نساء الأرض وبشائر النور

يأتي يوم المرأة العالمي هذه المرة في ظروف استثنائية ليس أولها الظروف القاهرة التي تعيشها نساء قطاع غزة وما يقدمنه هناك من صمود إنساني يفوق التوصيف أو الوصف وليس آخرها تلك القصص غير المروية لنساء استطعن أن يخلقن فضاء رحبا لذاتهن عابرا للصور النمطية ولكل أشكال الإبعاد وسياسات التهميش.

اضافة اعلان


 قصص تلك النساء تمثل جسرًا جديدًا نحو مفاهيم جديدة، تتخطى المفاهيم السائدة التي شُكّلت وفقًا لإنتاج ثقافي اجتماعي وسياسي معاصر حول مفهوم القيادة النسائية. المعايير المستخدمة لقياس مؤشرات قيادة النساء تعتبر نوعًا ما متحيزة، حيث تركز بشكل أساسي على القيادة النسائية في مجالات محددة مثل البنوك والسياسة ووسائل الإعلام والاتصال والتعليم، وما إلى ذلك.


قصص نساء الأرض تصوّر منظورًا جديدًا يكشف عن أشكال مبتكرة من القيادة النسائية الناشئة من داخل المجتمع ومن قاعدته. هنا تنمو وتتطور هذه القيادات، تسعى نحو عالم أكثر عدالة ومساواة وتوازنًا، ويستند إلى قيم إنسانية. تُشكل قصصهن تفاعلًا يحمل روح التراحم والانسجام والتكافل المتبادل والوئام والرحمة.


كما أن تحت عناوين الحرب ومشاعر الخوف والقلق والخلاص الفردي  تبرز (الدكتورة أميرة العسولي) في بلدة خان يونس المحاصرة،  التي أظهرت -بمجمع ناصر الطبي- شجاعة لا مثيل لها وسط إطلاق النار المتواصل من قوات الاحتلال الإسرائيلي، في لحظة اُلتقطت على الفيديو، تخلت عن سلامتها وتوجهت بشجاعة لمساعدة شخص أُصيب برصاص الاحتلال خارج المستشفى، مع طلقات الرصاص التي تحلق فوقها، برز التزام أميرة الثابت بمريضها بوضوح، حيث كانت أفعالها عبارة عن شهادة على قوة الروح الإنسانية في مواجهة الصراع ضد الاستعمار. تعد تضحيتها الشجاعة في وسط الفوضى تذكيرًا مؤثرًا بالتفاني الثابت للعاملين والعاملات في مجال الرعاية الصحية وفي سياق الاحتلال، حتى في أخطر الظروف. 


زهرة هي المرأة الريفية الأردنية التي استطاعت أن ترفع نسبة التعليم وجودته في قريتها عندما خطت مسيرة لها جعلت منها أيقونة للتعليم في سياق لا يدرك أهمية ما قامت وتقوم به إلا قلة من المطلعين. ربت أطفالها السبعة بعد وفاة زوجها شابا ليحصلوا على تعليمهم الجامعي ويتميزون في فرص العمل، عملت في صناعة الجميد والألبان حتى تؤمّن قوت يومها، عندما كان يفكر بعض أبناء/ بنات القرية بالانسحاب من التعليم المدرسي، كان الأهالي يرددون نفس العبارة: «شوف اولاد وبنات زهرة كيف مبدعين بالمدارس وتعلموا منهم.»  هكذا رفعت زهرة مستوى التعليم في قريتها. عطاؤها ودورها المتفاني لم يكن تأثيره على أولادها وبناتها فقط ولكن على القرية كلها. 


(نزهة) من عاملة في المزارع الى آذنة في المدرسة الى عضوة في بلدية معاذ بن جبل على مدى دورتين.

 

(ام محمد) انتقلت من العمل الزراعي الى تعلم استخدام أوراق الموز الجافة لصناعة الأطباق وسلات الضيافة لتصيح أول سيدة محترفة ومدربة في صناعة اعادة تدوير أوراق الموز والتدريب المجاني لمن يرغب تعلم هذه الحرفة.


