هل أتاك حديث الأحزاب؟

مالك العثامنة هناك شعور متراكم بغياب الحكومات، لا الحكومة الحالية بعينها. وهناك استياء واسع لا يمكن القفز عنه هكذا حول أداء مجالس النواب تباعا، وشعور أكثر اتساعا بغياب المؤسسية في الدولة وفي مواضع غياب المؤسسات التي يجب ان تقوم بوظيفتها مقابل مؤسسات أخرى تقوم بتلك الوظائف. فلنتحدث عن قطاعات التعليم والصحة مثلا كأهم قطاعين مع التنويه بأهمية باقي القطاعات مثل السكن والنقل والسياحة وباقي ما أنشأنا له وزارات ومؤسسات خدمية في المائة الأولى من عمر الدولة: في التعليم، المحظوظ في الأردن هو الذي يستطيع تأمين “بالقدرة الذاتية أو بالدين المرهق” أبنائه في مدارس خاصة، الكل يحلم بل ومؤرق بترتيب أوضاع أبنائه في مدارس غير مدارس الحكومة، هذا واقع نعيشه، وهو أيضا يعكس تردي التعليم الحكومي في البنية والتأهيل المعرفي والمحتوى، طبعا غير التعليم العالي الذي تجاوز الأقل حظا لينتشل الأسعد حظا بالمحسوبية، مع ان التعليم لا مكان للحظوظ فيه أصلا، غير غياب التخطيط الذي يرفد سوق العمل بكل ما لا يلزم هذا السوق من تخصصات، فتتضخم البطالة. في الصحة، نحن امام قطاع طبي حكومي يعاني فيه الأطباء وطواقم التمريض من تردي المعاشات وساعات العمل، ومن زاوية المرضى فإن السعي للبحث عن إعفاءات طبية لا تقل بكثرتها عن السعي للبحث عن واسطات ترتيب المواعيد المتباعدة وغير المنطقية في المؤسسات الطبية الرسمية، والعلاج الخاص “طبيبا او مستشفى” يحتاج مثل التعليم الخاص قدرة ذاتية أو دينا يكسر الظهر.طيب.. دخلنا تجربة الإصلاح السياسي بلجنة ملأت دنيانا وشغلت الناس باجتماعاتها وانتهت إلى مخرجات غيرت قوانين الانتخاب والأحزاب، وأتبعناها بخطة إصلاح إداري لم تقدم ما يمكن البناء عليه في ثورة تأهيل قطاع عام شاملة حتى اليوم. في الإصلاح السياسي نحن أمام واقع جديد سنواجهه في الانتخابات القادمة، يسمح للأحزاب أن تدخل المعترك بكوتا مدروسة نسبيا، وهنا نجد أحزابا قديمة تعيد تأهيل ذاتها، ومشاريع أحزاب جديدة تعيد اكتشاف العجلة فترى في أسماء ذوات وشخصيات معينة محورها الأساسي بديلا عن برامج حكم حقيقية تقدم مشاريع حلول للتعليم والصحة والإسكان والنقل. الكل يتحدث بصراحة “واستهزاء وتهكم” عن معظم تلك الأحزاب التي تتشكل وتولد من رحم بعيد جدا عن الشارع واحتياجاته، أحزاب يجتمع مؤسسوها مع “الزعيم المؤسس” بحثا عن ديباجات مكررة في أدبياتها ولا برامج حقيقية يضعها تكنوقراط متخصص، وهذا التكنوقراط تحديدا هو اكثر ما يوجد منه في الأردن فعليا، لكن لا أحد يستمع لهم وفي كل التخصصات. أحزاب، تسعى الطبقة العليا من مؤسسيها فقط، إلى الحصول على السلطة، مع أن الأحزاب هي التي يجب ان تسعى إلى السلطة ببرامجها لا أشخاصها. ولأن الساعة لا ترجع إلى الوراء، والوقت ضيق، فربما الأنسب أن نكون واقعيين “كناخبين ومواطنين” ونقوم بتفعيل حس المواطنة لدينا “ولو من طرف واحد” في اختياراتنا القادمة، ولنبدأ بتلك الأحزاب جميعها التي تريد ان تمثلنا في البرلمان والحكومة، ونسأل مؤسسيها وهم يطلبون الاجتماع معنا في طور التأسيس إن كان لديهم برامج في الإدارة والحكم في كل القطاعات، ولنبدأ بالتعليم والصحة مثلا. برامج بأرقام تحترم عقلنا، لا إنشائيات البلاغة والتسويف، برامج واقعية يمكن تنفيذها لو استلم هؤلاء دفة الحكومة في المستقبل. حين يجتمعون بكم، هؤلاء الحزبيون الجدد، تأكدوا انهم لا يرونكم أرقاما صالحة للاستهلاك العددي وتحقيق النصاب اللازم للترخيص وانتخاب مسبق التخطيط لنتائجه. اسألوهم حين يجتمعون بكم عن برامجهم وتفاصيلها، وتطوعوا لوضع تلك البرامج، أو فاخلقوا أحزابكم القانونية وحولوا أسئلتكم إلى أجوبة على صيغة برامج واقعية بالأرقام والحقائق لا إنشائية بالأمنيات والأحلام الساذجة، فالعقول الشابة مؤهلة والفرصة متاحة. المقال السابق للكاتب زمن القمع التسلطي الجميلاضافة اعلان