ليس لإسرائيل خطة لليوم التالي لغزة غير المفاوضات

شبان يعاينون دمارا هائلا أحدثه العدوان المتواصل من قبل الاحتلال منذ أكثر من خمسة أشهر لقطاع غزة-(وكالات)
شبان يعاينون دمارا هائلا أحدثه العدوان المتواصل من قبل الاحتلال منذ أكثر من خمسة أشهر لقطاع غزة-(وكالات)
بقلم: جاكي خوري 17/3/2024
سلوك إسرائيل منذ اندلاع الحرب يثبت أنه حتى بعد وقوع إحدى الكوارث القاسية في تاريخها وأكثر من خمسة أشهر من القتال، فإنه لم يتغير أي شيء. ومحاولة إيجاد آلية لتوزيع المساعدات الإنسانية، التي لا تعتمد على مراكز قوة في الجمهور الغزي، ورفض الإدارة مناقشة اليوم التالي للحرب، هما استمرار للسياسة التي اتبعتها إسرائيل حتى 6 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كسب الوقت والارتجال. والأمر الوحيد الذي تغير هو قوة النيران التي تستخدمها إسرائيل في القطاع، الدمار الكبير والعدد غير المعقول من القتلى فيه والأزمة الإنسانية الصعبة وأزمة المخطوفين غير المسبوقة.اضافة اعلان
حتى اندلاع الحرب سياسة حكومات إسرائيل، لا سيما برئاسة بنيامين نتيناهو، كانت تخليد الفصل بين القطاع والضفة الغربية لمنع أي فرصة لتقدم سياسي. في إطار هذه السياسة، فإن إسرائيل قامت بتسمين حماس بالأموال بهدف الحفاظ على حكمها الذي نما في غزة، مع شن عمليات محدودة بين حين وآخر، لم تعرض للخطر سيطرة حماس على الأرض. في المقابل، تجاه السلطة الفلسطينية في رام الله ورئيسها محمود عباس، اتبعت إسرائيل سياسة الإهانة والإضعاف، مع الحفاظ على مصالح الدائرة الضيقة وأصحاب النفوذ والتنسيق الأمني مع أجهزة مخابرات السلطة.
في الواقع، في أعقاب 7 تشرين الأول (أكتوبر)، قررت إسرائيل تصفية حكم حماس في غزة، لكنها تجنبت طرح بديل جدي يمكن من تحقيق هذا الهدف. وحسب تقرير صدر في نهاية الأسبوع، فإن وزير الدفاع يوآف غالنت تطرق إلى الموضوع في نقاش داخل الكابنيت السياسي الأمني وطرح أربعة بدائل لليوم التالي للحرب. مجرد طرح البديل الذي اعتبر الأسوأ، وهو أن حماس ستحكم غزة، يثبت بأن هذه المنظمة لم تنهَر بعد. اقتراح آخر لغالنت هو نقل السيطرة المحلية إلى رؤساء العائلات والاعتماد على رجال فتح الذين بقوا في القطاع بعد العام 2007 أو تتويج محمد دحلان. لكن التاريخ الحديث يعلمنا أن محاولة إنبات قيادة "من قبل" سواء بواسطة العملاء أو حلفاء محليين أو حكومة دمى، لن تنجح. يمكن سؤال السوفييت عن "نجاحهم" في أفغانستان، والأميركيين عن العراق وأفغانستان، أو حتى النظر الى تاريخ إسرائيل، التي حاولت إقامة روابط القرى في الضفة كبديل عن القيادة الوطنية في المناطق، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان والتوقيع على اتفاق سلام مع الكتائب في لبنان في 1982.
من الجدير الإشارة الى أن رواية العرب لا تعتبر هذه المحاولات فشلا، بل نجاح لسياسة تهدف إلى الحفاظ على دول المنطقة ضعيفة ومقسمة وجائعة وتحارب على بقائها. ولكن دول في هذا الوضع لا يمكن أن تعيش لوقت طويل، وهي ستتحول إلى أرض خصبة لنمو منظمات أصولية متطرفة -ثمرة ناضجة لدول مثل إيران التي تريد رعاية هذه التنظيمات.
البديل الذي لا يتجرؤون على التحدث عنه في إسرائيل هو سلطة فلسطينية حقيقية، تقوم على رغبة الشعب الفلسطيني. سلطة تكون لها شرعية داخلية وقيادة يمكن مساءلتها من قبل المواطن الفلسطيني خلافا لسلطة متعثرة أو سلطة مخاتير تقليدية. صحيح أن احتياجات قطاع غزة الآن في كل مجالات الحياة كبيرة على أي حمولة أو تنظيم، وحتى على دولة مثل دولة إسرائيل -الدمار فيها يمنع أي إمكانية لإقامة قيادة منتخبة بواسطة انتخابات، ونتيجة لذلك في الضفة الغربية أيضا. إسرائيل يجب أن تعرض خطة عمل مع رؤية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، مع التأكيد على الولايات المتحدة والدول العربية. في هذه الأثناء، لا تنجح بطرح رؤيتها فيما يتعلق بمن سينزل سفينة أو شاحنة مساعدات.
أيضا القيادة الفلسطينية في رام الله وكل الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس وحلفاؤها، يعملون من خلال مصالح ضيقة ولا يطرحون أي رؤية حقيقية للشعب الفلسطيني أو عملية جدية للوحدة الفلسطينية. يكفي النظر إلى قرار الرئيس عباس تكليف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية وتبادل الاتهامات التي رافقت ذلك والتي عمقت فقط الشرخ الفلسطيني.
تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، حصل على عناوين في الصحف بعد أن قال إن إسرائيل يجب عليها الذهاب إلى الانتخابات. أقواله هذه تنطبق بدرجة أكبر على الفلسطينيين. عباس يمكنه الاستمرار في العمل وكأنه سيعيش إلى الأبد، ولا يقوم بإجراء التغييرات المطلوبة في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي السلطة. وفي إسرائيل يمكنهم التلويح بشعارات مثل تدمير حماس وإعادة المخطوفين من أجل تبرير الحرب لبضعة أشهر أخرى. ولكن السياسة التي تتبعها لن تؤدي إلى الحسم، لكنها ستحكم على أي شخص يوجد بين النهر والبحر بأن يبقى سجينا في هذا الصراع الذي يوجد فيه في هذه الأثناء 134 مخطوفا وآلاف السجناء الفلسطينيين.-(وكالات)