ترامب قد يتغلب على بايدن، حتى لو كان مسجونا

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب - (أرشيفية)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب - (أرشيفية)

ماري ديجيفسكي* - (إندبندنت عربية) الاثنين 7 آب (أغسطس) 2023

الرئيس السابق يعتمد على دعم قاعدة من أنصاره تنطوي على شكوك عميقة بأجهزة الحكم. ولذلك، قد يضمن تعريضه للاضطهاد في المحاكم تقدمه في السباق الرئاسي.
*   *   *
 ابتداءً من بداية شهر آب (أغسطس)، يواجه دونالد ترامب 78 تهمة جنائية في ثلاث قضايا مختلفة. وإذا تبين أنه كان مذنباً في أي من التهم الأكثر خطورة، فمن الممكن أن يذهب إلى السجن. كما يمكنه أيضاً أن يقود حملته الانتخابية من خلف القضبان، وأن يُنتخب ليشغل منصب رئيس الجمهورية الأميركية في الوقت نفسه. في الولايات المتحدة، لا ينفي أحد الاحتمالين الآخر.

اضافة اعلان


بالنسبة للكثيرين في معظم مناطق العالم، وخصوصاً بالنسبة لأولئك من بيننا المحظوظين لأنهم يعيشون في دول تعتبر نفسها بلدانًا ديمقراطية يحكمها القانون، فإن احتمال أن يدان الرئيس الذي يعتبر نفسه زعيم العالم الحر، يبدو ضرباً من الخيال.


كما يبدو من الصعب أيضاً تخيل أن لا يلحق ذلك الضرر بصدقيته في الخارج، وبالتالي صدقية بلده. أو أن لا يكون ذلك سبباً للناخبين الأميركيين، يأخذونه في الاعتبار لدى تحديد خياراتهم حين يصوتون، قبل أي انتخابات رئاسية.


لكنّ هذه هي كيفية عمل النظام في الولايات المتحدة. وتشكل حقيقة إلى أن شخصًا مثل الرئيس السابق، دونالد ترامب، يمكنه أن يستفيد من ذلك، هي مؤشر إلى ماهية الولايات المتحدة الأميركية وديمقراطيتها. أما إذا كان ذلك سيكون إيجابياً أو سلبياً، فمسألة أخرى.


سيكون العنصر الحاسم في هذه الحالة هو أن الشعب. ولا بد أن تكون لأفراده، كناخبين، الكلمة الفصل. ووفق الدستور الأميركي، هناك جرم واحد يمنع أياً كان من الترشح لشغل منصب الرئيس، هو ضلوعه في "تمرد أو عصيان"، وكل التهم التي تساق ضد ترامب ما تزال أقل من ذلك. وفي أي إدانة أخرى له، سيُترك الأمر للناخبين لاتخاذ القرار حول ما إذا كانت الإدانة تشكل سببًا لتجريده من أهليته للمنصب أم لا.


بطبيعة الحال، في الجزء الأكبر من الحالات، تكاد تكون فرصة المرشح الذي يواجه أي إدانة جنائية في أي سباق انتخابي للفوز بالرئاسة، أو تم إيداعه السجن، شبه معدومة حتى قبل انطلاق العملية من الأساس.

 

لن يكون مثل هذا الشخص قادراً في هذه الحالة حتى على جمع التبرعات لتمويل حملة انتخابية، بل وحتى غير قادر على الوصول إلى مرحلة الانتخابات التمهيدية، أو أن يبدو المرشح المفضل للفوز بترشيح الحزب. وفي العادة، يغض الناخبون النظر عن ترشيحه مسبقًا.


وما يزال من الممكن أن ينطبق هذا السيناريو على ترامب. فالقضايا في المحاكم ستتجمع، وقد يقرر ترامب أن اللعبة ببساطة لا تستحق مستوى المعاناة التي يتطلبها الفوز.

 

وبطبيعة الحال، تبدو هذه الأمور هي بالتحديد الحسابات التي يعمل على أساسها منافسوه السياسيون: أن المحاكِم ستقوم، فعلياً، بجعل مسألة خوض ترامب الانتخابات احتمالًا غير واقعي. وبما أن موعد الانتخابات الرئاسية ما يزال على بعد عام أو أكثر من الآن، فإن هناك فترة طويلة نسبيًا تفصلنا عن ذلك الموعد، وهو ما يتيح لترامب الفرصة لتغيير رأيه.


