ما هو المستوى الآمن للدين العام؟

رغم أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تعتبر من أهم المؤشرات الاقتصادية، فإن الأدبيات الاقتصادية لا تتفق على نسبة معيارية يمكن استخدامها لتحديد المستوى الآمن لهذا الدين! وبالتالي فليس من السهولة بمكان القول بأن حجم الدين في فترة ما أصبح يشكل خطرا على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، أو أنها أصبحت على وشك الإفلاس!

اضافة اعلان

ففي الوقت الذي تشير فيه بعض الدراسات إلى أن النسبة الآمنة للدين العام إلى الناتج المحلي في الدول الناشئة تقدر بحوالي 35 %، وان هذه النسبة تتراجع لتصل إلى 15 % فقط إذا كان للدولة المعنية تاريخ في عدم القدرة على السداد أو في تسجيل معدلات تضخم عالية، فقد أشارت دراسات أخرى إلى أن هذه النسبة لا تعد مؤشراً كافياً وحدها.

إذ عجزت المكسيك عن سداد ديونها في عام 1982 وتسببت في إطلاق شرارة ما سميّ "بأزمة التكيلا"، أو أزمة المديونية في دول أميركا الجنوبية، في وقت لم تتجاوز فيه النسبة المذكورة في المكسيك 47 %. كما وقفت الأرجنتين عاجزة عن سداد ديونها في عام 2001 عندما كانت النسبة المذكورة بحدود 50 %! وليس هذا فحسب، بل تظهر البيانات التاريخية أن 16 % من حالات العجز عن السداد في الدول الناشئة خلال الفترة 1970-2008 كانت في دول تجاوزت فيها النسبة 100 %، في حين أن ما يقارب 52 % من هذه الحالات حدثت في دول كانت النسبة فيها أقل من 55 %!

وعلى النقيض من ذلك، نجد أن دولاً أخرى تسجل نسبة المديونية فيها معدلات مرتفعة ولكن اقتصاداتها ليست معرضة للانهيار، على الرغم من أن الأوساط الاقتصادية تنظر إليها بشيء من القلق! فعند كتابة هذا المقال كانت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في اليابان والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا 205 % و 92 % و 82 % و 81 %، على التوالي! أما اليونان، التي عانت مؤخرا من عدم القدرة على تسديد ديونها واضطر الاتحاد الأوروبي إلى إنقاذها من خلال تقديم المزيد من القروض، فتبلغ فيها هذه النسبة 128 %!

وبالتالي فإن هناك عوامل أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن المستوى الآمن للدين العام، يأتي في طليعتها هيكل الدين العام من حيث آجال الاستحقاق والعملة والمصدر، وحجم الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية، وهيكل المالية الحكومية، وقدرة الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، وحصافة الإدارة الحكومية، والقدرات المؤسسية للدوائر الاقتصادية ذات العلاقة، إلى جانب الشفافية في إعداد ونشر البيانات الاقتصادية لما لها من أثر على سلوكيات المسؤولين وقدرتهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب.

ومع ذلك فإن العديد من الدول اتجهت إلى تحديد نسبة معينة لا يجوز تجاوزها بهدف ضبط العجز وتحقيق الاستقرار المالي. فعلى سبيل المثال حددت اتفاقية ماستريخت هذه النسبة في دول الاتحاد الأوروبي عند
60 % وكذلك الحال في الأردن حسب قانون الدين العام لسنة 2008. ورغم ذلك فإن واقع الحال يشير إلى أن عددا من الدول الأوروبية قد تجاوز هذه النسبة نتيجة تبعات الأزمة المالية العالمية!

[email protected]