التقارير والدراسات الدولية عن الأردن.. توثيق أم تسييس؟

05 copy
جانب من ندوة مجالس _ حول التقارير والدراسات الدولية عن الأردن-(تصوير: ساهر قدارة)

أثارت بعض التقارير الدولية الأخيرة التي أظهرت تراجع الأردن في مؤشرات اقتصادية وسياسية، حفيظة مراقبين وسياسيين شككوا في منهجياتها التي تتبعها وفي طرق استقائها للمعلومات والبيانات، مشيرين الى أن بعض هذه التقارير "مسيسة" و"موجهة" ضد الحكومة والدولة.

اضافة اعلان


على أن آخرين يرون بأن الاستناد إلى "نظرية المؤامرة" في تبرير تراجع مرتبة الأردن في هذه المؤشرات، ليست طريقة الدفاع الصحيحة عن الأردن، وأن الأصل أن نعترف بأن هذه المنهجيات الدولية هي منهجيات علمية معترف بها عالميا تصدر عنها مؤشرات ذات ثقة عالية، وهي في أغلبها معتمدة محليا لدى مؤسسات الدولة المختلفة حتى أنها واردة كأهداف ومقاييس في خططنا وإستراتيجياتنا وآخرها "رؤية التحديث الاقتصادي".


ووفقا لهؤلاء الذين شاركوا في ندوة عقدتها مجالس الغد، أنه وبدلا من اعتماد لغة التشكيك في هذه التقارير، لا بد من إيجاد مؤشرات وطنية لأغراض السياسات الوطنية أولاً ولأغراض ابرازها دولياً ثانياً، وهذا يستدعي دعم مراكز الأبحاث والدراسات المحلية، واعطاءها الحرية الكاملة لإصدار مؤشرات وتقارير مبنية على منهجيات قوية علمياً، من شأنها أن تنافس وتساعد في إظهار وجهات النظر الأخرى.


وأكدوا ضرورة بناء سردية أردنية وتوضيح السياقات المحلية التي أدت إلى أن يكون الأردن ضمن تصنيفات معينة، وتفسر موقعه من هذه المؤشرات، وهذا يتطلب التشبيك والتواصل بشكل أكبر مع المؤسسات الدولية لإيصال وجهة النظر الأردنية.


ونادى البعض بضرورة تأسيس مجلس أو هيئة مستقلة تراقب مدى التزام المؤسسات المحلية بأخلاقيات وقواعد البحث العلمي، كما أوصى آخرون بتأسيس مركز "نظام معلومات" شامل ومستقل، يضمن توفير بيانات صحيحة وبجودة عالية وفي الوقت المناسب، والتي على أساسها تؤخذ القرارات وتوضع الخطط والإستراتيجيات.


الشتيوي: على الدولة أن توفر البيانات الدقيقة وفي الوقت المناسب


رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدكتور موسى الشتيوي مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية سابقا قال إنه ليست جميع التقارير الدولية بنفس السوية، ولا يمكن ان نأخذ تراجع مرتبة الأردن في بعض هذه التقارير والمؤشرات الدولية، على محمل الجد دائماً، إنما قد تكون نتائج تلك التقارير مبنية على منهجيات معينة.


وأضاف أنه "من الصعب جدا الحكم على التقرير الدولي دائما، إن كان يعكس الواقع ام لا".


وعلى سبيل المثال يطرح الشتيوي قضية تتعلق بالمنهجيات ويشير إلى أن هناك تقارير تقيس واقع الحياة الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات، وتقاس عادة من خلال استطلاع آراء الناس عبر طرح مجموعة من الاسئلة عليهم، وبالتالي قد تكون طبيعة هذه الاسئلة موجهة في تجاه معين، وقد تكون العينة غير ممثلة، وبالتالي فإن النتائج المبنية على المعلومات التي تم جمعها تكون موجهة وبعيدة عن الصحة والواقع.


وأشار إلى أنه من المهم معرفة الاسئلة المطروحة لجمع البيانات والمعلومات، وكيفية جمعها، ومن الذي يقوم بجمع هذه المعلومات، وعدد الأسئلة المطروحة، والعينة الممثلة وغيرها من الأمور التي تضمن الوصول إلى نتائج صحيحة وواقعية، فـ"هناك تقارير تقدم بمنهجيات ضعيفة" وبالتالي لا تعكس الحقيقة، كما أن هناك مؤسسات على المستوى المحلي تجري مثل هذه الدراسات ولا تكون متخصصة.


