"فتيان السكري".. معاناة يضاعفها قصور البرامج العلاجية والتثقيفية

Untitled-1
Untitled-1

حنان الكسواني

عمان- لم يتردد العشريني علاء من حقن جسمه بحقنة أنسولين في حرم جامعته أمام زملائه رغم صرخاتهم وتأثرهم من مشهد الإبرة التي تسللت بثوان الى منطقة البطن وخرجت من جسمه مضمخة برائحة الفاكهة الذابلة.

اضافة اعلان


أصدقاء علاء يجهلون بأن هذه الابرة التي تزوده بأنسولين مرتين يوميا منذ أن وثق اصابته بسكري النوع الأول في عمر الثلاث سنوات، باتت رفيقة دربه التي تعايش معها وابعدت عنه شبح الموت من هبوط او ارتفاع مفاجئ بسكري الدم.


علاء والعشرات من امثاله ممن يمكن تسميتهم بـ"فتيان السكري" يجدون في حقن انفسهم أمام الجميع بلا تردد، الحل الامثل للسير قدما وتحطيم الصورة النمطية حول مرض السكري المزمن، وتذليل شعور الاختلاف عن الآخرين والتمييز المجتمعي الذي يمارس أحيانا ضدهم.


كنت أذهب بين محاضرة وأخرى الى دورة المياه في الكلية وأحيانا أتوارى خجلا عن الجميع لأخذ "حقنة الحياة" من مادة الانسولين أو لفحص نسبة السكري بدمي، لكن تفاجأت عندما اصبت بنوبة هبوط سكري في الجامعة قبل ان تسود حالة من الفوضى بين زملائي وصرخاتهم حول كيفية إنقاذي، تلك الصرخات التي ما تزال ترن في أذني.


هذه الحادثة المؤلمة التي كادت تودي بحياة الشابة سمر19 عاما دفعتها لأن تكسر حاجز الخجل وتبدأ بعملية (الوخز) في يدها بكل ثقة أمام الجميع ثلاث مرات في اليوم، فالاولوية بحسب قولها لصحتها وحياتها ومن ثم توعية وتثقيف صديقاتها حول مرض مزمن توقعت منظمة الصحة العالمية ان يكون السبب السابع للوفيات عالميا في العام 2030.


كسر حاجز "ثقافة العيب" رسالة يحاول فتيان وفتيات السكري أن يبثوها، في وقت تجمدت البرامج حول السكري منذ سنوات قبل انتشار وباء كورونا العالمي، فيما الجهات المعنية ما تزال منشغلة عن تنفيذ برامج توعوية عديدة للسكري بذريعة مواجهة الوباء.


كذلك، ما تزال جهود المجتمع المدني "مبعثرة " في توفير المستلزمات الطبية للسكري نوع الاول والدعم النفسي لفئات فتية ما يزال عددهم في الأردن "غير معروف"، بانتظار نشر تفاصيل احدث دراسة أعدتها الجمعية الأردنية للسكري لمن هم دون الـ18 عاما تحاول ان تحصي اعدادهم لتقيس المعرفة لديهم حول مرضهم.


دراسات وطنية، أكدت أن نسبة الإصابات بالسكري بلغت 46 % بين الأردنيين ممن تزيد أعمارهم على 25 عاما، بينما تصل الاصابة بالسمنة والوزن الزائد الى 78 %، أما الإصابة بالتوتر الشرياني (الضغط) فـ44 %، كما أن 50 % من الأردنيين لديهم مشكلات في الدهنيات.


وبلغة الأرقام، قدر رئيس المركز الوطني للسكري الدكتور كامل العجلوني في تصريحات صحفية سابقة، أن اعداد المصابين بالسكري في الأردن وصلت الى نحو مليوني شخص.


