تغيرات مناخية تفرض أسوأ جفاف بتاريخ الأردن

جانب من تأثير التغيير المناخي على الأرض - (أرشيفية)
جانب من تأثير التغيير المناخي على الأرض - (أرشيفية)
حابس العدوان وادي الأردن - يشهد الأردن الذي يعد من أفقر دول العالم مائيا، تغيرا ملحوظا في المناخ وارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة صيفا، وتأخر موسم الشتاء، وتراجعا في نسبة هطول الأمطار، ما نتج عنه انخفاض كبير في مخزون المياه الجوفية وتضاؤل منسوب المسطحات المائية، لتغدو منطقة وادي الأردن والبحر الميت، الأكثر تضررا نتيجة التغير الذي ينعكس سلبا على قطاعات عدة، أهمها المياه والزراعة والسياحة. ووفقا لخبير المياه المهندس سعد أبوحمور، يمر الأردن بفترة جفاف، هي الأسوأ في تاريخه، سببها انخفاض معدلات هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، لافتا إلى أن انعكاسات هذا الأمر، ستكون كارثية على قطاعات المياه والزراعة في وادي الأردن بشكل خاص. ويشير إلى أن ما يشهده البحر الميت من انخفاض سنوي يقدر بـ1.2 متر نتيجة التغيرات المناخية التي يتأثر بها الأردن أكثر من غيره، كونه من أفقر الدول بالمياه، يتسبب باستنزاف المياه الجوفية في المناطق المجاورة، وهذا يظهر جليا في انخفاض مستوى المياه الجوفية، وتناقص كمياتها في السنوات الأخيرة على نحو كارثي. ويشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات حقيقية على الأرض، لمواجهة التغيرات المناخية ورفع مستوى الاستعداد للأضرار التي يمكن أن تنتج عنها، كالجفاف والتصحر وفقدان أنواع كثيرة من الأشجار والنباتات والأعشاب، وهجرة الحيوانات والطيور والفيضانات. ويضيف "يجب على المعنيين التوجه جديا لاتخاذ إجراءات عاجلة للحد من آثار التغير المناخي، عبر برامج تستهدف تشجيع الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الطاقة البديلة، والتوجه إلى تشجيع الزراعات النوعية التي لا تحتاج إلى مياه، وتعيش في الصحراء والمناطق الجافة، والتوسع في مشاريع الحصاد المائي، والاهتمام بتدوير النفايات والاستفادة منها، ورفع نسبة الوعي والاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها، كسلوك مجتمعي للتكيف مع المتغيرات المناخية". ويحذر أبوحمور، من استمرار انخفاض منسوب البحر الميت إذا لم يجر اتخاذ أي إجراءات لمواجهة آثار الاحترار العالمي، من انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، والتي تعد من أهم عوامل زيادة تبخر مياهه، لافتا إلى أن مستوى البحر الميت، انخفض بمقدار الثلث تقريبا في العقدين الأخيرين، وسيلقي استمرار انكماشه بآثار كارثية على المنطقة ككل. ويؤكد وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات، أن الأردن لم يكن بمنأى عما يشهده العالم من التأثيرات والتغيرات الناجمة عن التغيير المناخي ومخاطره، المتمثلة بالتحول الجذري في الطقس، وأزمات المياه، والكوارث الطبيعية الكبيرة، والفشل في التخفيف من حدة آثار التغيرات المناخية والتكيف معها. ويلفت الحنيفات، إلى أن هذه التأثيرات انعكست سلبا على القطاع الزراعي الذي بات يعاني نقص مياه الري، وتأخر المواسم الزراعية وتداخلها، وآثار ذلك على تدني أسعار البيع. ويضيف، أن الوزارة تستهدف المواءمة بين الخطط