ويرى الشتيوي ضرورة أن تكون هناك مرجعية علمية معتمدة تجيز مثل هذه الدراسات والأبحاث وتراقب مدى التزامها بأخلاقيات البحث العلمي.


وأشار إلى أن بعض التقارير الدولية ذات طابع سياسي، وأحيانا تكون معاييرها على مستوى عالمي، لان الهدف من هذه التقارير هو المقارنة، ولا تأخذ بالحسبان الفروقات والتباين الموجود في المجتمعات، مثل التقارير المتعلقة بالمرأة أو الحريات، وهذا قد يؤدي إلى ضياع بعض التفاصيل التي من الممكن أن لا تعكس الواقع.


على أن هذا لا يعني بأن هناك مشكلة أحياناً لدى الأردن في توفير البيانات الصحيحة وتوريدها في الوقت المناسب، فقد تكون هناك تغييرات وإصلاحات نحو الأفضل لا يتم عكسها على البيانات والتقارير الدولية فقط لعدم توريدها في الوقت المناسب.


كما لفت شتيوي إلى أن التراجع الذي يظهر في بعض التقارير والمؤشرات، قد يكون تراجعا واقعيا لأسباب موضوعية أدت إلى ذلك في قطاع ما، فليس بـ"الضرورة أن يكون السبب المنهجيات المتبعة"، إضافة إلى أن تغير موقع الأردن في المؤشرات الدولية أحيانا قد لا يعود لتراجع الأردن وإنما لأن هناك دولا تقدمت، مؤكدا بأن هناك "مسؤولية على الحكومة أن تعمل على توفير المعلومة وتوضيح أسباب التقدم أو التراجع".


وبين أنه وفي غياب المعلومة من قبل الجهات الرسمية، فإن المؤسسات الدولية المنتجة للتقارير والمؤشرات الدولية تلجأ إلى جهات أخرى قد لا تقدم المعلومات أو البيانات الدقيقة المحدثة، وهذا يستدعي أن "تتولى الحكومة بمؤسساتها المختلفة توفير المعلومات المطلوبة".


ولفت الشتيوي إلى أنه في القضايا التي لها أبعاد سياسية كالتي تتعلق بالحريات، تكون المنهجيات مهمة، ولا بد أن نكون حذرين في التعاطي مع المنهجية والبيانات التي يتم جمعها.


وقال: "لا نستطيع أن ننفي بأن هناك تسييسا لبعض المؤشرات والقضايا التي تخدم بعض المرجعيات الفكرية لبعض المؤسسات أو المنظمات التي تأخذ وتركز على مؤشرات ومقاييس دون أخرى، وبما يخدم وجهة نظرها".


وأضاف أن هناك استسهالا في تنفيذ بعض الدراسات من قبل "أشخاص مغمورين" لا يتبعون المنهجيات العلمية الصحيحة، وأبحاثهم لا تعكس الواقع الحقيقي، فهناك استسهال في تطبيق قواعد البحث العلمي وهي مسيئة للأردن، مشيرا الى أنه ليس بالضرورة أن تكون نواياهم سيئة لكن قلة الخبرة والمعرفة قد تؤدي الى نتائج من هذا القبيل.


وطالب بتأسيس مجلس أو هيئة بحثية مستقلة تتأكد من مدى الالتزام بأخلاقيات وقواعد البحث العلمي، كما أوصى بضرورة أن تكون لدينا مؤشرات وطنية لأغراض السياسات الوطنية قبل أن تكون للمؤشرات الدولية، بحيث تكون هذه المؤشرات هي أساس السياسات وتقودها، على أن من المهم أن يتم توفير هذه البيانات والمؤشرات في الوقت المناسب مع ضرورة أن تكون متاحة لأغراض عمل المؤسسات المحلية المختلفة.


كما أكد ضرورة الاتفاق على ما هي المؤشرات المهمة وكيفية قياسها لأغراض السياسات الوطنية.


