ماذا لو أقر؟

بفرض إقرار مشروع قانون الجرائم الإلكترونية ونفاذه، وبفرض أن صحفيا اجتهد في كتابة المقال التالي، هذا عرض ومثال حي على احتمالاتٍ لآثاره القانونية والواقعية:

اضافة اعلان


“مثلت مواقف التيارات الفكرية والسياسة حول قانون الجرائم الإلكترونية خريطة حقيقية لمواقف الأردنيين وتموضعاتها السياسية، حيث وقف إلى جانب القانون تيار يميني تقوده تاريخيا الحكومات ورجالاتها، والطامحون لهذا المنصب إضافة لأحزاب تمثل فكرهم، هذا التيار يتعامل مع حرية الرأي والتعبير كما نص عليها الدستور باعتبارها عبئا يجب ضبطها بواسطة قوانين قد تصل لحد تجميدها أو شلها واقعيا، والمذهل موقف البرلمان عموما والذي يعتبر أحد معاقل هذا التوجه اليميني في مجال الحقوق والحريات.


المعارضة وهي تيار ضعيف على الأرض تنقسم الى الأقسام التالية:
القسم الأول نشطاء وحقوقيون من منظمات المجتمع المدني والتي تعتمد على تمويل أجنبي لتنفيذ برامجها تقف ضد أي شيء قادم من الاتجاه اليميني وتعتبر أن القوانين يجب أن لا تعطل الحريات كما نص عليها الدستور وعموما هذه المنظمات صاحبة الصوت الأعلى على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن وزنها على الأرض قد لا يعكس هذا الثقل!


القسم الثاني قسم يمثله تيار الأحزاب “ذات التوجه الديني” وهو تيار يتراوح بين الاتجاه الفكري اليميني المتسلط على الحريات الاجتماعية والشخصية، حيث يعترض على أي حرية تعبير لا تلائم أجندته، ولكنه ينقلب فجأة لتيار ليبرالي مع حرية التعبير حماية لمنصاته الشعبوية التي يستخدمها بإتقان وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي!


القسم الثالث تيار لا يكاد يُذكر، ينطلق من ضرورة المواءمة بين الحرية والمسؤولية، وهو قسم لا شعبية له ومرعوب من سطوة الآخرين!”


المقال الصحفي المفترض هذا فيه نقد قارس للحكومات، وفيه اتهام للبرلمان بأنه لا يقف مع حرية التعبير، وفيه تشكيك مبطن بمنظمات المجتمع المدني بأن لها أجندات غير وطنية، وأيضا اتهام للأحزاب ذات التوجه الديني بأنها تلون مواقفها!! وعليه فإن النيابة قد تحرك ضد الصحفي شكوى قدح وذم الحكومة والبرلمان، وقد تشتكي عليه منظمات المجتمع المدني باغتيال الشخصية، ومن المتوقع أن تُحرك الأحزاب “ذات التوجه الديني” عددا من  فاعلي الخير لرفع شكاوى عليه.


وطبعا وبحسب القانون يمكن توقيف الصحفي المشتكى عليه، وحتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود من حرية التعبير يوقف الصحفي في سجون مكتظة بالموقوفين والمحكومين بسعة تتجاوز 150 % من قدرتها الاستيعابية - هذه المعلومة أيضا قد تكون مادة لتحريك شكوى أخبار كاذبة -.


أغلب الظن أن الصحفي سيمارس على نفسه رقابة ذاتية وسوف يتوقف عن الكلام المباح! مما قد يحرم المجتمع من وقود نمائه وتطوره، وهو الرأي والرأي الآخر! وقد ينتقل هذا الصحفي إلى صفوف العبث والمعارضة العبثية التي تسعى لحرق الأخضر واليابس، وهذا لعمري ليس ما نسعى إليه في التحديث السياسي والاقتصادي!


لا شك أن تنظيم الحريات بقانون مطلب دستوري، ولكن لنذكر المادة (128/1) من الدستور الأردني والتي تنص على أنه: (لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها)، وقد اعتبر قرار المحكمة الدستورية هذا النص: (الضامن الكفؤ لعدالة جميع التشريعات النافذة، والرقيب المكين على عدم مخالفتها لأحكام الدستور..

 

وهذا النص، مَعْلَمٌ بل وقبسٌ يُهْتدى به، ويحول دون تأثير القوانين التي يضعها المشرع لتنظيم الحقوق والحريات على تلك الحقوق أو تمس مكنوناتها الأساسية).


أفكار المقال الافتراضي أعلاه، لا تعبر بالضرورة عن أفكاري - حيلة قانونية لتجنب المسؤولية - ولكن اعلموا يا قوم أن إعمال الحريات أولى من إهمالها، وأن الحرص على عدم التعدي على الحريات لا يكون بمصادرتها بل بتكريسها مع وجود نص تجريمي واضح ودقيق يعاقب المعتدي، وقضاء سريع يضمن لكل معتدى عليه حقه بوقت قياسي من جانب، كما يرسل بالعقوبة المتناسبة والجرم رسالة للكافة بضرورة احترام حرية الآخرين أثناء ممارستهم حريتهم من جانب آخر.


لا نريد أن نقع في مطب مستشار غير كُفء نصح في معرض ضرورة تنظيم الحرية مصادرتها، ما بزبط جنابك صعب!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا