السلطويون يمضون قدما

1692521310742512500
دونالد ترامب يتحدث إلى مناصريه عندما كان مرشحًا رئاسيًا، 2016 - (أرشيفية)

تقرير خاص - (الإيكونوميست) 2023/8/10

ثمة الذين يجادلون بأن القيم العالمية هي الإمبريالية الجديدة، التي يجري فرضها على الناس الذين يريدون الأمن والاستقرار بدلاً منها. لكنهم مخطئون، لهذه الأسباب.
*   *   *
حمل سقوط جدار برلين في العام 1989 الوعد بأن الازدهار المتزايد سيكون من شأنه أن يعزز الحرية والتسامح، وهو ما سيخلق بدوره المزيد من الازدهار. لكن هذا الأمل خاب، لسوء الحظ،. ويُظهر تحليلنا هذا الأسبوع، استنادًا إلى المسح العالمي النهائي للمواقف الاجتماعية، مدى سذاجة ذلك التفكير.

اضافة اعلان


لقد ازداد الازدهار بالتأكيد. في العقود الثلاثة حتى العام 2019، زاد الإنتاج العالمي بأكثر من أربعة أضعاف. وما يقرب من 70 في المائة من أصل ملياري شخص كانوا يعيشون في فقر مدقع أفلتوا منه. لكن الحرية الفردية والتسامح تطورا بشكل مختلف. ثمة العديد من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يواصلون القسم على الولاء للمعتقدات التقليدية، غير المتسامحة في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أنهم أكثر ثراءً هذه الأيام، إلا أنهم غالبًا ما ينطوون على ازدراء على أساس "نحن- و-هم" للآخرين.


يتم إجراء مسح القيم العالمية كل خمس سنوات. وقد جمَعت النتائج الأخيرة، التي تصل إلى العام 2022، استجابات ما يقرب من 130 ألف شخص في 90 دولة.

 

وكما تبين، فإن بعض الأماكن، مثل روسيا وجورجيا، لم تصبح أكثر تسامحًا مع نموها، وإنما أصبحت أكثر ارتباطًا بالقيم الدينية التقليدية بدلاً من ذلك.

 

وفي الوقت نفسه، بالكاد يكون الشباب في البلدان الإسلامية والأرثوذكسية أكثر فردية أو علمانية من شيوخهم.

 

وعلى النقيض من ذلك، يتسابق الشباب في شمال أوروبا وأميركا إلى المضي قدُماً. وتنظر البلدان التي يُسمح فيها بحرق القرآن وتلك التي يُعد فيها هذا الفعل جريمة إلى بعضها بعضا بعدم فهم متزايد.


في ظاهره، كل هذا يدعم الحملة التي يقودها الحزب الشيوعي الصيني لرفض القيم العالمية باعتبارها إمبريالية جديدة عنصرية. وتجادل الحملة بأن النخب الغربية البيضاء تفرض نسختها الخاصة من الحرية والديمقراطية على أناس يريدون الأمن والاستقرار بدلاً منها.


في الواقع، يشير الاستطلاع إلى شيء أكثر غموضًا. على النقيض من الحجة الصينية، أصبحت القيم العالمية الآن أكثر تقديرًا من أي وقت مضى. ولنبدأ بالخلط. إن الصين محقة في أن الناس يريدون الأمن.

 

ويظهر الاستطلاع أن الشعور بالتهديد يدفع الناس إلى البحث عن ملجأ في العائلة، والمجموعة العرقية أو القومية، في حين توفر التقاليد والدين المنظّم السلوى.


هذه إحدى الطرق لرؤية محاولات أميركا المحكوم عليها بالفشل لإرساء الديمقراطية في العراق وأفغانستان، فضلاً عن الفشل الذي مني به "الربيع العربي". ووسط الفوضى والاضطراب وغياب القانون، سعى بعض الناس إلى طلب الأمان في قبيلتهم أو طائفتهم. وعلى أمل استعادة النظام، رحب البعض حتى بعودة الديكتاتوريين.