وقال "يجب مراجعة كل هذه المؤشرات الدولية والبيانات التي تنتج حولها وأن توفرها وتتيحها"، مؤكدا أهمية التواصل الدائم مع المؤسسات الدولية، خصوصا وأن الكثير من هذه المؤسسات مهتمة بدعم الأردن في هذا الجانب.


وقال إن وجود بعض التقارير التي لا تعكس الواقع "لا يعني أن نختبئ خلف هذه التقارير وننفي وجود أي خلل أو مشكلة ما تجب معالجتها وحلها بما يخدم بلدنا".


ولفت إلى دور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في "التمحيص"والسؤال عن الجهات التي تصدر الدراسات والتقارير والمنهجيات التي اتبعتها، وعدم أخذ كل ما يصدر وكأنه مسلمات، بل على العكس على الإعلام أن يفند كل ما يرد من هذه التقارير"، مشيرا إلى أن البعض ليس لديه أي اطلاع أو معرفة كافية بالمواضيع التي يتم تناولها في الدراسات والمؤشرات الدولية، وهناك استسهال في طريقة عرضها وتناولها.


الزعبي: على الدولة بناء "نظام معلومات" شامل


مدير مركز المعلومات الوطني للعلوم والتكنولوجيا مدير دائرة الإحصاءات سابقاً الدكتور قاسم الزعبي أشار إلى أن المؤشرات الداخلية التي تضعها دائرة الإحصاءات العامة، والجهات المعنية تعتمد منهجيات دولية متعارفا عليها ويتم التدقيق دائماً على هذه المنهجيات.


وأضاف: "نحن في الأردن، وفي كثير من المؤشرات، نعتمد على مؤشرات دولية، لكن كيفية تنفيذ هذه المسوحات مهمة جدا، فالباحث الذي يجمع البيانات يجب أن يخضع لتدريب كاف ويكون على كفاءة عالية، كما أن تصميم الاستبانات والأسئلة عادة ما يكون ضمن منهجيات معروفة ومعتمدة".


وبين الزعبي أن عملية جمع البيانات التي يقوم بها الباحثون هو أمر في غاية الأهمية، لا سيما وأن استمارة المسوحات توجه لعينة ممثلة، فأي خلل فيها بأي مرحلة سيؤثر على البيانات وجودتها فلذلك يجب أن يتلقى تدريبا كافيا، وأن تتم مراقبتهم حتى نضمن جودة البيانات في كل المراحل.


ولفت إلى أنه في كثير من الأحيان تكون بعض الأرقام التي تنشر غير مقنعة، وقد يكون السبب مرتبطا بعدم تدريب الباحثين بشكل كاف، لذلك يجب أن تكون هناك جهة رقابية تضمن السيطرة على البيانات وتوثقها.


وأشار إلى أن الرقم مهم جدا، كونه يقيم السياسات والحكومات، فإما أن يظهر فشل السياسات أو نجاحها.
وأكد ضرورة إيلاء الاهتمام اللازم بالجهات الاحصائية، داعيا إلى تأسيس مركزا احصائي متطور مستقل وعابر للحكومات.


وأوضح الزعبي أن المؤشرات الدولية، بغض النظر عن المنهجية المتبعة، يجب "أن لا نشكك فيها" بل على العكس لا بد من أخذها والعمل على تحسين مركز الأردن فيها، قائلاً إن "دورنا كدولة ليس انتقاد المؤشر وانما تحسين ومعالجة مكامن الخلل لكي نرتقي وننتقل إلى مراتب أفضل في المؤشرات الدولية".


وبين أن الأردن اعتمد منذ زمن على المؤشرات الدولية لقياس أداء الحكومات ونجاح السياسات، والرؤية الاقتصادية الأخيرة أخذت بهذه المؤشرات، وهذا أكبر دليل على ثقة الدولة بها وبمصداقيتها.


وقال: "يجب ألا ننظر للمؤشرات الدولية على أنها متحيزة"، بل على العكس "لا بد أن ننظر لها نظرة إيجابية كونها تظهر نقاط الضعف"، وبالتالي نعمل على هذه النقاط من أجل تحسين مرتبة الأردن ضمنها ومن ثم الانتقال لمراحل متقدمة وأفضل.


