ترهل جهود مكافحة الترهل..!!

لم يكد رئيس الوزراء يصرح ببيانه حول ضرورة الانتفاض على الترهل الإداري، حتى تسابق المسؤولون والوزراء على إطلاق التصريحات التي تستخدم العبارة ذاتها حتى في الحديث عن “خطط مكافحة الترهل الإداري ومحاسبة المترهلين”.اضافة اعلان
هكذا بدون مقدمات، تذكرت الحكومة أن ثمة فيروسا يستشري في الجهاز الإداري العام لا على صعيد “الكثرة التي تعيق الحركة” أو حتى المكاتب المنتفخة بالموظفين، والغرف الغارقة بالازدحام، بل في الأداء العام والإنتاجية ونسبة الإنجاز والعمل المتردية..
بعض البيانات المُصاغة على عجل كتلك التي أصدرتها بعض الوزارات ومنها الصحة بالغت في توضيح الخطط والأفكار الجاهزة لمكافحة الترهل أكثر من تبيانها لجوانب هذا الترهل، وذهبت الى التلويح بالمعاقبة قبل أن تعترف بحجم المشكلة التي يعاني منها جهازها الإداري والطبي والتمريضي.
الأزمة في نَفَس الموظف الحكومي..!!
ذلك النفَس، الذي أضحى جداراً عالياً يفصل بين الموظف بكل هيلمانه وعقده وإحساسه بالأهمية، وادعاءات الهيبة والجدية، ومشاكله مع غلاء المعيشة وتضاؤل الرواتب وهبوط القيمة الشرائية ونار الأسعار وزيادة متطلبات المعيشة وطلبات السيدة الأولى.. والأخيرة، وحاجات الأولاد ورسوم المدارس إن كانت خاصة أو حتى تكاليفها إن كانت حكومية.. وطموحاته بالدرجة والترفيع والزيادة.. وبين المواطن المسكين الساعي الى إنجاز مهمته، الحالم فقط.. بإنهاء معاملته بأقل الخسائر والمتاعب، وبأقل عدد من التوقيعات المنتشرة بين جنبات الوزارة أو الدائرة وبين طوابقها التي لا تحتوي الا على مصعد يتيم “لاستخدام الوزير والأمين العام”..
جدارٌ عازل، بات يفصل هذا الموظف بكل المسؤوليات الموكلة اليه والمواطن بكل آماله لإنجاز قضيته بأمان..
فكيف نقاوم الترهل بأدوات أكثر ترهلاً.. وبلجان لم تركن في حياتها الوظيفية الا الى الترهل كأداة لإصدار بياناتها الختامية وتقييماتها وتوصياتها.. ولعل لجان تطوير التعليم والمناهج والإدارة العامة وتقييم القدرات الشبابية ودراسة أوضاع المزارعين ولجان دراسة متطلبات الانتقال الى الحكومة الالكترونية واللجان الطبية للتحقيق في الأخطاء الطبية.. كلها وغيرها تشهد على آليات الترهل المترهلة..
أليس من الترهل الإداري، أن تقوم الحكومة بالإعلان عن وظائف لقيادات عليا للمؤسسات وتشكل اللجان وتضع المواصفات، فيما تضمر في نفسها الاسم الجاهز المُنتظر الذي ينطبق على المواصفات أكثر مما تنطبق هي عليه.. ثم يُعلنُ عن المرشحين وتجرى المقابلات.. وصاحبنا الذي في البال والنية مُبلغٌ بالوظيفة يستقبل المهنئين..
حدث هذا ويحدث حتى اللحظة التي أعقبت دعوة الرئيس للانتفاض على الترهل الإداري.. وكأن هذا لا ينطبق على ذاك..
في بيان “الصحة تنتفض على الترهل” تُصَوبُ التحذيرات بأن المواطن (خط أحمر) وعلى موظفي الوزارة استقبال المراجعين بشكل جيد، وخاصة اولئك القادمين من مناطق بعيدة ونائية.. محذرة من التقصير ومهددة بأقصى العقوبات.
أصبحنا ونحن أصحاب شعار (لاقيني ولا تغديني) بحاجة لبيان لنحسن استقبال الناس وخاصة “الآتين من مناطق بعيدة”، أليس هذا فهماً قاصراً لطبيعة المشكلة المتفاقمة منذ سنوات طويلة والتي أججت العلاقة بين المواطن والطبيب أو الممرض أو موظف الصحة، ما أدى الى تسجيل مئات حالات الاعتداء التي وصلت الى حد القتل.
هل المشكلة في الاستقبال الجيد، أو في تغيير جذري مطلوب في شخصية الموظف العام، ودوره ومسؤولياته وعلاقته بعمله؟
نسأل أصحاب الدعوة (المتأخرة) التي يبدو أنها لم تحدث الا بعد زيارة مفاجئة لجلالة الملك الى رئاسة الوزراء.. ونتذكر أن نسبة الإنتاجية للموظف الأردني تنخفض مقارنة مع الدول الأخرى بشكل لافت، وهو ما تربطه المنظمات الدولية بضعف برامج التدريب وتدني الرواتب ونُضيف عليه ضعف الرقابة وتراخي القوانين والتغاضي عن الأخطاء والواسطة و”قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق”..
الموظف في الأردن كما في بعض الدول العربية يتراوح معدل إنتاجه بين 18 و25 دقيقة يومياً.. يقضيها في جدل مع المواطن وحوارات مستمرة مع الزملاء.. وصحف وأحاديث في السياسة ومواقع الكترونية وتغييرات مرتقبة..
نشير هنا الى التجربة الرائدة للقضاء على الروتين في كل من دائرة الأحوال المدنية ودائرة الترخيص..!!