نبوءات العام الجديد

مع نهاية كل عام وبداية آخر، يطلع علينا العرافون بتوقعاتهم لجملة طويلة من الاحداث والوقائع، المقدر لها ان تقع في غضون اثني عشر شهراً لاحقاً، ولا يتورع بعض هؤلاء المدعين معرفة الغيب، عن تذكير المتلهفين لسماع كل ما يتعلق بمستقبل بلادهم، ويتصل بشؤونهم العامة والخاصة، بعدد من التنبؤات التي سبق ان المحوا اليها بصورة غامضة، ثم صدف ان تحقق شيء منها على هذا النحو او ذاك، ليعطوا انفسهم قدراً من الصدقية، ويمنحوا جمهورهم القلق نزراً يسيراً من الاطمئنان، خاصة اذا كان التطير من سوء الحال سيد الموقف بلا منازع.اضافة اعلان
وتتورط في بعض الاحيان مراكز ابحاث ودراسات، اكثر رصانة من مجتمع العرافين، في مثل هذه اللعبة الماكرة، حيث تقوم  تقديرات الخبراء والمختصين، المبنية على تجربة التحليل السياسي والاقتصادي المتراكمة، وعلى ادوات استشراف المستقبل في المدى المنظور، المعمول بها لدى دوائر البحث العلمي، على اسس اكثر موضوعية، ومقاربات لا تعوزها المعقولية، قياساً بما هو عليه الامر في عوالم المنجمين بالغيب، الا انها تظل مجرد افتراضات نظرية، لا تصح اذا ما تغيرت المعطيات القائمة في البيئة العامة، وهي معطيات متغيرة بطبيعة الحال.
ليس من الحصافة في شيء ان ينزلق الكاتب الجاد في أتون هذه اللعبة الماجنة، او ان ينساق وراء مثل هذه الغواية، التي تشتد عادة في رأس كل سنة، لا سيما وان مهمته استقراء الوقائع كما هي، وتحليل الموقف الراهن وفق ما يتجلى له في لحظة معينة، غير ان ذلك لا يمنع من القول؛ ان الكاتب المهموم بالمضارع والمستقبل القريب، لديه رؤية ما، ينبغي عليه الافصاح عنها، وعنده تقدير موقف متماسك ازاء ما قد تنجلي عنه الايام المقبلة من تطورات مرتقبة، استناداً الى الاتجاه العام والمنحى الاجمالي، الذي دارات عليه المجريات الاساسية السابقة.
من حسن الحظ ان ذاكرة الناس قصيرة، وانهم ينسون، او ربما يتناسون، ما قاله العرافون والمحللون لهم بالأمس غير البعيد، فتراهم يضربون صفحاً عن ما تناهى الى اسماعهم من كلام فارغ، ويتجاهلون ما حل بهم من خيبات امل كثيرة، كي يعودوا من جديد الى معاقرة الاوهام حتى الثمالة، لا سيما في ليلة رأس السنة، حيث ينخرط المترفون والمتعبون، الساهرون في الفنادق وحول شاشات التلفزيون، في ما نصرّ على تسميته بلعبة التنبؤات، التي آلت الى لعبة تجارية مجزية، تحقق الارباح لجهة، وتزجي الوقت، تكسر رتابة الزمن، وتشيع الفرح لجهة اخرى.
  قبل ان اكتب هذه المادة، التي درجت على كتابة شبيه لها في مطلع كل سنة، وجدت أن المخاطبين بهذه المناسبة السنوية، يعتقدون ان العام المنصرم كان اشد هولاً من العام السابق له، وان الايام التي ودعوها لتوهم كانت اثقل وطأة عليهم من كل ما مر بهم في السنوات الماضية، الا ان مراجعة المقالات المخصصة لهجاء ما عبرناه في زماننا هذا، كشفت لي انها كانت اعواماً متماثلة في بداياتها وفي نهاياتها الى ابعد الحدود، ولولا العيب، لنسخت مقالاً عن اي عام سابق، ووضعت له عنواناً جديداً، وزعمت انه قول جديد املته المناسبة، وذلك لشدة تطابق الايام الخوالي، وانتظام وقعها الرتيب، على الاقل في السنوات القيلة الماضية.
اذ على نحو ما انقضى عليه العام 2017 ، وهو عام عصيب بكل المعايير، وعلى كل المستويات، مرت الاعوام السابقة له بذات الدرجة من الآلام والمصاعب والشدائد، وبالقليل جداً من الافراح، فكلها كانت سنوات عجاف، تناسلت من بعضها بعضاً حروب وقلاقل واضطرابات، واحتدمت فيها النفوس بالغضب والقلق والالتياع، ذوت على اطلالها الآمال، وجاء في ركابها الموت الزؤام زرافات، وسقطت في غضونها معظم الرهانات، وفوق ذلك لم تضع أي من الحروب المشتعلة في العديد من البلدان العربية اوزارها بعد.
ختاماً، وكي ينأى المرء بنفسه عن مظنة الحسد، خصوصاً للذين احتفلوا بمقدم عام جديد، وللذين لم يعرفوا لاحتفالات رأس السنة طريقاً، نقول لهم جميعاً كل سنة وانتم طيبون، لا سيما المحرومون والمضيعون واللاجئون، هنا وفي كل بلاد العرب، عسى ان يكون عامنا هذا اقل عبوساً مما كان عليه في العام المنصرم.