والاستراتيجيات في القطاعات كافة، للتعامل مع آثار التغير المناخي، بخاصة فيما يتعلق بانخفاض الهطول المطري وندرة المياه وأثر اللجوء على البيئة والواقع الزراعي في ظل شح المياه. ويشير الحنيفات، إلى أن الوزارة اتخذت خطوات عملية عدة في هذا الاتجاه عن طريق إعداد خطة للتحريج الوطني، وبرنامج تشجير الخط الصحراوي والسدود، والاستفادة من المياه المعالجة، وإنشاء حفائر مائية وسدود ترابية، وتقنية الشرنقة الموفرة للمياه، وصولا إلى زراعة 5 آلاف دونم من أراضي الدولة، وأيضا 5 آلاف دونم من الأراضي الخاصة والمملوكة في إطار خطة استدامة واقعية وحقيقية، تدعم عناصر الاستدامة من رقابة ومتابعة وري. ويبين، أن الوزارة تنسق خططها وتوجهاتها وفق التحديات المتمثلة بالتغير المناخي وأثره على القطاع الزراعي والغطاء النباتي والثروة الحيوانية، وأيضا الاحتياج العالمي والإقليمي للزراعات، بناء على آثار التغير المناخي المستقبلية، وكيفية وضع الأطر التسويقية التي تدعم استمرارية واستدامة الإنتاج، ضمن سلاسل الإنتاج والإمداد محليا وخارجيا. وأوضح الحنيفات "أن الوزارة تتعامل مع أزمة التغير المناخي وفق محورين؛ الأول يتضمن تخفيف آثار التغير المناخي بالتوسع في الزراعات والحصاد المائي والمشاريع التي تعتمد على توفير المياه، والثاني التكيف بمنح قروض الطاقة البديلة في المشاريع والصناعات الزراعية". ولفت إلى أن التوجيهات الملكية الدائمة والمستمرة، تؤكد الاهتمام الكبير في القطاع الزراعي، لجهة تحقيق الأمن الغذائي. يأتي ذلك بالتزامن مع انعقاد قمة التغير المناخي في غلاسكو بإسكتلندا، الهادفة إلى حث الدول على زيادة تعهداتها بخفض الانبعاثات، وتوفير مبالغ مالية اتفق عليها في قمة باريس لتمويل المناخ، لتصبح حقيقة واقعة، وتحسين التدابير للتكيف مع الآثار المدمرة لتغير المناخ. ويقول الخبير البيئي المهندس غازي العودات، إن الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للتغير المناخي وبروتوكول كيوتو واتفاقية باريس للمناخ، تهدف جميعها الى تقليل انبعاث الغازات الدفيئة، الناتجة عن النشاطات الصناعية والبشرية، للحد من ارتفاع درجات الحرارة. وأشارت التقارير الصادرة عن الفريق العلمي، إلى أن على دول العالم، العمل على خفض انبعاث غازات الدفيئة، لتقليل درجة الحرارة الى درجة ونصف خلال العقود المقبلة. ويضيف "وبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على المناقشات والمفاوضات بخصوص إيجاد آليات مالية وفنية، لكنها لم ترتق إلى المستوى المطلوب. كما أن الإرادة السياسية للدول المتقدمة ما تزال تراوح مكانها في اتخاذ قرارات حاسمة لمعالجة الآثار الناجمة عن التغيرات والتقلبات المناخية". وأوضح "أن الأردن من الدول المرشحة للتأثر بالتغيرات المناخية وانعكاساتها على قطاعات المياه والزراعة، ونضوب موارد طبيعية، وانخفاض منسوب البحار، بما فيها البحر الميت". ويحذر العودات من استمرار الأمور على ما هي عليه، إذ ستتفاقم معاناة دول العالم من الجفاف واحتراق الغابات وزيادة التصحر، والجفاف وشح الأمطار وذوبان الجليد، وزوال بعض الدول الجزرية عن الخريطة. وأشار إلى أن الاجتماعات الدولية التي تعقد على أعلى المستويات، ما تزال عاجزة عن توفير موارد مالية