وطرح الزعبي تساؤلا بالقول: هل التقارير المحلية التي تقدم على المستوى الدولي كالتقرير الطوعي لمؤشرات التنمية المستدامة "ممأسسة في المؤسسات الوطنية"؟ وهل هناك جسم أو جهة في الدولة الأردنية سياسي اقتصادي يقوم بمراجعة المؤشرات والتقارير التي تقدم ويبني عليها تحليلات وتوصيات؟ مؤكداً أن هناك مشكلة في هذا الجانب في ظل عدم وجود جهة رسمية مسؤولة عن هذا التقرير ومراجعته ومتابعته.


ويرى الزعبي أن الأصل الأخذ بالمؤشرات الدولية المعتمدة دولياً والاعتماد عليها في التقييم المحلي، ومن ثم العمل على تحسين وضع الأردن ضمن هذه المؤشرات بدلا من التشكيك بها، مؤكدا أن أخذ هذه المؤشرات والعمل على تحسين وضع الأردن ضمنها سيؤدي بالضرورة إلى تحسين في المؤسسات والقطاعات المختلفة.


ولفت إلى أن هناك ضعفا في توفير البيانات على المستوى الوطني، فليس لدينا نظام وطني متكامل للمعلومات، كما أن البيانات المتوفرة هي عبارة عن "جزر متفرقة في الأردن"، وليست متوفرة حتى نستطيع أن نحكم عليها ونوفرها للمراكز البحثية والباحثين.


وأشار إلى أن توفير هذه البيانات "يغلق "فجوة المعلومات"، ما يستدعي العمل عليها وتوفيرها للاستفادة منها وتحسين أداء المؤسسات المختلفة.


وشدد الزعبي على ضرورة مأسسة العمل في المؤسسات المختلفة وبناء القدرات والكفاءات، كما دعا إلى إيجاد مركز "نظام معلومات" شامل ومستقل عن أي حكومة يضمن توفير بيانات بجودة عالية وفي الوقت المناسب، ويعتمد عليه في القرارات والخطط والإجراءات التي من شأنها أن ترتقي بالقطاعات المختلفة وتحسن منها، كما تضمن توفير هذه البيانات بشفافية ودون تأثير أو انعكاس لقرارات أي حكومة، مؤكدا ضرورة أن يكون نظام المعلومات مستقلا تماماً عن أي جسم حكومي.


بني عامر: المؤشرات ذات أهمية


المؤسس والمدير العام لمركز الحياة (راصد)، الدكتور عامر بني عامر، أشار إلى أن موضوع مكانة الأردن في المؤشرات والتقارير الدولية موضوع في غاية الأهمية لأنه يمس صورتها في ذهن المواطن من جهة، وأمام العالم الخارجي من جهة أخرى، حيث إن كثيرا من هذه المؤشرات يأخذها الأردن بعين الاعتبار، فالأردن عندما يقرر سياساته وعلاقاته الخارجية، فإن هذه المؤشرات تؤثر على صورته وحضوره الدولي وعلاقاته مع كثير من المؤسسات والجهات الدولية.


وأشار إلى أن "قيمة الأردن الدولية وحضوره تأتي من مجموعة المؤشرات المعتمدة كمعايير دولية".


وفي هذا المجال، يرى بني عامر ضرورة توجيه النقد الذاتي وطرح سؤال مهم: ماذا قدمت الدولة لمراكز البحث المحلية حتى تستطيع أن تكون مراكز قوية تقدم معلومة منافسة للمعلومات الدولية، وتستطيع أن تحقق مصداقية على الصعيد المحلي؟ حتى عندما تأتي هذه المؤشرات والأرقام من المؤسسات والمراكز الدولية نستطيع على الأقل أن نقارن "بنزاهة بين الرقمين".


وأضاف أن الدولة الأردنية لم تقدم شيئا لتعزيز موقف مراكز الدراسات والبحث العلمي المحلية لا على الصعيد المحلي ولا على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وبالتالي كل ما هو موجود من مراكز محلية تعمل إما بجهود فردية أو تطوعية، وغالبا ما تكون هناك معاناة شديدة جدا في بناء مكانة لها في المجتمع.


