على الأميركيين المطالبة بتحقيق مستقل في مقتل شيرين أبو عاقلة

ناشطون يطالبون بالعدالة لمقتل شيرين أبو عاقلة - (أرشيفية)
ناشطون يطالبون بالعدالة لمقتل شيرين أبو عاقلة - (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
فيليس بنيس؛ وريتشارد فولك* - (كاونتربنش) 26/5/2022

ما مِن شك جدّي في أن شيرين أبو عاقلة قُتلت عمداً برصاص قناص إسرائيلي. وقد أظهر مقتلها والاعتداء على موكب جنازتها مرة أخرى الطبيعة الهيكلية للعنصرية والعنف الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين.

اضافة اعلان

وكما تصفها "منظمة العفو الدولية"، فإن "الانتهاكات الإسرائيلية المنتظمة لحقوق الفلسطينيين ليست تكرارًا عرضيًا للجرائم، ولكنها جزء من نظام مؤسسي للقمع والهيمنة المنهجيين".
* * *
كانت شيرين أبو عاقله مراسلة صحفية مخضرمة لقناة "الجزيرة" الإخبارية على مدى السنوات الـخمس والعشرين الماضية. كانت معروفة وتحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم العربي لتقاريرها الشجاعة والصادقة عن النضال الفلسطيني.

ثم، في 11 أيار (مايو)، قُتلت أبو عاقلة برصاصة أثناء تغطيتها غارة إسرائيلية على مخيم للاجئين الفلسطينيين خارج جنين.

كان مقتل أبو عاقلة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل صادمًا، لكنه بالكاد كان غير مألوف. وفقًا لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، كانت شيرين هي الصحفية رقم 86 التي تُقتل أثناء تغطيتها للقمع الإسرائيلي منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية لأول مرة في العام 1967.

لكن قتلها هو جزء من نمط أطول من العنف والعقاب الجماعي الإسرائيليين -ليس ضد الصحفيين فحسب، ولكن ضد جميع الفلسطينيين- اللذين يتم ارتكابهما مع الإفلات من العقاب، وتبريرهما بالحديث عن مخاوف "أمنية" ملفقة.

وقد ظهر عمق هذا الانتهاك مرة أخرى بشكل صادم بعد القتل نفسه، عندما هاجمت الشرطة الإسرائيلية موكب الجنازة الذي يحمل جثة شيرين إلى الكنيسة.

وألقوا الأعلام الفلسطينية على الأرض وضربوا المعزين والمشيعين بعنف -بمن فيهم حاملو النعش الذي كاد يسقط من أيديهم.

أظهر مقتل شيرين والاعتداء على موكب جنازتها مرة أخرى الطبيعة الهيكلية البنيوية للعنصرية والعنف الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين.

وكما تصفها منظمة العفو الدولية، فإن "الانتهاكات الإسرائيلية المنتظمة لحقوق الفلسطينيين ليست تكرارًا عرضيًا للجرائم، وإنما هي جزء من نظام مؤسسي للقمع والهيمنة المنهجيين".

ليس هناك أي شك جدي في حقيقة أن أبو عاقلة قُتلت عمداً برصاص قناص إسرائيلي. كانت ترتدي خوذة وسترة واقية زرقاء كتبت عليهما كلمة "PRESS" بوضوح، وكان يحيط بها صحفيون آخرون عندما تم إطلاق النار على المجموعة. وقد أصيبت برصاصة في رأسها وقتلت. وأصيب صحفي فلسطيني آخر بجروح خطيرة.

كما يحدث في كثير من الأحيان، حاول المسؤولون الإسرائيليون على الفور إلقاء اللوم في مقتلها على الفلسطينيين. وأدلى مسؤولون إسرائيليون، من رئيس الوزراء نفتالي بينيت ونزولاً، بادعاءات غير مقنعة بأن مسلحين فلسطينيين هم المسؤولون عن القتل.

وفي غضون ساعات، نجح العاملون الميدانيون في منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في دحض المزاعم الإسرائيلية بسهولة.

وبحلول الوقت الذي التقى فيه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، مع نظيره الإسرائيلي، بيني غانتس، في 17 أيار (مايو)، كانت تل أبيب قد تراجعت إلى حد كبير عن مزاعمها بشأن مسؤولية الفلسطينيين عن الحادثة. وزعمت الصحافة الإسرائيلية أن غانتس أشار إلى ترحيب إسرائيل بإجراء تحقيق في مقتل شيرين.

لكن هذا الادعاء (الذي لم يُذكر في بيان البنتاغون عن الاجتماع) طار في وجه التقارير التي تفيد بأن إسرائيل قررت بالفعل عدم التحقيق في القتل، لأن استجواب الجنود الإسرائيليين كمشتبه بهم محتملين "من شأنه أن يثير المعارضة والجدل داخل جيش الدفاع الإسرائيلي وفي المجتمع الإسرائيلي بشكل عام".

وليس مثل هذا النمط من الإنكار سوى جانب واحد فقط من نمط أوسع وأكثر شمولاً من الاضطهاد. ولا تخفي إسرائيل نفسها هذا الاتجاه، حيث يمنح القانون الأساسي للدولة للعام 2018 صراحةً مواطني إسرائيل اليهود فقط، وليس المواطنين الفلسطينيين، حق تقرير المصير.