(أم أحمد ) وهي راعية الأغنام ورفيقة لزوجها الذي ساندته في السراء والضراء ليتمكن من شراء الحلال والانتقال من وضعهم المالي الإشكالي وعجز مواردهم وتحديات العيش الى فرص حقيقية أتاحت لهم شراء بعض بساتين الرمان وإنشاء مشروع لمنتجات الرمان.


 (أم غيث) هي أول سيدة عملت مشتلا في ساحة بيتها ويشمل الزراعات الاستوائية المختلفة والمتنوعة لإعانة أهل بيتها.


(أم مازن) عاملة نظافة في مدرسة إناث وتعمل ليلا ونهاراً لتأمين قوت أولادها ورسوم تعليمهم. وبرغم ضيق العيش وصعوبة وقساوة الحياة، نشرت قيم الحب والرحمة في المدرسة التي تعمل فيها  وزرعت سعادة في قلب كل طفلة وطالبة في هذه المدرسة.


(“بطة») كما تحب ان تُسمى، تعمل بشكل دؤوب في مزارع الأغوار ومصانع تعليب الحمضيات، تمكنت من توفير حياة كريمة لعائلتها وبإشراك زوجها معها كشريك في مشروعها. ابنتها الجميلة الآن في منتخب الاطفال لكرة القدم في منطقة الأغوار.


(لمياء) مهندسة زراعية تشتبك مع الأرض في اتصال متين  وتحرث الفرص حرثا لتوفر واقعا أكثر أمانا للمزارعات في الأغوار، وواقع اكثر رعاية لهن. 


 وهناك ام يعقوب وام عدنان وام أيمن ووخلود وغيرهن الكثير الجميل.


  تؤكد هذه القصص على أن النساء لسن مجرد صورنمطية بحد ذاتها؛ بل تمثل قصصهن كسرًا للخيالات النمطية التي فرضتها علينا وسائل الإعلام النمطية وآليات التصنيف العالمية حول شكل القيادات النسائية، وفرضتها بعض الدراسات المنحازة لفهم محدد للقيادة. في عالم يفيض بتلك الصور النمطية، تقوم هؤلاء النساء بنحت فضاءات غير تقليدية للمشاركة والانخراط البناء داخل مجتمعاتهن. 


 تحتاج المجتمعات إلى تكريم وتقدير لهذه القيادات وفي جميع الفضاءات، فلا نقتصرها على القطاعات التقليدية، بل نسلط الضوء أيضًا على النساء اللواتي يمارسن قيادتهن في مجالات غير تقليدية. حيث تخرج هذه القيادات من الأرض والميدان كطاقات هائلة محفزة للتغيير والتنمية والتطوير. 


 إن تمكين هذه القيادات والتعريف بإنجازاتهن الحيوية يسهم في بناء وتعزيز وإثراء هذه المجتمعات، لنتذكر أن لكل صوت أثرًا، ولكل ضجيج صدى يتردد. دعونا نتجاوز الضجيج ونتوجه نحو استكشاف أصوات دفينة من  قصص تنبض أثرًا يتجاوز الزمان والمكان والضجيج.


تقف هؤلاء النساء كأيقونات للصمود، يتحدين الصور النمطية ووهن الحياة ويعدن كتابتها لنجد بريق الأمل في مستقبل ينبض بالإشراق والعدل. المحافل والمنصات والحكومات والبرلمانات والمؤتمرات والندوات والمجالس والمنظمات كلها مساحات مهمة ومؤثرة تُظهر النساء فيها أدوارهن في القيادة والعطاء والتميز. ولكن ليس من العدل والإنصاف أن نتوقف هنا عند الحديث عن القيادات النسائية.  فهناك أيضًا الأرض والميدان والحقل والصحراء والمراعي والمصنع والمُخيم وساحات الحروب التي شكلت قيادات نسائية  تجاوزن القهر فحرثن مواردهن وفرصهن من النقص والفقد. 


من تمتلك التجربة الصادقة في الميدان والشغف الرفيع  في الإصلاح وحس اليقين على الأرض ستسطر تاريخًا بهيًا عن العزيمة والصمود وستُمسك برايات التغيير وبشائر النور. 

 

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا