هل تزدهر العربية؟

ثمة مسحة تشاؤمية تنتاب النخب المثقفة حينما تأتي سيرة مستقبل اللغة العربية، وسط تيارات التغريب الاجتماعي والسياسي والثقافي التي تجتاح المجتمعات العربية. وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، دعونا نقلب السؤال: هل ستزدهر "العربية" خلال العقود المقبلة، وهل أمامها فرص حقيقية للازدهار مرة أخرى؟ اضافة اعلان
من دون شك، فإن وضع اللغة العربية اليوم أفضل بمئات المرات من وضعها في القرن التاسع عشر. وهي بالتأكيد في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أفضل بكثير من عقود القرن العشرين.
يعد التحول العميق نحو اقتصاد المعرفة، ميدان المعركة الحضارية والتنموية العربية خلال ربع القرن المقبل. وهي المرحلة المنتظر أن تحسم قدرة المجتمعات العربية على تحديد مكانتها ومساهمتها الحضارية خلال هذا القرن. ولا شكّ في أن المعلوماتيّة القائمة على "الرقمنة" هي المدخل الملائم لهذا التحوّل. إن اللغة أحد أهم الجسور المتينة للعبور نحو التنمية والحداثة، بكل ما تحمله اللغة من مضامين اجتماعية وثقافية ذات قيمة مضافة للاقتصاد. ومن هنا، تبدو أهمية العناية بالمحتوى العربيّ الرقميّ الذي ما يزال يعاني ثنائية الوفرة والندرة؛ أي وفرة ما يمكن أن يكون، وندرة ما هو عليه فعلاً اليوم.
لقد شهد المحتوى الرقميّ العربيّ على شبكة الإنترنت، خلال آخر ثلاث سنوات، تحولات مفاجئة، أثبتت قدرة المجتمعات العربية على تجاوز الركود الحضاري، كما قدرة اللغة العربية على المواكبة. وهذه التحولات التي زادت عدد المستخدمين العرب للإنترنت، وزادت بالتالي حضور اللغة العربية على الشبكة، ما تزال أقل من المعدلات المفترضة؛ هذا إلى جانب الضعف الواضح في نوعية المحتوى العربي وما يعانيه من رداءة.
تعد "العربية" اللغة الرابعة أمميا في لغات الأمم المتحدة الست، منذ العام 1973. ويبلغ عدد المتحدثين بها أكثر من 420 مليون نسمة، يشكلون نحو 5 % من سكان العالم. إلا أن المحتوى العربي على الإنترنت ما يزال فقيرا، تراوح في العام 2011 ما بين 0.3 % و0.5 %؛ في حين كان مستخدمو الشبكة من العرب لا يتجاوزون 2.5 % من مجموع المستخدمين.
إلا أن اللغة العربية احتلت القمة بين اللغات على صعيد النمو على الإنترنت بين العامين 2000 و2011، وفق تقرير الملامح الإقليمية لمجتمع المعلومات الذي نشرته اللجنة الاقتصاديّة والاجتماعيّة لغرب آسيا (الإسكوا). إذ وصلت نسبة النمو خلال هذه الفترة 2510 %؛ بمعنى أن عدد مستخدمي اللغة العربية في الإنترنت نما بمعدل 25 ضعفا. وهذا نمو هائل إذا ما قورن باللغات الأخرى؛ إذ جاءت اللغة الروسية في الترتيب الثاني بنسبة نمو 1800 %، واللغة لصينية في الترتيب الثالث بنسبة نمو 1400 %.
هناك فرصة وهناك تحديات، أهمها الفجوة الكبيرة بين عدد المستخدمين العرب المتنامي خلال السنوات القليلة الماضية، وبين المحتوى الرقمي الذي ينمو ببطء، وكذلك ضعف جودة المحتوى الرقميّ العربيّ وتكراره وتشابهه، وضعف الدعم التكنولوجي في التطبيقات الرقميّة التي تدعم اللغة العربية. إضافة إلى انتشار ظاهرة "الفرانكو آراب"، وظاهرة "العربيزي" في المجتمعات العربية، وتحديدا لدى الشباب مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي؛ وتعني استخدام الحروف اللاتينية في كتابة الكلمات العربية في التواصل عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، والرسائل الشخصية عبر الموبايل. وقد ساهم بعض الشركات الكبرى في تعميق هذه الظاهرة؛ إذ بادرت كل من شركتي "مايكروسوفت" و"غوغل" إلى المساهمة في ذلك من خلال خدمات وتطبيقات تخدم هذه الاتجاهات.
أما الفرصة الرقمية التي تتوفر للغة العربية، فتبدو في النعمة الديمغرافية؛ أي التركيب السكاني للعالم العربي الأكثر شبابا، وهم بدورهم الأكثر استهلاكا وإنتاجا للمحتوى الرقمي باللغة العربية، إضافة إلى جاذبية التحول الديمقراطي والثقافي القائم على إنتاج واستهلاك المحتوى الرقمي وباللغة العربية، علاوة على جاذبية اللغة العربية أيضاً لدى شعوب العالم الأخرى خلال العقد الماضي، وتحديدا لدى الدبلوماسيين والإعلاميين والباحثين وغيرهم؛ إذ تضاعف الطلب على تعلم اللغة العربية نحو ست مرات عن السابق.
كل ذلك يدفعنا إلى القول إن "العربية" تزدهر. وهي ستزدهر أكثر كلما انفتحت على العالم، بعكس ما يتوقع البعض.