السلطة الفلسطينية.. غائبة أم مغيبة؟

Untitled-1
د. نادية سعد الدين
وضعت عملية «طوفان الأقصى»، ضمن أبرز آثارها، السلطة الفلسطينية على مفترق طرق، بما يخص مستقبلها واستمراريتها، حد عدم استبعاد خروجها بعد حرب الاحتلال ضد قطاع غزة أكثر ضعفاً عما هي عليه الآن، ولربما تُواجه احتمال تفككها وانهيارها.اضافة اعلان
فبالإضافة إلى مُتراكمة أزماتها؛ تُواجه السلطة موجة انتقادات شعبية وفصائلية إزاء ما يصفونه «بضعف» أدائها حيال العدوان على غزة و»عجزها» عن اتخاذ قرارات مُتاحة ضد الاحتلال، وقد أوجد ذلك الوضع خلافات داخل حركة «فتح»، من ناحية، وبين الحركة والسلطة، من ناحية أخرى، حد توجيه انتقادات من داخل منظمة التحرير للقيادي «الفتحاوي»، عباس زكي، عند تأييده هجوم «حماس» وعملية «طوفان الأقصى»، وتنامي مطالب أفراد منتمين إليها بالعودة للعمل المسلح ضد الاحتلال والمصالحة مع «حماس».
لا تتمتع السلطة بالقبول في كامل الشارع الفلسطيني، إزاء عجزها عن تجديد نفسها، وضيق قاعدتها الشعبية في قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية، وفقدان جزء من سيطرتها في شمال الضفة وتمدد المقاومة المسلحة فيها، وتصاعد جرائم الاحتلال وعنف المستوطنين بدون كابح، وضعف قدرتها على حماية الشعب الفلسطيني الذي بات يرى في المقاومة نموذجاً للقيادة والتحرر من الاحتلال والضامن الوحيد لحماية أمن وحقوق الفلسطينيين ووقف الاستيطان، مما قد يزيد خشيتها من فكرة انتهاء دورها وتهميشها دولياً.
ولن يُعول كثيراً هنا على آراء أوساط صهيونية وغربية غير منسجمة مع صيغة «حل السلطة» أو انهيارها، لما قد تولده من إشكاليات كثيرة؛ إزاء الضغط الخدماتي والوظيفي، وتأمين مستلزمات التنسيق الأمني مع الاحتلال، وملاحقة عناصر المقاومة واستهداف بنيتها التحتية، طالما أن مأزق وجودها أكبر من غيابه.
ومن هنا، قد لا تمانع السلطة العودة لإدارة قطاع غزة وحكمه من جديد، كما فعلت بين عامي 1955 و2007، والتشديد على أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه هناك، لاسيما في مرحلة إعادة الإعمار، وفق رؤيتها للحفاظ على مصلحة الشعب الفلسطيني وحقن دمائه والسعي لتحقيق الأهداف سلمياً وعدم فصل القطاع عن الضفة، على أن يتم ذلك وفق مسار سياسي شامل، مثلما أكد الرئيس محمود عباس، وبتوافق وطني فلسطيني ودعم دولي، وبعد فترة لاحقة من انتهاء الحرب حتى لا تظهر وكأنها تعود على ظهر دبابة إسرائيلية، بينما غابت أثناء الحرب، فتزيد النقمة الشعبية عليها.
ولأن للحرب آثاراً كبيرة متوقعة على الديناميكيات المتطورة للتمثيل السياسي الفلسطيني، فبمقدور السلطة السعي لإظهار القيادة وتغيير الوضع الراهن الراكد منذ فترة طويلة، والدفع بشكل حقيقي نحو تقرير المصير الفلسطيني، بما يشمل إحياء منظمة التحرير المُهمشة، وضمان تمثيلها للكل الفلسطيني، ولربما الدعوة إلى تشكيل «حكومة أزمة» أو مجلس قيادة معني باتخاذ قرارات محورية بشأن مستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية، إزاء محاولات الاحتلال المستمرة لمحو الوجود الفلسطيني في الضفة وأجزاء واسعة من غزة، بعد فشل مخطط التهجير، وإما أن تلجأ السلطة للاستكانة للوضع الراهن والتضاد مع إفرازات الحرب، وفي أي من السيناريوهين؛ فإن المسار الذي تختاره السلطة سيحدد مستقبلها.