كافية، لتمكين الدول النامية من الوفاء بالتزاماتها عبر تطبيق التكنولوجيات النظيفة والسياسات والبرامج الهادفة للحد من انبعاثات الغازات التي تسهم بارتفاع درجات الحرارة. وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن العالم أمام لحظة حاسمة، فتغير المناخ هو القضية الأبرز في عصرنا الحالي، والآثار العالمية لتغيره واسعة النطاق، لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم في تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، ما يجعل من التكيف مع هذه التأثيرات، أكثر صعوبة وكلفة في المستقبل، إذا لم تتخذ إجراءات جذرية الآن. ووفق الناطق الرسمي باسم وزارة المياه والري عمر سلامة، يعد الأردن من أكثر الدول تأثرا بالتغيرات المناخية، بخاصة بعد التراجع والتذبذب الكبير في أنماط الهطول المطري، والتراجع الملموس في توزيعه، بخاصة على المناطق الغربية، وتراجع نسبته في المناطق الشرقية والجنوبية الى 30 %. ويضيف سلامة، أن أكثر من 90 % من أراضي الأردن، يقل فيها الهطول المطري عن 200 ملم/ سنويا، ومعدل سقوط الأمطار طويل الأمد يبلغ نحو 95 ملم/ سنويا، فالأراضي الصحراوية الجافة، تشكل نحو 38 % من مساحة البلاد، في وقت تتزايد فيه الاحتياجات لمختلف الاستخدامات عاما بعد آخر، بخاصة بعد موجات اللجوء، وآخرها أزمة اللجوء السوري، إذ إن الأردن يحتاج الى نحو 1,4 مليار م3 سنويا، بينما لديه عجز يصل الى نحو 500 مليون م3 سنويا. ويبين سلامة، أن تقارير عدة محلية ودولية، تؤكد أن هناك تراجعا في معدلات الهطول المطري وهطولات مطرية غزيرة في أوقات قصيرة، ما يتسبب بحدوث فيضانات مثلما شهدنا في السنوات الماضية. ويدعو الى ضرورة انتهاج أساليب حديثة، مصاحبة للبيئة وضرورة زيادة مصادر الدعم والتمويل، للقدرة على التكيف للتصدي للآثار السلبية لتغير المناخ. ويشير الى أن عددا كبيرا من مصادر المياه، تراجع على نحو ملحوظ في الفترة الماضية، وجفاف ينابيع تعد مصدرا للتزويد المائي، بخاصة في مناطق مثل جرش وعجلون والبلقاء، ومناطق جنوبية وكذلك تراجع تخزين السدود السنوات الماضية، وتحديدا في الموسم المطري الماضي، وانعكاسات ذلك على الرقعة الزراعية وحصص المواطنين المائية، ويهدد التنوع البيئي وتزايد جفاف التربة، نتيجة الارتفاع في درجات الحرارة وارتفاع معدلات التبخر. وينوه الى أن أكبر مثال شاهد أمامنا، هو واقع البحر الميت الذي تراجعت مساحته على نحو واضح السنوات الماضية الى نحو 550 كلم2، وتراجع مستوى سطح المياه فيه سنويا بمعدل 1م، نتيجة تراجع كميات المياه التي تصب فيه، لتصل الى نحو 420 مم تحت سطح البحر، إذ تراجع لأكثر من 35 % في العقود القليلة الماضية، ما يهدد بتحوله الى بحيرة صغيرة. ويؤكد أن وزارة المياه والري، تسعى الى تنفيذ مشاريع لتأمين وتعزيز قدرة مصادر المياه المتاحة، والإسراع بتنفيذ مشروع العقبة عمان لتحلية مياه البحر الأحمر، ونقلها الى مناطق المملكة بطاقة 300 مليون م3/ سنويا، والتوسع بحصاد مياه الأمطار عبر زيادة قدرة السدود التخزينية، والحد من الفاقد المائي، وزيادة نسبة الاستفادة من كميات المياه المعالجة، والناتجة عن محطات الصرف الصحي عبر زراعة الأعلاف وفي أغراض الصناعة، وتنفيذ مبادرات على مستوى الأفراد، لزيادة