هذه روايتهم،

من الممكن اعتبار وثيقة حماس الأخيرة، المحطة الثالثة في رؤية حماس لنفسها ولمرتكزاتها في مقاومتها للاحتلال الصهيوني، حيث أصدرت عام 2017، وثيقة أعلنت فيها انفصالها الهيكلي عن الإخوان المسلمين، ووضحت أن مشروعها ليس مشروعا دينيا موجها ضد اليهود، بل ضد المشروع الصهيوني كما اعترفت بشرعية وقيادة منظمة التحرير.

اضافة اعلان


وبعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف مع أيديولوجيا حماس، فإن في وثيقتها الأخيرة نضوجا وتمكنا سياسيا واضحا قدم مفاهيم سياسية ورسائل مفصلية عن رؤية حماس لنفسها ومن هذه الرسائل ان عملية طوفان الأقصى معركة أعلن عنها قبل بدئها في 7 أكتوبر حيث بدأت قبل 105 سنوات، 30 سنة من الاستعمار البريطاني بالإضافة إلى خمس وسبعين سنة من الاحتلال الصهيوني، ولهذا فإن طوفان الأقصى وان جاء في سياق رفض مشاريع تصفية القضية الفلسطينية والاعتداء على الأقصى، إلا أنه بالنسبة لها محطة في مشروع وطني لتحرير الفلسطينيين «المواطنين الأصليين» من استعمار إحلالي ونظام فصل عنصري. وبهذا تكون قد أعادت موضعة الصراع  باعتبار أن سببه هو الاحتلال وليس الاختلاف على حل دولة أو دولتين! 


يبدو أن حماس وبموجب الوثيقة جاهزة للتفاوض سواء على إطلاق الأسرى أو وقف الحرب، ولكنها تضع قواعد جديدة للتفاوض تختلف عن منهج وقواعد السلطة الفلسطينية الحالية، حيث تقوم أسس تفاوضها على شرعية مقاومة الاحتلال ونظام الفصل العنصري سندا للقانون الدولي وحقوق الإنسان وان المحتل لا يتمتع بحق الدفاع عن النفس طالما هو محتل؛ ولهذا فقد اعتمدت الوثيقة استخدام خطاب حقوقي عالمي ذي أفق وطني فلسطيني عربي، وليس أمميا إسلاميا.

 

واعتقادي أن روحية الوثيقة فيها قبول حمساوي بحل الدولتين على أسس  قرارات الأمم المتحدة، والتي قضت بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وأيضا فيها رسالة لمحكمة العدل الدولية بأن أي قرار منها بوقف الحرب على غزة ستكون حماس ملتزمة به، وذلك لتفويت دفوع إسرائيل أمام المحكمة بعدم جدوى إصدار قرار بوقف الحرب لان حماس ليست طرفا قانونيا في الدعوى!.


فندت حماس في الوثيقة الإدعاءات بقيام عناصرها بقتل الأطفال واغتصاب النساء، وقبلت تحقيق لجان محايدة في أحداث السابع من أكتوبر، وفي الوقت نفسه أعلنت التزامها بعدم تعمد استهداف «المدنيين» في تطورلافت لسياساتها السابقة باعتبار أغلب الإسرائيليين عسكريين ومستوطنين مسلحين أيضا، واعترفت حماس بوجود خروقات بتاريخ السابع من أكتوبر لكنها ليست من عمل مقاتليها بل بسبب حالة الانهيار في المنظومة الإسرائيلية وأيضا حالة الرد العنيف لجيش العدوان الإسرائيلي في ساحة الميدان وعدم تميزه في حينها بين مقاتلي حماس والمدنيين الإسرائيليين، وأميل هنا إلى الاعتقاد بأن هذا الخطاب فيه تجاوب مع مطالبة حماس من قبل كثير من المحللين والمراقبين الدوليين بإعلاء خطابها السياسي الحقوقي المستمد من القانون الدولي.


قدمت حماس وثيقة وازنة فيها رسائل ومضامين، جعلت من تفكير الغرب بسناريوهات ما بعد الحرب دون حماس ساذجة. الرسالة الأهم في الوثيقة للأميركي والإسرائيلي مضمونها ان فقه تجاوز الفلسطيني في أي مقاربة لحل الصراع هي مقاربة ساذجة وسطحية وفاشلة، حتى أصبح التطبيع مع العرب دون الفلسطينيين تافه وغير ذي جدوى! ببساطة هناك احتلال يجب أن يزول وان استمرار التفكير الأميركي بصفقات وسيناريوهات دون إزالة الاحتلال ودون الاعتراف للفلسطيني بحق تقرير المصير هو أمر فاشل ومرفوض!


في جميع الأحوال فإن أي إنجاز لأي فصيل فلسطيني في ظل استمرارالانقسام يبقى منقوصا، ويجب الخروج من فقه أن تجاوز الانقسام هو مهمة فصيل معين فهو مهمة الجميع في القاء على الحد الأدنى اللازم لاستمرار حركة تحرر وطنية نبيلة ومتنوعة وجامعة وديمقراطية، وإذا كانت دماء أطفال غزة لن توحد الفصائل الفلسطينية فماذا سيوحدها؟


إن هذه الدماء والتضحيات تستحق وحدة فلسطينية تطرح آفاقا عالمية حقوقية تستند إلى القانون الدولي وحقوق الإنسان وتقدم خطاباً وممارسة ديمقراطية تسقط المقولة المخادعة؛ ان إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، لتقود بوحدتها خطابا منفتحا تعدديا ديمقراطيا. ان تضحيات الفلسطيني لا يجوز أن تذهب سدى وعلى الأقل أن تحترم وتصان بوحدة وطنية ومشروع تنويري تحرري ديمقراطي فإن لا قيمة لتحرير الأرض دون تحرير الإنسان وتمدنه ودمقرطته فردا ودولة.


أعتقد أن الوثيقة أعطت وزنا للجناح السياسي لحماس، قد يحصل اختراقات قريبة من إسقاط صفة الإرهاب عن قادة حماس السياسيين على الأقل أو خلق قيادة مدنية من داخلها تمهيدا للتفاوض معها، تذكروا أن حركة المقاومة الإيرلندية شين فين « Sinn Fein» ضد الاستعمار البريطاني كان قد صنفها البعض على أنها حركة إرهابية، ثم بعدها وقعت اتفاقية وقف الحرب! حط غباء سياسة أميركا في الشرق الأوسط على  جنب، كل شي قابل للتغير جنابك.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا