"الأعذار المتأخرة".. هل تكون سببا لإنهاء علاقات متينة؟

Untitled-1
Untitled-1
ربى الرياحي عمان- لحظات الانتظار المحملة بالتساؤلات الكثيرة وافتقادها للإجابات، هي مشاعر صعبة عاشتها العشرينية آلاء صالح حينما غابت صديقتها المقربة عن يوم تخرجها الذي من المفترض أن يكون بالنسبة لها يوما مميزا وتتويجا لسنوات التعب الطويلة. تلك اللحظات يكون فيها الاحتياج أكثر لأولئك الذين "ننتمي لهم روحيا ونفسيا لمن نرى فيهم السند والأمان" كما تقول آلاء، لذلك آلمها كثيرا غياب صديقتها عن ذلك اليوم، متساءلة: لماذا لم تكن أقرب إنسانة بجانبي في ذلك الوقت؟ وما العذر القوي الذي يبرر ذلك الغياب؟. ومن وجهة نظرها اعتبرت أن ما فعلته صديقتها مسيء في حق صداقتهما، وسنوات العشرة التي تجمع بينهما. لذلك لم تتقبل اعتذارها المتأخر، فالرد جاء باردا وقاسيا لا يمكنه أن يرمم العلاقة من جديد. الردود والأعذار المتأخرة أحيانا، حينما تأتي من أشخاص مقربين، تكون أكثر ألما ووجعا وخيبة سواء بالفرح أو الحزن. ورغم أن ظروف الحياة قد تعاكس إرادة الشخص وتحبط مخططاته، إلا أن التخلي والغياب في بعض المواقف قد لا يقبل التبرير. يزن، يقدر ظروف الآخر، ويعي جيدا أن مشاغل الحياة لا تنتهي، لكنه يرى أن الغياب في أكثر اللحظات احتياجا يكون قاسيا جدا لا يزول بسهولة، وتبقى آثاره عالقة بالروح والذاكرة. ويبين أنه اختبر الألم ذاته في وقت من الأوقات، وتحديدا عندما فقد وظيفته وأصبح من دون عمل يعيله ويعيل أبناءه الثلاثة. في تلك الفترة كان مهموما حزينا وشاردا طوال الوقت ضاقت الدنيا في عينيه، لكنه بالرغم من ذلك كان يراهن على أحد أصدقائه ليواسيه ويخفف عنه حزنه وهمه. لكن، خاب ظنه بهذا الصديق ولأكثر من مرة بات متأكدا من أنه خسر الرهان، إذ إن مواقف الفرح أو الحزن التي تمر بالإنسان، كفيلة بأن تكشف معادن البشر. ويجد يزن أن الرد المتأخر قد لا ينهي العلاقات تماما، لكنه بالطبع يحدث شرخا كبيرا من الصعب ترميمه فهو قد يسامح الشخص على تقصيره في حقه، لكنه في المقابل لا يعود معه مثل السابق أبدا. وتشاركه دلال الرأي نفسه تقول "غياب الأشخاص الذين نحبهم عن لحظات الفرح أو الحزن لا يمكن أن يمر دون أن يترك غصة في الحلق، لذا يصعب علينا تجاوز ذلك الموقف ونسيانه"، مشيرة إلى أنها ما تزال حتى اليوم ورغم مرور ثلاث سنوات على زواج ابنتها تشعر بالحزن بسبب أختها التي قاطعتها ورفضت أن تكلمها أو تقبل دعوتها لحضور العرس نتيجة خلافات عائلية. وتبين أن أختها حاولت كثيرا بعد ذلك أن تعتذر منها وتصلح ما كسر بينهما، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، معللة رفضها الشديد للمصالحة بأنها لم تعد ترى في أختها السند الذي كانت تحتاجه. الأخصائي النفسي التربوي الدكتور علي الغزو يبين أن العلاقات بين البشر تتفاوت حسب نوعها ودرجتها، والإنسان بشكل عام يمر بلحظات فرح وحزن، ويتأمل من المقربين له سواء بحكم القرابة أو الصداقة أو حتى الجيرة أن يقفوا إلى جانبه يشاركونه تلك التفاصيل ويكونون بالنسبة له السند والملاذ يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه. ويلفت الغزو إلى أن غياب بعض الأشخاص عن أكثر اللحظات احتياجا تعقبه غالبا ردود متأخرة قد تكون أحيانا غير مقنعة، لكنها أيضا قد تأتي نتيجة أسباب خارجة عن إرادة الشخص المعتذر كبعد المسافة والسفر والأوضاع الاقتصادية الصعبة ومشاغل الحياة الكثيرة. وبحسب رأي الغزو، فإن الغياب عن لحظات الفرح أو الحزن يعتبر "تقصيرا متعمدا" غير مقبول في حال انعدام الأعذار، لأنه حتما يؤثر جدا على العلاقة مهما كانت قوية وعميقة وتدخل الشخص في دائرة من الشك جراء التساؤلات الكثيرة التي تتبادر إلى ذهنه بمجرد غياب أحد المقربين منه عن فرحه أو حزنه. وحتى لا تنتهي الكثير من العلاقات وتسود القطيعة بين الناس؛ يرى الغزو أن الحل هو أن ينظر كل شخص بنوع العلاقة التي تربطه بالآخر، ومدى قوتها، والتجاوز عن التصرف الخاطئ والمسيء في حال وُجدت الأعذار. وينوه إلى ضرورة عدم القسوة في الحكم على أنفسنا وعلى الآخرين، وأن يكون الشخص أكثر تأنيا في فهم ظروف الطرف الآخر وتقديره قدر الإمكان ليستطيع تقييم الموقف واتخاذ القرار المناسب كما يترتب أيضا على الشخص أن يكون صادقا في تبرير تقصيره، وأيضا لديه القدرة على الاعتذار وتوضيح الأسباب كما هي من دون زيادة أو نقصان.اضافة اعلان