لكن الفكرة التي تفوِّتها الحجة الصينية هي حقيقة أن السياسيين المعنيين بمصالحهم الخاصة يشرعون أحيانًا في هندسة انعدام الأمن لأنهم يعلمون أن الناس الخائفين سيتوقون إلى حكم الرجل القوي. هذا ما فعله النظام في سورية عندما أطلق سراح الجهاديين القتلة من سجونه في بداية الربيع العربي. وكان يراهن بذلك على أن التهديد بالعنف السني سيجعل السوريين من طوائف أخرى يلتفون حوله.


وحدث شيء مشابه في روسيا. بعد الانهيار الاقتصادي والإصلاحات المتناقضة في التسعينيات، ازدهر الروس في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بين العامين 1999 و2013 بمقدار 12 ضعفًا مقومة بالدولار.

 

لكن ذلك لم يبدد رعبهم المتراكم. وقد لعب الرئيس فلاديمير بوتين باستمرار على مخاوفهم العرقية القومية، خاصة عندما تعثرت مسيرة النمو لاحقًا. وبلغ ذلك ذروته بغزوه الكارثي لأوكرانيا.


وحتى في الديمقراطيات الراسخة، رأى السياسيون المستقطِبون، مثل دونالد ترامب وجاير بولسونارو، الرئيسين السابقين لأميركا والبرازيل على التوالي، أنهم يستطيعون استغلال مخاوف الناخبين المتروكين في الخلف لحشد الدعم.

 

ولذلك شرعوا في التحذير من أن خصومهم السياسيين يريدون تدمير أسلوب حياة مؤيديهم وأنهم يهددون بقاء بلدانهم. وأدى ذلك بدوره إلى نشر الذعر والعداء على الجانب الآخر.


حتى لو تسامحنا مع هذا، فإن الادعاء الصيني بأن القيم العالمية مفروضة يقلب الأشياء رأساً على عقب. من تشيلي إلى اليابان، يقدم مسح القيم العالمية أمثلة حيث يبدو أن الأمن المتنامي يؤدي حقًا إلى التسامح وزيادة التعبير الفردي.

 

لا شيء يوحي بأن الدول الغربية فريدة في ذلك. لكن السؤال الحقيقي هو: كيف تساعد الناس على الشعور بمزيد من الأمان.


تستند إجابة الصين إلى إنشاء نظام لأغلبية موالية ومراعية تظل بعيدة عن السياسة وتتجنب تحدي حكامها. ومع ذلك، في داخل هذا النموذج يتربص انعدام أمن عميق. إنه نظام أغلبية تتحرك فيه الخطوط، أحيانًا بشكل تعسفي أو من دون سابق إنذار -خاصة عندما تنتقل السلطة بشكل غير متوقع من رئيس الحزب إلى آخر.


ثمة إجابة أفضل تأتي من الازدهار المبني على سيادة القانون. لدى الدول الغنية قدر أكبر من الموارد للإنفاق على التعامل مع الكوارث، مثل الأمراض الوبائية. وبالمثل، فإن مواطني الدول الغنية، الواثقين من مدخراتهم وشبكة أمانهم الاجتماعي، يعرفون أنهم أقل عرضة للأحداث التي قد تدمر الحيوات في أماكن أخرى.


عالمية وقيِّمة

 

مع ذلك، يكمن أعمق حل لانعدام الأمن في كيفية تعامل البلدان مع التغيير، سواء كان آتيًا من الاحتباس الحراري، أو الذكاء الاصطناعي، أو التوترات المتزايدة بين الصين وأميركا. سوف تكون البلدان التي تدير التغيير بشكل جيد أفضل في جعل المجتمع يشعر بالثقة في المستقبل. وهنا يأتي دور القيم العالمية.

 

سوف يساعد التسامح، وحرية التعبير والاستكشاف الفردي على الإمساك بزمام التغيير وتسخيره من خلال الإجماع الذي يتم تشكيله عبر النقاش والإصلاح المنطقيين. لا توجد طريقة أفضل لتحقيق التقدم.


إن القيم العالمية هي أكثر بكثير من مجرد شيء غربي مقدس. إنها آلية تقوي المجتمعات ضد انعدام الأمن. وما يُظهره مسح القيم العالمية هو أن تحقيقها لا يتأتى إلا بشق الأنفس أيضًا.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Authoritarians are on the march

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 هل سيترشح دونالد ترامب للرئاسة الأميركية مرة أخرى؟