أسماء فلسطين، وأيّ الأسماء يناسب طفلاً نفكّر بإنجابه.

اضافة اعلان


ومن أجل غزة، أجّلنا أفراحنا غير الضرورية إلى أجل مسمّى، وأوقفنا نقر الطبول وقطعنا الكهرباء عن آلات غنائنا، خبأنا قصائد الحبِّ التي تعذّر إضافة اسم غزة إلى قافيتها، أوقفنا الفيلم الأميركي على نتفليكس عند منتصفه لما حكّ الذنب ضميرنا، وضعنا قلباً أحمر للطفلة البردانة، فلم تدفأ، وضعنا رمز التضامن على صورة لعشرين غزياً حول مقلاة بندورة، لكن لم تنزل قطع اللحم عليها، ووضعنا وجهاً باكياً لفيديو ربّ أسرة لم يبق له منها أحد، ماذا أكثر، تمنّينا الموت رغم أنه حتى وفياتنا الطبيعية خيانة لغزة.


ما لم نستطع قوله نقلناه على ذمة نيلسون مانديلا، وما لم نستطع فعله فعلته جنوب أفريقيا واكتفينا بما نستطيع.. التصفيق والهتاف، تعبنا من المشي فاستكمل البريطانيون الأحرار المسيرة، اختفت أصواتنا لكنّ الإسبان أثبتوا أن الصوت لا يفنى، وأكد السويديون أيضاً أن الغناء لا يكون إلا لتحيا فلسطين، واستمروا بالغناء حتى أصيب العالم كله بفلسطين، ماذا أكثر، صرنا نبحث عن تصريح لوزيرة أوروبية ضميرها حي حتى نعلّق صورتها فوق أسمائنا، وننتظر انضمام دولة في أميركا اللاتينية إلى عدالتنا لنغطي وجوهنا بعلمها. صرنا نحن الآخر، وهناك بيننا الآن من يحتاج إلى تقويم اللسان حين ينادي فلسطين: "بلستينا". 


قد لا يصدُّق القادمون في المستقبل، أن طفلاً غزياً كان يأكل حشائش الأرض، وسط أمة تهدر من الأرز المطبوخ ما يكفي غداء للصين وتايوان، ولن يكون سهلاً عليهم أن يستوعبوا أننا فشلنا في إدخال علب التونة إلى غزة، وأن طفلة ماتت من الجوع وسط الأمة الوحيدة بين الأمم التي تقسم أغلظ الأيمان في أمثالها الشعبية أن لا أحد ينام من غير عشاء، ماذا أكثر، هل نقول أن رضيعة ماتت من البرد، وسط الأمة التي تعوم فوق الغاز والبترول، وأننا حين اكتشفنا عجزنا، طلينا أظافرنا بألوان فلسطين، لأن الظفر لن يخرج من اللحم. 
** 
غزة: بلى يخرج الظفر من اللحم، فأخرجوا ظفركم من لحمنا.. ماذا أكثر؟!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا