نمو اقتصادي أكثر مرونة واستدامة


تدرك الدول أهمية المرونة كشرط أساسي لضمان مستقبل مستدام وأكثر شمولية في عالم حافل بالاضطرابات المستمرة والمتداخلة فقد ساهمت النزاعات العالمية، وحالة انعدام اليقين في مجال الطاقة، ونقص الغذاء، والتضخم المتسارع، والأحداث المناخية الشديدة في زعزعة استقرار العالم، وفي هذا السياق، تتيح الحكومات المرنة والفعالة تحقيق التوازن بين الأولويات قريبة المدى والاحتياجات بعيدة المدى في مختلف جوانب السياسة ذات الصلة، بما فيها العوامل الجيوسياسية والبيئة والقضايا الاجتماعية، والتقنيات المبتكرة والبنى التحتية الحيوية وحركة التجارة وتبعيات سلاسل التوريد.

اضافة اعلان


يُعد بناء الاقتصادات المرنة أحد أكثر المساعي استهلاكا لرأس المال على الإطلاق، إذ من المتوقع أن تبلغ فجوة الإنفاق على البنية التحتية العالمية وحدها 5.5 تريليون دولار أميركي سنويًا لغاية العام 2035. ولذلك أهتمت «أجندة المرونة»، التي طورها المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع ماكنزي آند كومباني، بالشراكة الفعالة ونماذج توزيع المخاطر في دعم التعاون بين القطاعين العام والخاص لردم الفجوات في قيود الميزانية والخبرات والابتكار، فضلا عن تحولها إلى فرص استثمارية مجزية من شأنها زيادة نتائج المرونة للمجتمع.


ولذلك فإن التقدم مرهون بالتعاون بين القطاعين العام والخاص، حيث يحتاج القطاعان للتعاون فيما بينهما لتحديد معايير طويلة الأجل لتحقيق النمو الاقتصادي، حيث نواجه أربعة تحديات رئيسية في زيادة قيمة المشاريع بين القطاعين العام والخاص خلال دورة حياتها؛ والتي تتمثل بعدم وجود محفظة مستقرة ومتوازنة من المشاريع المتوافقة مع خطط التنمية الوطنية، وعدم الكفاءة في تحديد أولويات المشاريع، وعدم فعالية إدارة المشاريع، وسوء توزيع المخاطر بين الهيئات العامة والخاصة. وتشهد المشاريع بين القطاعين العام والخاص التي تخفق في تجاوز هذه التحديات زيادات في التكاليف وحالات تأخير وتعقيدات متزايدة، وقد يكون مآلها الفشل.


الحكومات يجب ان تتولى قيادة رؤية طويلة الأمد لتحقيق النمو الاقتصادي، إلى جانب تحديد معايير واضحة للأوليات التي تمكن الشركات وقطاعات الأعمال من خلالها حسب الأهمية الاستراتيجية على المستوى الوطني، وتتطلب تقديم حوافز لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجالات البحث والتطوير والتصنيع والتوزيع، وتوجيه عمليات إدارة الأثر البيئي نحو إدارة النظم البيئية كمنظومة متكاملة ليشمل جميع مجالات المرونة، مما لها أثر على التنافسية وتسهم في تسريع الخطى نحو تحقيقها على مستوى الدولة.


على وجه الخصوص، تُعتبر الطاقة من أهم مجالات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تشير التوقعات إلى إمكانية ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية إلى أكثر من 250 % بحلول العام 2050 على أساس الحياد الكربوني، ويتعين على الدول تنويع مصادر الطاقة وتسريع التوجه نحو استخدام المصادر المتجددة والنظيفة للطاقة، كذلك الاستثمار في دعم الشبكات الكهربائية، وتحسين كفاءة الشبكات وموثوقيتها، ونشر التقنيات الرقمية لتعزيز مرونة الشبكة، وهنا يبرز ارتباط وثيق بين تحديات الغذاء والمياه والطاقة والتغير المناخي.


تكاليف الطاقة يمكن أن تبقى مرتفعةً لعدة أعوام، ما قد يؤثر على التنافسية في القطاعات ذات الاستهلاك المكثف للطاقة، ويفرض ضغوطًا كبيرة على الفئات الأكثر ضعفًا، ولذلك زادت الاستثمارات العالمية في الطاقة المتجددة والحد من الانبعاثات الكربونية، حيث وصلت قيمته في العام 2022 إلى 2.4 تريليون دولار بزيادة قدرها 8 %، ويمكن للحكومات والقطاع الخاص الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية طويلة الأمد لهذه المشاريع، وهذا يتطلب زيادة حجم الاستثمارات، وتنوع سلاسل التوريد، بالإضافة إلى تأهيل القوة العاملة، واستخراج المواد الخام الضرورية لإنجاز التحول في قطاع الطاقة وتقليل المخاطر المتعلقة بالطاقة.


يشتمل تعريف التحول في مجال الطاقة تحقيق التحول في المواد والمعادن المستخدمة، كذلك الاعتماد على معادن نادرة، حيث يتجاوز الطلب على بعض المعادن النادرة من مستويات العرض المتاحة، ما يتطلب إجراء استثمارات في محفظة متنوعة من الفرص الواعدة، واتباع منهجية للتحول نحو الطاقة الخضراء، ويتطلب توظيف رأس المال، الذي قد يصل الى تريليونات الدولارات، للوصول الى الحياد الكربوني بحلول العام 2050، من خلال إجراء استثمارات في أنواع جديدة من المعادن والمواد، والمعدات والعمليات، والتقنيات، وبناء سلاسل توريد أكثر تكيفا، واغتنام فرص الأعمال الصديقة للبيئة.


الحكومات يجب ان تعزز أطر العمل القانونية وتقدم برامج الإعانة للحد من مخاطر الاستثمار وتسهيل تدفق التمويلات الجديدة، مما يسهم في النهاية بزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتتيح هذه الإجراءات استقطاب رأس المال المطلوب لدعم جميع المشاريع ذات العائد الإيجابي المضمون، مع ضرورة تفعيل دور القطاع العام بصورة أوسع لاستقطاب رأس المال الخاص إلى الجوانب المحتاجة للتمويل، والتي تعاني نماذج عملها من فاعلية ضعيفة. ويُعتبر تمويل إجراءات التكيف مع التغير المناخي أحد أوضح الأمثلة ضمن هذا السياق، فلا تتجاوز حصة الاستثمارات الخاصة 1.6 % من هذا التمويل. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا