"عائدة".. فيلم وثائقي يحقق حلم العودة إلى فلسطين

Untitled-1
تعبيرية
 بين ثنايا الذاكرة وحلم العودة، تروي المخرجة كارول منصور، قصة حياة والدتها عايدة عبود التي غادرت يافا وعمرها 21 عاما، وحملت معها الكثير من الذكريات والتفاصيل اليومية التي جسدتها في فيلم حمل عنوان "عائدة"، بحسب ما نشر موقع "الجزيرة نت".اضافة اعلان
وتتمحور قصة الفيلم "عائدة" حول عودة رفات جسد الوالدة عايدة إلى يافا، وقد ترجمتها في لقطات مؤثرة قدمتها كارول الابنة، وتروي فيها الأسباب التي أجبرتها آنذاك على ترك يافا، مسقط رأسها، خلال نكبة فلسطين العام 1948، مع عائلتها، حيث انتقلت إلى برمانا في لبنان، قبل أن تفارق الحياة في مدينة مونتريال بكندا.
3 مسارات سردية أساسية
اعتمدت المخرجة منصور 3 مسارات سردية أساسية:
المسار الأول في بيروت العام 2007؛ حيث نرى عايدة امرأة قوية تسرد ذكريات واضحة عن لحظات خروجها مع عائلتها من يافا متجهين نحو لبنان. وتخبر ابنتها تفاصيل حياتهم في لبنان وهاجس العودة الذي لم يفارقها.
المسار الثاني في مونتريال- كندا بين 2012 و2015؛ حيث نرى عايدة امرأة كبيرة في السن تعاني من ألزهايمر، تبدأ ذاكرتها بالاختفاء تدريجا باستثناء ذكرياتها عن بحر يافا. وتسرد الكثير من قصص الطفولة وعن حيها القديم في يافا.
أما المسار الثالث فيرتبط بمرحلة ما بعد وفاة عايدة، ويشارك منصور في هذه الرحلة صديقتها المخرجة تانيا حبجوقة، وهي مصورة أردنية-أميركية مقيمة في القدس الشرقية، وتنضم إليها الناشطة والمسرحية الفلسطينية رائدة طه لإعادة رماد عايدة إلى الوطن، باحثتين عن مكان المنزل الذي تملكان إحداثياته من ذكريات عايدة فقط.
توثيق قصص حياة "والدتي عايدة"
ورغم التحديات والعوائق في عملية التصوير والإخراج، يقدم الفيلم هذه المسارات الثلاثة بشكل متجانس بين المعلومات الضرورية، مع عناصر تشويق درامية وشحنات عاطفية، ضمن رؤية بصرية مليئة بالصور القديمة.
وتقول المخرجة منصور: "عندما بدأت في توثيق قصص حياة والدتي عايدة، كنت أوثق ذلك بشكل عفوي فقط، من أجل الاحتفاظ بذكرياتها بشكل شخصي؛ كابنة بدأت تشعر بخسارة والدتها التي تتصارع مع مرض ألزهايمر".
قمة التشويق لحظة عودة عايدة رمادا داخل كيس بلاستيكي مخصص للرفات لأول مرة منذ العام 1948، تخطو على تراب فلسطين، وتتجول في شوارعها حتى تصل إلى البلدة القديمة، حيث منزلها وموطن ذكرياتها الأولى. وقد تابعت منصور الوصول عبر مكالمات فيديو على هاتفها الخلوي.
وفي أحد المشاهد المشبعة بالمشاعر والحنين، تصف عايدة لابنتها منصور منزلهم الكبير، الذي يحاط بحديقة مليئة بالورود، بينما تجمع منصور بقايا صور الذكريات التي روتها والدتها قبل وفاتها، لتبدأ عملية البث عن منزل "آل عبود".
رحلة زمانية ومكانية مليئة بالعواطف، صاغتها المخرجة منصور لتنتصر على المستوى العاطفي لصراع الذاكرة الفلسطينية والهوية والانتماء، وتعكس أسلوب مقاومة ثقافية يتحدى ويحطم الحواجز والقيود نحو تحقيق حلمها وحلم كل فلسطيني بأن يدفن في أرضه.
وتقول منصور: "عندما بدأت بالتصوير لم يخطر في بالي أني أجهز مادة لفيلم، لكن عندما عدت من كندا وكان بحوزتي رماد عايدة، قررت صنع فيلم، لأن الموضوع لم يعد شأنا شخصيا فحسب، بل أصبح مسألة تتعلق بكل لاجئ يحلم بالعودة إلى وطنه المحتل".
العودة إلى الوطن
تنغمس المخرجة الفلسطينية في سرد الحكاية، محاولة تسليط الضوء على مفاهيم الهوية، والحرية، والحياة، والذاكرة، والأحلام. لتشكل العودة إلى الوطن، سواء بالواقع أو بالاحتيال، كأساس جوهري للفيلم، الذي تدور أحداثه لمدة حوالي 75 دقيقة.
تقول منصور: "فوجئت عندما اختارت والدتها حرق جثتها". وتضيف: "أصعب المراحل كانت عندما ملأت كيسا برماد والدتي لتهريبه إلى فلسطين، ثم سلمته إلى صديقتي التي عادت به إلى فلسطين".
وتسرد قائلة: "تعاملت صديقتي مع رماد العائدة كما لو كانت تعود جسديا إلى أرض الوطن، بدءا من الاحتضان وحتى الحديث معها، وأخبرتها بفرح أنها عادت إلى الوطن. ومن خلال الفيلم، لم أحقق فقط حلم أمي بالعودة بل تجاوزت ذلك إلى تحقيق انتصار على العدو رغم كل شيء".
وأضافت بتأثر كبير: "حمل الفيلم شعورا جميلا وحزينا في الوقت نفسه، لا يمكنني الوصول إلى يافا رغم قربي من المكان. إنه شعور حزين أن أرافق رماد والدتي في رحلتها الأخيرة إلى يافا عبر مكالمة فيديو هاتفية".
وتابعت: "شاهدت تفاصيل حياة والدتي كافة، من منزلها إلى مدرستها، ومن ثم إلى الشوارع التي مرت بها في يافا. ثم استكملت حلمها، حيث طلبت أيضا أن ينثر رمادها في برمانا- لبنان. الجميل في الفيلم أنه كان نوعا من الحظ المساعد، حيث فقط اعتمدنا على تفاصيل كانت والدتي روتها عن منزلها، ومن هنا بدأنا بالاستفسار والبحث الدقيق حتى وصلنا إلى المنزل".
وشكل فيلم "عائدة" نجاحا لافتا ودافعا للاستمرار. وتقول مخرجته: "بعد الفيلم، أطلقنا موقعا إلكترونيا لجمع اللاجئين الفلسطينيين في أي مكان بأرضهم ومدينتهم في فلسطين، عبر التواصل مع الأشخاص الذين يعيشون هناك. كما أطلقنا متحفا افتراضيا لجمع الممتلكات الفلسطينية، بهدف تأكيد وجود الفلسطينيين وحقهم في أرضهم".