وأوضح بأنه سواء كان هناك موقف إيجابي أو سلبي من المنهجيات المتبعة من المؤسسات الدولية، فالأصل أن يكون لدينا بديل محلي ليصنع المقارنة، ونحن ليس لدينا مؤشراتنا المحلية.


وذكر بني عامر مثالا، مشيرا الى أن هيئة النزاهة ومكافحة الفساد طرحت فكرة مؤشر النزاهة الوطني قبل أشهر، و(راصد) كان شريكا في تطوير هذا المؤشر، ولأول مرة في المنطقة العربية يطرح بأن يكون هناك مؤشر للنزاهة على المستوى المحلي، ومثل هذا النوع من المبادرات يخلق حالة إيجابية لصالح الدولة تتمثل بعرض مؤشر محلي مقابل مؤشر دولي.


على أن مثل هذه المبادرات لا بد أن يكون مؤشرها مبنيا على منهجيات علمية مهنية، وضمن جو كامل من الحرية، بحيث يكون الجهة أو المركز المعني بهذا المؤشر مطلق الحرية في الحصول على المعلومات اللازمة ونشر ما توصل له من نتائج بحرية وشفافية، فهو ليس مؤشرا "مفصلا"، بحيث يتمتع بمصداقية عالية محلياً وخارجياً.


وأكد على دور الإعلام في إبراز مثل هذه التجارب، مشيراً الى أن الإعلام المحلي كان له الدور الأهم في إبراز تقارير "راصد" ودورها، خصوصا في تقارير رصد الأداء الحكومي، فالإعلام كان الرافعة الرئيسة لراصد.


وأضاف أن مثل هذه المؤشرات لا تحتاج إلى تمويل كبير، ويوجد الكثير من الشباب الأردني الذي يرغب بالتطوع لبناء مؤشر وطني لكنه بحاجة إلى المساحة الكافية.


وقال إنه وانطلاقا من النقد الذاتي "لا يوجد اليوم مرجع سياسي داخل مؤسسات الدولة الأردنية للتعامل مع هذه المؤشرات الصادرة عن المؤسسات الدولية، ولا حتى مؤسسات المجتمع المدني المحلية، فهي تتعامل بطريقة أمنية أو تقنية لا بعقلية سياسية".


وأوضح أن كثيرا من الدراسات والأبحاث التي يتم تنفيذها ضمن مشاريع، والتي يتم عرضها بموجب القانون، على الحكومة ولغايات أخذ الموافقات عليها، أن تقيم من قبل موظفين يتمتعون بكفاءة عالية داخل المؤسسة الحكومية، لكن هذه الكفاءة تتركز في الناحية التقنية العملية فقط، وليس "لديهم العقلية السياسية"، فمثل هذا النوع من الأنشطة لا بد من قراءته بعقلية المانح وعقلية المؤشرات والمعايير الدولية، وتكييف المشاريع والمبادرات المقدمة من هذه الجهات بما يخدم موقع الأردن في المؤشرات الدولية.


ولفت بني عامر إلى جزئية تتعلق بأخلاقيات البحث العلمي، لا يتم الاهتمام بها، وهي أن هناك نتائج لدراسات وأبحاث منفذة لا يتم نشرها، مؤكدا أنه لا يجوز لأي مؤسسة تقوم ببحث علمي عدم نشره، فهذا بحد ذاته "جرم وإشكالية كبيرة جدا" تنعكس على كثير من المعطيات.


ويرى بأن أي تقرير من أي جهة كانت يحتمل دائماً النقد، فلا توجد منهجية نموذجية مطلقة في أي مركز بحث أو في أي تقرير في العالم، لكن وعوضاً عن إضاعة الوقت في نقد المنهجيات، لا بد من التفكير في بناء قدراتنا ومؤشراتنا المحلية ومهنيتنا، ومهنية الطاقم الذي يتعامل مع هذا النوع من العمل.


وقال: "يجب أن نخرج من إطار نظرية المؤامرة، خاصة وأن الكثير من المؤسسات الدولية استطاعت أن تكسب مصداقية عالية، ويجب ألا نضيع الوقت في نقدهم وجلد مؤشراتهم ودراساتهم".