استنتجت "منظمة العفو الدولية" ومنظمة "هيومن رايتس ووتش"، إلى جانب منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية البارزة ، "بتسيلم"، أن هذا النمط هو جريمة الفصل العنصري.

وقد استمر ارتكاب هذه الجريمة الدولية، وما يرتبط بها من انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم الحرب، لعقود من الزمان بينما تواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لإسرائيل من دون قيد أو شرط.

ترسل واشنطن أكثر من 3.8 مليار دولار سنويًا بشكل مباشر إلى الجيش الإسرائيلي، والتي يستخدم معظمها لشراء أنظمة أسلحة وذخائر أميركية الصنع وما إلى ذلك.

وهذا يجعل الولايات المتحدة متواطئة في ارتكاب إسرائيل لأعمالها الإجرامية.

وإذن، ما الذي يجب أن يحدث الآن؟

الانخراط الدولي في هذه القضية هو أمر بالغ الأهمية. تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بصلاحية إضافة مقتل شيرين أبو عاقلة والاعتداء على الصحفيين الفلسطينيين إلى تحقيقاتها الحالية في الجرائم الإسرائيلية المزعومة.

ويمكن أيضًا لمجموعة متنوعة من هيئات الأمم المتحدة الاستجابة عن طريق إصدار تقارير تقدم توصيات بشأن السياسات.

ويجب أن تتضمن الدعوات إلى إجراء تحقيق مستقل موثوق به في مقتل أبو عاقلة تركيزاً على مسؤولية الولايات المتحدة أيضاً.

دعا مسؤولون في إدارة بايدن وبعض أعضاء الكونغرس إلى إجراء تحقيق في مقتل أبو عاقلة. وهذا أمر مرحب به، لكنه غير كافٍ. إن لإسرائيل تاريخا طويلا في إجراء تحقيقاتها الخاصة، وكلها تقريبًا تؤدي إلى إفلات القوات العسكرية الإسرائيلية من العقاب.

كما لا يخضع كبار المسؤولين العسكريين وصناع القرار السياسي للمساءلة مطلقًا.
يجب علينا نحن، في الولايات المتحدة، أن نصر على المزيد.

لماذا؟ أولاً وقبل كل شيء، لأن أموال الضرائب التي ندفعها تغطي 20 في المائة من الميزانية العسكرية لإسرائيل بالكامل.

ومن الممكن جداً أن تكون الرصاصة أو البندقية المستخدمتين لقتل شيرين قد اشتريت من شركات تصنيع الأسلحة الأميركية بأموالنا الخاصة.

إذا كان الأمر كذلك، فإننا يجب أن نعرفه -لأن قوانين الولايات المتحدة تحظر ذلك.
إن القيود التي يفرضها "قانون ليهي" على المساعدة العسكرية واضحة لا لبس فيها: "لن يتم تقديم أي مساعدة"، كما جاء في النص، "إلى أي وحدة من قوات الأمن لدولة أجنبية إذا كانت لدى وزير الخارجية (الأميركية) معلومات موثوقة بأن هذه الوحدة قد ارتكبت انتهاكًا جسيمًا حقوق الانسان".

وتشير المعلومات الموثوقة، بما في ذلك تلك الواردة من منظمة حقوق الإنسان الرائدة في إسرائيل وخمسة صحفيين محترمين كانوا يقفون مع شيرين أبو عاقلة عندما قُتلت، إلى أنه تم إطلاق الرصاص عليها وقتلها بدم بارد.

وإذا لم يكن ذلك كافيًا، يجب على وزارة الخارجية اقتراح تشكيل فريق مستقل لتقصي الحقائق تابع للأمم المتحدة لإعداد تقرير عن حادثة القتل.

إن النزعة العسكريتارية آخذة في الارتفاع، سواء في الولايات المتحدة أو في جميع أنحاء العالم. وربما يوفر القتل الوحشي لشيرين أبو عاقلة، المواطنة الأميركية، وكذلك الفلسطينية الفخورة المولودة في القدس- وهجوم الشرطة على المعزين والمشيعين الذين كانوا يحزنون على موتها- قوة دافعة لإعادة التفكير في دعم واشنطن غير المشروط للخروج الإسرائيلي على القانون.

*فيليس بنيس Phyllis Bennis: ناشطة وكاتبة تدير مشروع الأممية الجديدة في معهد الدراسات السياسية وتعمل في المجلس الوطني لمنظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام".

وهي مؤلفة كتاب "فهم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: كتاب تمهيدي" Understanding the Palestinian-Israeli Conflict: A Primer.

*ريتشارد فولك Richard Falk: أستاذ فخري في القانون الدولي لألبرت جي ميلبانك بجامعة برينستون، ومقرر خاص سابق للأمم المتحدة معني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. يعيش في سانتا باربرا في الولايات المتحدة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Americans Must Demand an Independent Investigation of Shireen Abu Akleh’s Killing

اقرأ أيضا في ترجمات

الإعدام الإسرائيلي لشيرين أبو عاقلة مقصود وجزء من سياق

شيرين أبو عاقلة.. خسارة شخصية..!