ما تسعى هذه السردية إلى قوله هو أنه لا تبدو على دونالد ترامب أي مؤشرات من أي نوع على أنه سيستسلم، ويبدو أنه سيواصل حملته الانتخابية حتى لو تمت إدانته. ولكن لا يُظهر أنصاره أيضاً أي إشارات على أنهم في طور التخلي عنه أيضاً.


تشير آخر الاستطلاعات إلى أن تقدمه على منافسه الجمهوري رون دي سانتيس، أقرب منافسيه إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، آخذ في الاتساع.

 

وهو يتساوى مع الرئيس جو بايدن من حيث اتجاهات الناخبين المتوقعة عند 43 في المائة لكل منهما. ولطالما استُقبِلت هذه النتائج للاستطلاعات بشيء من الصدمة والمفاجأة، بما في ذلك على هذا الجانب من المحيط الأطلسي، في أوروبا -لكنها لا يجب أن تكون كذلك.


مكمن الصعوبة بالنسبة للديمقراطيين وأولئك الذين يعارضون ترامب من الاتجاهات المختلفة هي أن كل عصا وكل حجر يتم إلقاؤها في اتجاه ترامب، وكل قضية في المحاكم تُرفع ضده، تصبح دليلاً بالنسبة للموالين له على أنه على حق تماماً. وإذا كان يُنظر إليه على أنه مرشح غير متوقع فوزه في العام 2016، وأن جاذبيته للناخبين تعود إلى كونه شخصية تغرد خارج السرب ـ فإنه اليوم ذلك الشخص أكثر من ذي قبل (يعتبر شهيداً يتم السعي إلى التخلص منه).


والأكثر من ذلك هو أن مؤيدي ترامب السابقين -والجدد المحتملين- [الجدد]، ليسوا محطئين تمامًا إذا تفهمنا منطلقات موقفهم. ربما يكون النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية معروفًا بمبدأ التوازن وآليات التحقق المتاحة، وأيضاً بنظام فصل السلطات بين كل من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، لكنه يبقى نظاماً مسيساً إلى درجة كبيرة بشكل يجعل من الصعب على أي من غير المنضوين تحت مظلة النظام أو الدخلاء عليه أن ينجحوا.


لا بد من الاعتراف بجودة النظام الديمقراطي الأميركي عندما فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية للعام 2016 -حيث كان قد أنفق على حملته الانتخابية أقل من منافسته هيلاري كلينتون، ونجح في الصمود في مواجهة وابل من القضايا القانونية المثيرة للشكوك بأنه كان في جيب موسكو (أي عميلًا لروسيا). لكن أعداءه -ومن بينهم جمهوريون إضافة إلى الديمقراطيين، الذين يصفهم أنصار ترامب بأنهم "مؤسسة واشنطن"، أو حتى "الدولة العميقة"- كانوا ناجحين للغاية في الحد من نطاق قدرته على المناورة خلال فترة حكمه.


يمكن أن نفسر هذا بأنه كان انتصاراً للديمقراطية الأميركية بطرق مختلفة، من خلال مزيج من عمل المحاكم، والكونغرس، ومكتب التحقيقات الفيدرالية "أف بي آي"، ووكالات الاستخبارات التي نجحت في إعاقة الكثير من سياساته -من محاولاته الحد من الهجرة إلى طموحه بإقامة علاقات أفضل مع روسيا. لكن هناك طريقة أخرى يمكن النظر بها إلى القضية، هي أن أعداءه، بعد فشلهم في الحيلولة دون انتخابه، استخدموا وسائل أخرى لتحييد سلطته؛ السلطة التي يجب ألا ننسى أنها القوة المناطة بالرئيس الأميركي المنتخب ديمقراطياً.  


هناك أيضاً الأسئلة التي يتم طرحها حالياً بخصوص حملة 2020 -ليس ما يتعلق بمسألة أن ترامب قد خسرها، والتي من الواضح أنه خسرها تماماً- وإنما تتعلق بحقه في تحدي النتائج، وإلى أي مدى لعبت حملة "التلاعب القذر" دوراً ربما يكون قد ساهم في خسارته.