كميات الحصاد المائي والتوعية. ومن جانبها، حذرت جمعية أصدقاء البحر الميت من عدم اتخاذ إجراءات حقيقية على الأرض، لمواجهة التغيرات المناخية التي تطال المملكة، وطالبت برفع مستوى الاستعداد للأضرار التي يمكن أن تنتج عن التغير المناخي والوقوف جدياً على المشكلات المناخية المتعلقة بالأردن. ويقول الرئيس التنفيذي للجمعية زيد سوالقة، إنه وفي ظل المخاطر التي بدأت بالظهور فعليا، فإن الجمعية ستطلق "دورات تدريبية عدة عن التغير المناخي وأثره على البحر الميت"، بالتعاون مع مديرية التغير المناخي في وزارة البيئة، لرفع الوعي المجتمعي لأبناء مناطق وادي الأردن التي تقع على ضفاف البحر الميت، على امتداد 70 كلم، وتشمل منطقة الشونة الجنوبية والفنادق وغور حديثة وغور الصافي. ويوضح سوالقة، أن هذه الدورات ستعمل وفق ثلاثة محاور، بدءا من تشجيع الزراعات النوعية التي لا تحتاج إلى مياه، وتشجيع الاعتماد على الطاقة البديلة، وإعادة النظر في البنية التحتية، وتوسيع قنوات التصريف المائي، والانتقال إلى قوننة التدوير والاستفادة من مكبات النفايات الصلبة. ويؤكد السوالقة "أهمية دور المجتمعات في إدارة آثار الأحداث التي تقع في أحوال الطقس والمناخ، والمطلوب اتخاذ تدابير إضافية في التكيف المطلوب للحد من الآثار السلبية لتغير المناخ وتقلبه". ويضيف "من هنا، لا بد من إشراك المجتمع المحلي عبر دورات توعوية، تساعد على فهم مشكلة التغير المناخي وخطرها على المجتمع، وكيفية التعامل معها، وتعزيز ارتباط المؤسسات والمواطنين بالمناخ، ورفع نسبة الاهتمام بالبيئة والمحافظة عليها". وييبن أن الدورات تستهدف المجتمع المحلي للمنطقة؛ مؤسسات ومواطنين، فهم شركاء بتحقيق ضغط على الجهات المسؤولة لإيجاد حلول مناسبة بأسرع وقت ممكن، لمواجهة أضرار التغير المناخي بتوسيع نطاق جمع مياه الأمطار وحفظها، وإعادة استخدامها للري، مع تعديل مواعيد الزراعة وتنوع المحاصيل وتعديل مجاري الأودية والسيول، وإبعادها عن المناطق المأهولة بالسكان، للحفاظ على حياتهم والتنوع الحيوي في المنطقة. كما يبين أن هذه الدورات، تستهدف التدرب على تخزين المواد الغذائية وحفظها، والتشجيع على استغلال الطاقة البديلة بدلا من التي تعتمد على الوقود الأحفوري، والحد من الانبعاثات الكربونية لعوادم المركبات، واستبدالها بالمركبات الكهربائية، ووضع نقاط ستدرج على جدول المحاضرات في القريب العاجل. وبحسب موقع الأمم المتحدة، فالغازات المسببة للاحتباس الحراري، تحدث بشكل طبيعي، وهي ضرورية لبقاء البشر وملايين الأنواع من الكائنات الحية الأخرى على قيد الحياة عن طريق الحفاظ على جزء من دفء الشمس، وعكسها مرة أخرى إلى الفضاء، لتجعل الأرض صالحة للعيش، لكن بعد أكثر من قرن ونصف القرن من التصنيع، وإزالة الغابات والزراعة الواسعة النطاق، ارتفعت كميات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية، لم تشهدها منذ 3 ملايين عام، في حين أن نمو الاقتصادات ومستويات المعيشة للسكان، زاد من مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري (غازات الدفيئة)، كذلك الحال، بالنسبة للمستوى التراكمي من الغازات المسببة للاحتباس الحراري (انبعاثات غازات الدفيئة) حتى باتت تهدد الكوكب.

إقرأ المزيد :

اضافة اعلان