التسول في زمن الكورونا.. ما تزال الإعاقة ضحية الاستغلال

التسول -(تصوير أمجد الطويل)
التسول -(تصوير أمجد الطويل)

ربى الرياحي

عمان- أمور كثيرة تغيرت جراء مداهمة جائحة كورونا للمجتمعات، مخلفة وجعا، وأضرارا طالت كل شيء، فانعكست آثار الجائحة سلبا على مختلف شرائح المجتمع وتحديدا الأطفال الذين تأثروا كثيرا بتبعاتها.

اضافة اعلان

ولأن الأطفال من ذوي الإعاقة جزء لا يتجزأ من هذه الفئة فقد تضرروا أيضا نفسيا وماديا بسبب انقطاعهم الطويل عن مدارسهم والمراكز التي كانت تحتضنهم.

ما تزال الأزمة قائمة بآثارها، وتدفع لطرح تساؤلات كثيرة من بينها هل ساهمت الجائحة في نزول الأطفال من ذوي الإعاقة إلى الشارع؟

 وجعلهم عرضة للاستغلال والإساءة بسبب الأوضاع المادية الصعبة؟ كيف يمكن الحفاظ على هؤلاء الأطفال وحمايتهم وتوفير حياة مريحة وآمنة لهم تجنبهم حوادث الاستغلال وإقحامهم في عمليات التسول؟.

يطرح اختصاصيون وخبراء حلولا لدعم الأطفال ذوي الإعاقة والتعاون مع الجهات المعنية لحمايتهم والوقوف إلى جانبهم من أجل إيجاد مظلة أكثر أمانا وإنصافا ورقابة.

التسول جريمة إنسانية وأخلاقية

يؤكد خبير علم الاجتماع الاقتصادي حسام عايش أن هناك مشاهدات تم رصدها تؤكد وجود أطفال من ذوي الإعاقة استغلوا في التسول حتى وإن كانت قليلة وربما يكون بعضها غير حقيقي بل تم تصنيعه، لكن ذلك لا ينفي وجود مثل تلك الحالات.

ويقول عايش إن استغلال هؤلاء الأطفال يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، فالتسول بأشكاله كافة هو جريمة إنسانية وأخلاقية يتم فيها استثمار طيبة الناس ودفعهم إلى التنازل عن بعض أموالهم.

 وذلك بممارسة الضغط النفسي والمعنوي عليهم، مؤكدا أن الظروف الاستثنائية الصعبة تزيد من عمليات التسول وتحولها إلى صناعة.

ويضيف أن هناك من يشرف على عمليات التسول ويسوقها ويوفر لممتهنيها الحماية، وهذا بالطبع يدفعنا إلى القول بأن بعض الحالات المتعلقة بالإعاقة ليست حقيقية ويتم تصنيعها لإثارة الشفقة وصولا للغاية المرجوة من هذه الحيل وهي كسب أموال أكثر.


وبحسب رأي عايش فإن المسؤولية مشتركة بين جميع أفراد المجتمع والجهات المعنية لهدف واحد وهو حماية الأطفال من ذوي الإعاقة ودعمهم وإحاطتهم بالاهتمام والرعاية حتى لا يكونوا عرضة للاستغلال.

بدوره، يرى الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو أن استغلال الإعاقة في قضايا التسول مشكلة قديمة حديثة وأن فئة الكبار البالغين هي المستخدمة أكثر من الصغار ما دون الثامنة عشرة.

ويرجع السبب في ذلك إلى الظروف المادية الصعبة التي يعيشها والتي تدفعه إلى اللجوء إلى طرق غير مشروعة من أجل كسب المال وخاصة إذا كان الشخص مسؤولا عن أسرة يعيلها وينفق عليها.

جائحة كورونا عززت التسول

ويرجح الغزو أن جائحة كورونا وما تبعها من تأثيرات سلبية يمكن أن تكون ساهمت في زيادة مثل هذه الحالات واستمرار تعرض ذوي الاعاقة للاستغلال والإساءة بقصد استعطاف الناس واستمالتهم إنسانيا.

مبينا أن الحكومة في الفترة الأخيرة وضعت حدا لهذه الظاهرة من خلال متابعة المتسولين وملاحقتهم والوقوف على الأسباب التي تدفعهم إلى اللجوء لمثل تلك الأساليب.

وقال: "هنا يكمن دور الجهات المسؤولة في كشف الستار عن الحقيقة ومساعدة من هم فعلا بحاجة للمساعدة من خلال دعمهم ماديا ونفسيا.

وتقديم الحماية والرعاية لهم لتجنيبهم العنف والتعرض للإيذاء البدني في حال لم يتمكنوا من جمع المبالغ المطلوبة منهم".

دعوة لتغليظ العقوبات

في مقابل ذلك، شدد الغزو على أهمية تغليظ العقوبة بحق من يصطنع الإعاقة ويستغل هذه الفكرة من أجل إيهام الناس والإيقاع بهم.

 ويشير إلى أن دعم الأطفال من ذوي الإعاقة والاهتمام بهم يكون بتكاتف كل الجهود "فهو دور تكاملي بين مؤسسات المجتمع المحلي.

ويبدأ من وزارة التنمية الاجتماعية التي من واجبها العناية بهذه الفئة وتجنيبها الاستغلال بشتى أشكاله وصولا إلى كل فرد في المجتمع".

ويعاقب القانون كل من استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعا بعرض جروحه أو عاهة في جسده أو بأي وسيلة أخرى، سواء كان متجولا أو جالسا في مكان عام.

