مائة يوم من الأسئلة

زلزل العالم زلزاله، كيف لحركة - مصنفة " خطر ارهاب" في معظم دول العالم! محاصرة برا وبحرا وجوا ومراقبة على مدار الدقيقة - كيف لها أن تنفذ عملية الساعات الست وكأنها اول رد فلسطيني على حرب الايام الستة، لا احد يعلم عن العملية حيث فُوجئ بها معظم قادة حماس في بيروت وقطر مثلما فوجئ بها اليمين الصهيوني المتغطرس. ظهر جليا ان لا احد يعلم عن القدرات العسكرية لحماس، استعرضت الحركة " التصنيع العسكري" في "مظلات المراوح " التي حملت مقاتلين لعمق مستوطنات الغلاف، وفي ساعات الذهول الاولى سقط يقين تفوق جيش العدوان الصهيوني وعلى وجه الخصوص سقطت اجهزة الاستخبارات الصهيونية والأميركية والغربية هي ذاتها التي حشدت لغزة تكنولوجيا المراقبة لمحاصرتها، والتي تَعد على غزة وعلى أبناء غزة انفاسهم.

اضافة اعلان


كانت الضربة موجعة، فقد أطاحت بمفهوم التفوق العسكري باعتباره متطلبا لوجود الكيان واستمراره ومصدر الدعم المتواصل من اميركا، وظهرت إسرائيل وكيلة مشروع الاستعمار الأميركي الغربي وكأنها غير جديرة بكل هذا الدعم، وهنا طرحت اسئلة في العالم وفي المنطقة عن جدوى دعم إسرائيل ايضا!


وبالتزامن مع ذلك، ظهرت اسئلة حول الجدوى من الجيوش العربية والأنظمة العربية التي تعاملت مع إسرائيل باعتبارها متفوقة عسكرياً، وأطاحت هذه العملية بنظريات الواقعية السياسية المستسلمة التي شكلت منطق العقل السياسي العربي في السبعين سنة الماضية، وهنا عاد للعقل السياسي العربي مفهوم قوة ارادة الشعوب في مواجهة قوة الغطرسة والجيوش!


مع دعم إيران، الدولة الشيعية لحركة سنية بكمية صاعقة من السلاح طرحت اسئلة حول مفهوم وبوصلة التحالفات العربية، هذا الحلف "الشيعي السني"- الذي اعتقد بأنه غير مسبوق في التاريخ - طرح اسئلة محورية على العقل السياسي العربي، فان كان الحلف الشيعي دعم المقاومة وحركة التحرر المشروع، فإن الحلف السني اخفق حتى في وقف الحرب على الأطفال! كان يمكن لهذا الحلف وشبكة علاقاته خصوصا مع الأميركان ان يؤثر في وقف الحرب ويمنع نفوذ إيران حربيا! إذا قدمت ايران السلاح قدموا انتم السلام للناس حتى تتبعكم، بل على العكس فقد ظهرت بعض دول العالم السني متوافقة مع استمرار قتل الفلسطيني نكاية بحماس!


مع استمرار ارتكاب الكيان الصهيونى ابادة جماعية لشعب غزة بالإمعان بقتل وتجويع وتدمير غزة في حرب انتقامية بربرية، هذا الإجرام أطاح بنا بسؤال حول تحالفنا الفكري مع الغرب ومع أنظمة غربية ترفض وقف الحرب بمقولات متهافتة تظهر عمق أزمتنا معها وتعيد تكييف العلاقه بيننا وبينها كدول مستعمرة  لشعوبنا. هل تصدقون أن دولاً مثلت اسس الحركة التحريرية وحقوق الإنسان في العصر الحديث ترفض وقف العدوان لأسباب إنسانية؟!


الدم الغزي غير العالم وما يزال يغير فيه، وزلزل مفاهيم وعلاقات دولية وشخصية، فمثلا اظهر ان جنوب أفريقيا دولة عظمى وان اميركا دولة عدوان، وان جنوب أفريقيا دولة قيم، وان اميركا دولة مصالح وحسابات تجارية، وأظهر أيضا ان قيم حقوق الانسان قد تستخدم من دول في حقيقتها هي دول استعمارية ما تزال تضمر إحساسها بالتفوق العرقي وحق الانتداب على الشعوب!


الاسئلة التي طرحها دم أطفال غزة سوف تلاحق المجرمين والثقافات والسياسات المجرمة كما ستحاصر النخب الثقافية والسياسية التي قادت مجتمعاتنا، تلك الاسئلة ايقظت أيضا ضمير شعوب العالم، التي تخرج في كل مدن العالم تمسكا بحقوق الإنسان وبالحرية وحق الشعوب في تقرير المصير.


دم غزة أعاد للمشهد شباب العالم العربي نساء ورجالا قد ضبطوا بوصلتهم على ان الاستعمار السياسي والعسكري هو مشروع مستمر وان تحرير فلسطين هو اولاً واخيراً تحرير للإنسان العربي من التبعية الاقتصادية والسياسة، وان الحرية وحقوق الإنسان قيم عربية وعالمية وانسانية تجمع من يؤمن بها وليس من يتاجر بها لغايات تحقيق مشاريع استعمارية متجددة.


الدم الغزي غير وما يزال يغير العالم، انتبه جنابك!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

ذات صلة
placeholder

إدارة الدين

03 كانون الثاني 2024
placeholder

ما بعد غزة

02 كانون الثاني 2024
placeholder

"الموازنة" في النواب

20 كانون الأول 2023