وردا على جزئية عدم دقة وتحيز التقارير الدولية، ومنها تقرير الحريات الأخير، قال بني عامر بأن مثل هذا الطرح هو "طرح سياسي، والحكومة لا بد أن تخرج وتتحدث بلغة غير لغة التشكيك للتعامل مع مثل هذا المؤشر، وأن تقدم حقائق وأرقاما وعلما مقابل علم"، بعيداً عن "الجلد السياسي ونظرية المؤامرة"، خصوصاً وأن مثل هذه المؤسسات الدولية التي تصدر التقارير استطاعات أن تخلق لنفسها مكانة على المستوى العالمي وتكسب مصداقية عالية، وبالتالي فإن التعامل والرد على ما جاء في مثل هذه التقارير لا بد أن يكون بطريقة أخرى مختلفة بعيدا عن التشكيك.


وبين أن الأردن يتراجع في موضوع التشبيك مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بهذه المؤشرات، ويكاد لا يكون له حضوره في المحافل الدولية التي تتناول وتبحث المؤشرات المختلفة، مشيراً الى أننا اليوم بحاجة ماسة إلى الانفتاح على المؤسسات الدولية المختلفة وعمل التحالفات، حتى لا نفقد قدرتنا كدولة على تقديم المعلومة الصحيحة.


وأكد حاجة الدولة اليوم إلى مراجعة كيفية تقديم نفسها في الملتقيات الدولية، وذلك للتأثير وصنع رأي حول الأردن، فحضورنا إن وجد يكون ضعيفا، مشيرا إلى أن هناك بعض الدول لم تنجز ما أنجزه الأردن في قطاعات مختلفة، لكنها استطاعت أن تقدم نفسها في المحافل الدولية سواء كمشاركة أو استضافة، فالأردن "للأسف" غائب في هذه المحافل.


وأشار بني عامر إلى ضرورة تناول "السياقات المحلية" عند الرد على المؤشرات والتقارير الدولية، ولا بد من توفير "ماكينة إعلامية" تعمل بشكل دائم على تقديم السردية والسياق المحلي في القضايا المختلفة، بطريقة صحيحة، بحيث تتم قراءة الأرقام والتقارير الدولية ضمن هذا السياق، وبما يوضح ويفسر موقع الأردن في هذه المؤشرات.


ويرى أن الأردن "مقصر بحق نفسه" في المحافل الدولية فيما يتعلق بتقديم سرديته وروايته، و"لا نتذكر أن ندافع عن أنفسنا ونعرض آراءنا إلا بعد فوات الأوان".


وخلص بني عامر إلى وجوب الاعتراف بأنه "ليس هناك عقل سياسي يدير الملفات داخل الدولة الأردنية"، أما العقل الذي يدير هذه الملفات فهو عقل "الفزعات" فقط، ولا بد من الاعتراف بهذا الخطأ، مضيفاً أنه حتى لو افترضنا بأن هناك أطرافا غير جيدة ومشكوكا بنواياها تجاه الأردن فلا بد أن تكون الدولة مستعدة للرد والتعامل مع مثل هذه التقارير.


النوايسة: بعض التقارير مناكفة سياسية 


أمين عام وزارة الاتصال الحكومي الدكتور زيد النوايسة قال إن الحكومة تسير بشكل معقول ومنطقي في تحقيق المؤشرات الواردة في الخطط والرؤى المختلفة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية، ملمحاً الى أن هذه الخطط وضعت ضمن فترات زمنية محددة، وبالتالي فإن تحقيقها ما يزال يحتاج الى وقت، وكما هو مخطط وضمن المهل الزمنية المحددة.


وأكد أن الجهد الحكومي جهد حقيقي وجاد، ويتعامل مع أي تحديات وثغرات تواجه إنجاز الخطط باستجابة ومرونة عالية، في سياق الإرادة الملكية الحاسمة بضرورة الاستجابة لبرامج التحديث الثلاثة، السياسية والاقتصادية والإدارية.


ويرى النوايسة بأن "القول بأن هناك تقصيرا حكوميا في هذا المجال، يجافي الواقع ولا يختلف في أبعاده أو مراميه عن التوظيف السياسي حتى لو كان توظيفاً داخلياً، وبعض هذه التقارير تأتي في إطار المناكفة السياسية والموقف المسبق من الحكومة"، موضحا بأن هذا لا يعني بأن لا تقوم الحكومة بدورها، بل هي تقوم بذلك.