وتعاقب المادة رقم 389 من قانون العقوبات الأردني على جريمة التسول في المرة الأولى بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، وفي حال التكرار الحبس سنة كحد أقصى.

ويبين الغزو أن منع حوادث التسول وإقحام الأطفال من ذوي الإعاقة فيها يكون بإلحاقهم بمراكز تحتضنهم وتحتويهم، خصوصا الأطفال الذين يعيشون تحت خط الفقر.

كما ينبغي دراسة كل حالة على حدة، لكن إذا غاب الضمير والوعي المجتمعي وتركت الأمور دون عقوبات رادعة فحتما سيزداد استغلال هؤلاء الأطفال.

وعن الأثر النفسي للاستغلال، يقول الغزو أن الصغار من هذه الفئة بالتأكيد سيعيشون وضعا صعبا في حال تم استغلالهم وتعنيفهم واستخدامهم في عمليات التسول.

وهذا بالتالي سيؤدي إلى إبقائهم في قلق وتوتر دائمين، فهم غير مدركين لمعنى الحياة، لذا فإن كل تفكيرهم منصب على الأشخاص المستغلين لهم.

أما الكبار فمنهم من يعيش في صراع داخلي بينه وبين نفسه والبعض الآخر يشعر بعدم الرضا عن نفسه، وعمن حوله وقد يصل بهم الأمر إلى الانتقام إحيانا".

دور المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

من جهته، بين الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي أن المجلس "لم تصله أية شكوى عن أطفال تم استغلالهم بموضوع التسول.

وفي حال وجود مثل هذه الحالات فالأمر يعود بالدرجة الأولى إلى وزارة التنمية الاجتماعية كونها المسؤولة عن قضايا التسول بموجب القانون".

وقال إن "المجلس يسعى بكل طاقاته لحماية هذه الفئة ودعمها وتمكينها من الوصول إلى الخدمات كافة وصون كرامتها".

 ووضح  أن كل الاتفاقيات الدولية وقانون الأشخاص من ذوي الإعاقة كفلت للطفل حقه بالحماية وتجنيبه كل أشكال الاستغلال.

وعن الدور الذي يقوم به المجلس تجاه هذه الفئة وتحديدا في ظل جائحة كورونا، يقول الزيتاوي أن هناك انتهاكات كثيرة مورست ضد الأشخاص من ذوي الإعاقة وخاصة في قضية التعليم عن بعد.

كما أن وصولهم للخدمات كان في منتهى الصعوبة، مبينا ان المجلس قام بإنشاء منصات للطلبة الصم والمكفوفين.

وأنشأ تطبيقات تسهل على الطلبة المكفوفين الوصول إلى المناهج المدرسية، كما ركز على توعية الأشخاص من ذوي الإعاقة بمخاطر فيروس كورونا وطرق الحماية منه.

غير أن الزيتاوي يشدد على أهمية التعاون بين جميع المؤسسات، والعمل على توعية الأهالي والمجتمع بأكمله بضرورة دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة في الحياة الاجتماعية والعملية.

وتسهيل وصولهم للخدمات اللازمة، مستدركا بأن المجلس على استعداد بالتدخل مباشرة لحماية مثل هذه الحالات.

خاصة أنه يتابع باستمرار كل الانتهاكات التي تمارس ضد الأشخاص من ذوي الإعاقة ويعمل بكل طاقته على الحد منها باللجوء إلى القضاء.

وزارة التنمية تشدد الرقابة

وكانت التنمية الاجتماعية أعلنت مؤخرا ان التوجه للتشديد على مكافحة ظاهرة التسول في مقابل السعي الجاد لتأمين الفقراء والمحتاجين بما يسد حاجتهم المعيشية. .

وكشف تقرير الوزارة عن شهر تشرين الأول الماضي، ضبط مديرية مكافحة التسول 1064 متسولا، وأجراء 426 حملة، وضبط 5 مسخرين، فيما بلغ مجموع المبالغ المضبوطة 2665 دينارا.

الأطفال "ذوي الإعاقة".. الأكثر عرضة للاستغلال

في موازاة ذلك، يقول المستشار الأول في الطب الشرعي والخبير بحقوق الطفل الدكتور هاني جهشان إن الأطفال الذين يعانون من إعاقات حسية أو نفسية أو عقلية هم من أكثر الأطفال المهمشين في العالم.

وبشكل أشد في دول العالم الثالث لكونها تلتصق بهم وصمة اجتماعية تؤثر على شتى مناحي حياتهم، وبالتالي يؤدي ذلك كله إلى زيادة التعرض لسوء المعاملة والإهمال وانخفاض الوصول إلى الخدمات.

ويلفت إلى أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال من ذوي الإعاقة وأسرهم يعيشون في مجتمعات فقيرة ومهمشة ونسبة وجودهم مرتفعة في مراكز الرعاية الاجتماعية وفي أماكن عمل الأطفال وبين الأطفال المتسولين وهذه الظروف تفاقم حتما من تهميشهم.

ووفق رأي جهشان فإن الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الجائحة والتي عصفت بأغلب الأسر ذات الدخل المحدود أو حتى المتوسط أثرت بشكل كبير على قدرة هذه الأسر على رعاية أطفالها من ذوي الإعاقة وقد يستمر هذا لوقت طويل

. مؤكدا على أن حماية هؤلاء الأطفال وخاصة خلال الجائحة يجب أن يمتد إلى جميع الوزارات المعنية وهي التنمية الاجتماعية، الصحة، التربية والتعليم، العمل، بتعاون شمولي يضمن الرقابة التامة على جميع الأطفال ذوي الإعاقة.

إقرأ المزيد :