النمو الاقتصادي: رسائل ودلائل!

جاءت بيانات الحسابات القومية التي نشرتها دائرة الإحصاءات العامة قبل أيام، لتؤكد ما ذهبنا إليه في هذه الزاوية بتاريخ 13/6/2010 في المقال المعنون "النمو الاقتصادي: تسارع أم تباطؤ أم تراجع؟!".

اضافة اعلان

فقد بينت هذه الحسابات أن الاقتصاد الوطني ما يزال يمر في مرحلة من التباطؤ، إذ بلغ معدل النمو الاقتصادي، بالأسعار الثابتة، ما نسبته 2,03 % خلال الربع الأول من هذا العام بالمقارنة مع 3,64 % خلال الربع ذاته من العام 2009، ولم يسجل معدل النمو تغيرا يذكر مقارنة مع مستواه خلال الربع الأخير من العام السابق والذي بلغ 2 %.

إلى جانب ذلك، فقد قامت دائرة الإحصاءات بتعديل أرقام النمو السنوية والربعية للعام الماضي بعد أن تم اعتماد الأرقام النهائية للعام 2008. وقد نتج عن ذلك تخفيض أرقام النمو للعام 2009 كاملا، حسب بيانات إعادة التقدير، من 2,80 % إلى ما نسبته 2,33 % إضافة إلى تخفيض أرقام النمو للأرباع الثلاثة الأخيرة ورفع معدل النمو للربع الأول من العام المذكور.

ولا شك أن هذه النتائج تحمل في طياتها العديد من الدلائل والرسائل التي يمكن إيجاز أبرزها على النحو الآتي :

أولا: رغم استمرار حالة التباطؤ، فقد شهد الاقتصاد استقرارا في معدلات النمو المسجلة منذ الربع الثاني من العام الماضي، ولكن هذا الاستقرار جاء عند مستويات متواضعة لم تتجاوز، في المتوسط، ما نسبته 2 %، أي أنها كانت دون معدل النمو السكاني. وبالتالي يتوقع أن يكون نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بالأسعار الثابتة، قد شهد تراجعا طفيفا خلال هذه الفترة، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على معدل الفقر.

ثانيا: في الوقت الذي تتبع فيه الحكومة سياسة مالية متشددة في محاولة منها لضبط العجز المالي والحد من تنامي الدين العام، فإن على السلطة النقدية الاستمرار في سياستها التوسعية للحد من الآثار الانكماشية للسياسة المالية على جانبي العرض والطلب في الاقتصاد. أي أن السياسة النقدية باتت تتحمل العبء الأكبر لحماية الاقتصاد من الوقوع في شرك الركود. ونتوقع من البنك المركزي عدم الاستماع إلى الأصوات المنادية بعكس ذلك لانعدام حجتها وغياب منطقها!

ثالثا: لقد أثبتت الحكومة، بشكل عام، ودائرة الإحصاءات، بشكل خاص، مهنية وموضوعية عالية المستوى في عرضها للبيانات الاقتصادية، وتلافت بذلك الوقوع في مصيدة العجز الرابع، ونقصد بذلك عجز المصداقية، وتفوقت بامتياز على بعض المحللين الاقتصاديين الذين باتوا يستخدمون منهجية "سواليف الحصيدة" في تحليلهم للأداء الإقتصادي، ولا يميزون بين التحليل الواقعي، والتحليل العشوائي، والتحليل المتشائم!

رابعا: في حال استمرار ظاهرة التباطؤ الاقتصادي والخشية من تعمقها، وربما تحولها إلى ركود طفيف، فإن هناك احتمالا لتراجع الإيرادات المحلية، الأمر الذي سيؤدي إلى تضخم العجز المالي ودخول الموازنة في حلقة مفرغة. وبالتالي فإن على الحكومة أن تبذل المزيد من الجهود لتحسين كفاءة الإنفاق من جانب، وحشد المزيد من المساعدات من جانب آخر. ولا نعتقد أن فرض المزيد من الضرائب هو الحل المناسب في مثل هذه الظروف لأنه قد يؤدي إلى نتائج مالية واقتصادية عكسية في المستقبل القريب، ويزيد بالتالي من احتمالية الوقوع في الحلقة المفرغة السابق ذكرها!

[email protected]