د. نهلة الجمزاوي تحاضر في جامعة محمد بن زايد حول فلسفة الأخلاق عند نيتشه

جانب من محاضرة الدكتورة نهلة الجمزاوي-(من المصدر)
جانب من محاضرة الدكتورة نهلة الجمزاوي-(من المصدر)
 قالت الدكتورة نهلة الجمزاوي "إن نيتشه استطاع أن يفجر ثورة في عالم الأخلاق، فيطيح بكل الثوابت ويزعزع القواعد الميتافيزيقية التي اتكأت عليها الأخلاق، ويشكك في كل الإرث الهائل للبشرية بعد أن يعمل معوله الجينيالوجي في جذور القيم باحثا ومنقبا في تاريخها، من حيث النشأة والتطور والدلالة، ليواجهنا بحقيقة صادمة مفادها بأن الأفكار والمعاني ليست ثابتة أو متعالية، بل هي أرضية وصنيعة الواقع الإنساني، فدور الجينيالوجيا هنا يكمن في التشكيك والتعرية للأسس التي بنيت عليها القيم، وليس سردا لتاريخها وتطورا لمعانيها على مر الزمان".اضافة اعلان
جاء ذلك في محاضرة أقيمت بدعوة من جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، ومركز الدراسات الفلسفية في أبو ظبي، بعنوان "فلسفة الأخلاق عند نيتشه"، أدارتها د.صابرين زغلول، وحضرها رئيس مركز الدراسات الفلسفية ورئيس قسم الفلسفة في الجامعة وعدد من أساتذة الجامعة وطلابها.
وأضافت الجمزاوي "أن نيتشه لم يتوقف عند التعرية والكشف فقط بل اجتهد في وضع قيم جديدةٍ رأى أن من شأنها الارتقاء بالبشرية نحو الأفضل، فقدم لنا فلسفة ثورية إلى أبعد الحدود، فضرب مبدأ الدلالة الجوهرية، ووضع جهازه المفاهيمي الجديد وأرسى مبادئ وقواعد مختلفة ومدهشة كانت بمثابة معايير واشتراطات لتحديد ملامح قيمه الجديدة ونظرته إلى مقدرات الحياة".
كما ناقشت الجمزاوي موقف نيتشه إزاء قضايا الحياة الأساسية الخير والشر، والحياة، والموت والمرأة، والأدب، والفن.. كل ذلك من منظار الطاقة المحركة الأولى التي جمعت بين السيكولوجي والفيزيائي في مركّب غرائبي، ألا وهو إرادة القوة.
قدمت الجمزاوي المحاضرة معززة برؤية نقدية خاصة حول فلسفة نيتشه التي كثيرا ما تعرضت للهجوم بسبب جرأتها وتجاوزها للسائد والرتيب والمقدس، فشكلت ضربة موجعة للمناهج الفلسفية الميتافيزيقية والفيزيقية وطالت المادية، والاشتراكية، ودعت إلى الثورة على كل ما هو ثابت وراكد، وإلى التجاوز والحركة المستمرة.
وقدمت الجمزاوي قراءة مختلفة لبعض أفكار نيتشه ورؤاه الفلسفية من زاوية تأويلية، بمعنى النظر إلى أعماق النصوص في محاكاة أدبية ومحاولة استخراج مكنونات المعنى، المحمل على اللغة الأدبية التي امتازت بها لغة نيتشه بوصفه أديبا وشاعرا وموسيقيا، إلى جانب علمه باللغات والفلسفة واطلاعه الواسع في علم الاجتماع وعلم النفس.
لذا قدمت الجمزاوي رؤيتها وفق منهج الحفر الجينيولوجي في نصوص نيتشه ومحاولة استخلاص قراءة فلسفته قراءة تأويلية في معظم الجوانب، كالحياة والموت والمرأة والحب والخير والشر... ومحاولة تصويب بعض الأفكار المغلوطة حول نيتشه وفلسفته الغرائبية.
وفي معرض حديثها عن راهنية نيتشه اليوم، قالت الجمزاوي "على الرغم من الآراء المتباينة حول نيتشه، منذ عصره حتى الآن، نلحظ أنه ما يزال يثير الجدل، بفلسفته النارية، التي وجدت تأييدا كبيرا، كما تعرضت للصد والمعارضة في الوقت ذاته.. وأجد أن أهمية فلسفة نيشه في الحاضر تكمن في قدرتها على تفعيل آلية الشك، والبحث الدائم عن المعرفة والحقيقة التي ربطها بالقوة، وضرورة التجاوز وعدم الوقوف عند حد معين من التطور، والحث على العمل الدؤوب الداعي إلى الانقلاب الدائم على الذات نحو ذات جديدة أكثر تطورا وقوة وصلابة". وأضافت "أنه صاحب خطاب تحفيزي، يشع في النفس اندفاعا نحو الحياة، والنهضة الدائمة والتقدم والتطور، لصنع إنسان أقوى سيؤدي في النهاية إلى بناء مجتمع أقوى".
ولفتت الجمزاوي إلى الإسهام الأخلاقي لنيتشه على الرغم من نقده الجذري للأخلاق، فعلى الرغم من طروحاته الحادة والمتطرفة أحيانا، فإننا نجد في قيمه الجديدة، ما يدفع بالإنسان الى الارتقاء وإعمار الأرض والحياة وفق صيرورة لا تتوقف عند حد، ولعل أهم ما جاء به هو عدم الركون إلى قيم ثابتة بل ضرورة التحول الدائم نحو الأفضل، وما يتماشى مع مصلحة الإنسان بوصفه البيلوجي والروحي معا، إذ جعل من كل قيمة لصيقة بالقوة بوصفها الضامن لسلامة الوجود الإنساني السليم وتأكيد دوره في إعمار الكون.
وفيما استعرضت د.صابرين زغلول السيرة الذاتية للدكتورة نهلة الجمزاوي، قائلة إنها حاصلة على درجتي الدكتوراه والماجستير في الفلسفة، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة الأردنية. وهي عضو رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب والأدباء العرب، واتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وصدر لها ما يقارب الخمسين عملاً إبداعياً حتى الآن، ما بين المقروء والمرئي المسموع، في مجالات الفكر، والفلسفة، والقصة، والشعر، والمسرح، والرواية، وأدب الطفل بفروعه الشعرية والنثرية.