وقال بأن الحكومة معنية "بمتابعة هذه التقارير ليس بعقلية الموقف المسبق وانما بمهنية وموضوعية لكن ضمن ثوابت الدولة الأردنية"، مؤكداً أهمية اصدار ردود سريعة وتفنيد ما يأتي في هذه التقارير إذا ورد فيها ما يتناقض مع سياسة الدولة.


وردا على قضية عدم تواجد الدولة في المحافل الدولية، أشار النوايسة إلى أن لدى الحكومة "سرديتها وردها الذي ينسجم مع ظروف الأردن، فنحن دولة لديها ظروفها السياسية والإقليمية، ولها حساباتها وعلاقاتها الدولية، والحكومة لا تسقط من حساباتها التعامل مع هذه المؤسسات والاشتباك الإيجابي معها".


وقال إن هناك قرارا إستراتيجيا على مستوى الدولة الأردنية بأن تكون الحريات الإعلامية في أفضل وضع.
وقال إن وثيقة التحديث السياسي أفرزت جانبا مهما، حيث ان جزءا من هذه الوثيقة يتعلق بإعطاء مساحات أكبر للحريات بشكل عام، ومن ضمنها الحريات الإعلامية حتى تتواءم مع عملية التحديث السياسي.


وتابع أن التقارير التي تتحدث عن الحريات الإعلامية في الاردن لا يوجد موقف مسبق منها بالمعنى السلبي، ونتعامل معها "بروح إيجابية لكن نحاكمها وفق معاييرنا الوطنية"، مشيرا إلى "أننا لا نسقط غايات التوظيف السياسي لهذا التقرير.


وقال إن الرد على هذا التقرير وغيره يكون من خلال ايراد الحقائق.


وأضاف أنه "وعلى سبيل المثال فإن أحد التقارير الدولية المتعلق بالحريات الإعلامية اتهم الحكومة أنها تسيطر على الإعلام، مشيرا إلى أن المنهجية التي اتبعت في هذا التقرير لم تعكس واقع الإعلام في الأردن".


وبين أن قضايا الاستدعاء للقضاء التي تم ايرادها في التقرير لم تكن قضايا تتعلق بالحريات بل هي قضايا شخصية.
وقال: "جميعنا في الأردن نرى حجم مساحات الحرية المتاحة، ونطمح دائما للأفضل".


وأضاف: "لا أعتقد أن أربعة أو خمسة أشخاص تم إجراء مقابلات معهم كفيلون بتقييم الواقع الإعلامي في الأردن".
وحول تعيين مديري مؤسسات الإعلام الرسمي الواردة في التقرير، أشار النوايسة إلى أن هذه المؤسسات رسمية، والعاملين فيها جزء من الجسم الحكومي، وبالتالي من الطبيعي أن تقوم الحكومة بتعيينهم، "فلا يمكن أن يترك لجهات غير حكومية تعيين مدير عام مؤسسة الاذاعة والتلفزيون، مثلا، أهذا مساس بالحرية؟".


وفي ما يخص موضوع نقابة الصحفيين الوارد أيضا في التقارير المتعلقة بالحريات الإعلامية، قال: "على الغاضبين من النقابة، والذين يعتقدون بأن لهم الحق أن يكونوا أعضاء فيها أن يعلموا أن هناك قانونا يحكم وليست الحكومة التي تحدد من ينتمي للنقابة".


وقال: "نحن نفصل بين أمرين، موقفنا الداعم والمستمر من إعطاء مساحات أكبر للحريات الإعلامية في الأردن وتقبل كل رأي على الصعيد الداخلي، وتعاملنا مع التقارير من ناحية مهنية".


وأشار إلى أن الحكومة "تحترم المؤسسات الدولية لكنها لا تنزهها"، مؤكدا إيمانه بالرد السياسي، لأنه "لا يعقل أن يكون تصنيف دولة الاحتلال التي تضيق على الصحفيين وتقتلهم بدم بارد وتعتقلهم، أفضل من الأردن في الحريات الصحفية".

 

اقرأ المزيد : 

الحكومة تستعرض تقارير دولية حول تحقيق الأردن مراتب بتحفيز الاستثمار