في العام 2000، وهو العام الذي شهدت فيه الانتخابات الرئاسية الأميركية "نتائج متقاربة"، كان زملاء آل غور الديمقراطيون قد انتقدوه على إعلانه الخسارة في وقت مبكر، في خطوة جادلوا بأنها أضعفت موقفه في مواجهة منافسه، جورج دبليو بوش، من خلال الإجراءات القانونية التي تتبع الإعلان عن النتائج. ومنذ ذلك الحين، تعلم المرشحون من تلك التجربة، ومن بين هؤلاء دونالد ترامب.


أما بخصوص حملات "التلاعب القذر"، فكانت تضم أيضاً قضية الحاسوب الشخصي الذي أصبحنا نعرف اليوم أنه كان يخص ابن الرئيس جو بايدن، هانتر. وقد تضمنت محتوياته تفاصيل معاملاته مع الأوكرانيين. لكن الاتجاه تحول في ذلك الحين للترويج إلى اعتبارها مجرد حملة "تضليل" روسية. هل يمكن أن تكون الحقيقة، لو أنها كانت معروفة، لتؤثر في النتائج؟


تكمن نقطة الانطلاق في كل ذلك في وجود شكوك عميقة متأصلة تقليدياً في السياسة، حيث يقول الكثيرون من الموالين لترامب أن السياسات التقليدية لا تتجاهل، من وجهة نظرهم، أصواتهم فحسب، لكنها تتجاهل أيضًا مختلف عناصر حياتهم. وبينما كان يناسب الديمقراطيين -الذين هم اليوم في السلطة- أن يقوموا بإعادة إنتاج الصور الأكثر جموحاً لاقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، وأن يعينوا مستشاراً خاصاً للتحقيق -ولاحقاً تشكيل مجلس لكبار المحلفين في العاصمة واشنطن، التي يهيمن عليها الديمقراطيون- للبت في ما إذا كان من المفروض إدانة الرئيس السابق، فإن ذلك لا يبدو إجراءً عادلاً من وجهة نظر الموالين لترامب، حتى بينما يواصل الديمقراطيون الإصرار على أنهم يتقيدون بحرفية القانون إلى أقصى حد.


الفكرة هي أن الغالبية العظمى من المؤيدين لترامب لم ينضموا إلى اقتحام مبنى الكابيتول، لكنهم يواصلون الإيمان بأن انتصار بطلهم قد "سُرِق" منه، بشكل أو بآخر، من قبل زمرة مسيئة في واشنطن العاصمة. ومن الصعب رؤية شيء يقنعهم بخلاف ذلك قبل موعد الانتخابات المقررة في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام المقبل.


ولكن، على الرغم من ذلك، هناك أمور أخرى غير مطروحة. سوف يتخلل برنامج ترامب الانتخابي ظهوره في المحاكم منذ بداية آذار (مارس) في مانهاتن، نيويورك (بتهمة تزويره سجلاته الضريبية لإخفاء دفعه مبالغ مالية سرية لإسكات أشخاص كانت تربطه بهم علاقات جنسية)، وصولاً إلى شهر أيار (مايو) في ميامي في فلوريدا (في قضية احتفاظه بمستندات حكومية مصنفة سرية في منزله في فلوريدا)، إلى الموعد الذي يمكن أن يتحدد لمحاكمته في واشنطن بالتهم الفيدرالية التي سجلت ضده أخيراً.


من غير الممكن، مع تقدم المرشحَين الرئسيَين في السن والقضايا القانونية، اتهامات ترامب وقضية حاسوب هانتر بايدن، التي أصبحت بمثابة عوائق قانونية أمام الاثنين، أن يؤمِّن أي منهما أن يصبح المرشح الأساسي لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن، إذا كانا هما المرشحان، فيمكن للمرء المراهنة عندئذٍ على شيئين: أن يكون ترامب مستعداً للنزال، حتى لو كان ذلك يعني شن الحملات الانتخابية من وراء القضبان؛ وأن لا يمنح ذلك أفضلية لبايدن كما يشتهي كثير من الديمقراطيين.

*ماري ديجيفسكي: كاتبة في "الإندبندنت" متخصصة في الشؤون الخارجية، عملت مراسلة صحفية في موسكو وباريس وواشنطن. كتبت حول انهيار الشيوعية والاتحاد السوفياتي السابق من داخل موسكو، كما غطت حرب العراق. وهي مهتمة بالعلاقات الدبلوماسية بين الكرملين والغرب.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 هل سيترشح دونالد ترامب للرئاسة الأميركية مرة أخرى؟