غالبا، يصيب مرض السكري (النوع الأول)، الأطفال والمراهقين، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و16 عامًا، إذ يُعد مرضا مزمنا، سيرافقهم مدى الحياة، وغالبًا ما يواجهون صعوبات للتعايش معه، بحسب رئيسة الجمعية الأردنية للسكري، الدكتورة نديمة شقم التي أكدت ان أغلب الشباب في المراحل الثانوية والجامعية ليس لديهم إمكانية مالية لشراء مستلزمات السكري او اجراء فحوص مخبرية تتعلق بالسكري وامراض أخرى في ظل غياب حقيقي لدور المراكز الصحية الحكومية لاجراء هذه الفحوصات الضرورية.


وبناء على ذلك، يتوجب ان يوفر النظام الصحي كافة الاحتياجات لمرضى السكري بما فيها الكشف المبكر والتوعية والعلاجات اللازمة للحد من مضاعفات المرض، لافتة الى ان 70 % من حالات ما قبل السكري قد تتطور الى إصابة سكري في وقت ما في الحياة.


وقالت شقم "من أولويات الجمعية العمل على توفير مادة الأنسولين، وشرائح القياس باستمرار، والمستلزمات الطبية الخاصة بالمرض، فضلًا عن تثقيفهم بحساب الكربوهيدرات في الجسم، وتحصين الأهالي بلقاح "كورونا" داعية الحكومة الالتفات الى فئة الفتيان على غرار تجربة اهتمامها بأطفال السكري".


"تعايشنا مع المرض ونعرف إدارة حياتنا ومع ذلك بحاجة لتثفيف مستمر واطلاعنا على احدث المستجدات العلمية التي نعجز الوصول اليها وفحوص دورية"، هكذا تعبر آلاء 17 عاما عن عضبها بكلمات مبعثرة متسائلة، "ماذا تعرف الجهات المعنية عنا بعد ان تحولنا من أطفال سكري الى يافعين؟".


وبمنظار منظمات اممية صحية يتم تصنيف كل من تحت 18 عاما انه تحت مظلة الطفولة، لكن الوضع في الأردن مختلف قليلا، فمجرد ان يصل مريض السكري الى عمر الـ14 عاما، يسحب منهم لقب الطفولة لتبدأ رحلة صعبة من توفير العلاج من أقلام الانسولين ومستلزمات فحص السكري، فضلا عن افتقار المستشفيات والمراكز الصحية الى مثقفين مدربين لمتابعة حالتهم الصحية وهذه المعاناة الحقيقية، بحسب والدة المريضة بالسكرية لانا ذات الـ17 عاما.


وتضيف ام لانا أن ذوي المرضى يعانون من كلفة علاج ابنائهم الباهظة، فهم بحاجة إلى شرائح الفحص باستمرار، فضلًا عن أن العامل الآخر المهم في ضبط السكر بالدم، هو نوع الأنسولين وكيفية إعطائه، فلكل مريض خصوصيته، ولا يصح علاج جميع المرضى بالأسلوب نفسه"، منتقدة سياسة الاعفاءات الحكومية لمرضى السكري الذين يعانون من انقطاع مستمر بتوفير أنواع الانسولين وشرائح الفحص.


وترى شقم، اختصاصية امراض السكري، أن مستقبل نجاح أي برامج وطنية لمرض السكري يعتمد على زيادة عدد المثقفين والمثقفات الصحيات في جميع مراكز وعيادات والمستشفيات بشقيها العام والخاص، حتى يقوموا بدورهم في تعليم وتثقيف مرضى السكري.


بالمقابل، يترتب على الأطباء واجب كبير في تثقيف وتعليم مرضاهم أيضا، وأن يعلموا أن عملهم لا يقتصر فقط على وصف العلاج للسكريين بل ان يقدموا منشورات علمية حول أسس التعليم والتثقيف الصحي بمرض السكري.


ودعت شقم الى أن يكون التثقيف الصحي لمرضى السكري متماثل في جميع القطاعات الصحية، بحيث يحصل المريض أو المريضة بالسكري على نفس المعلومات التي يحتاجها دون اختلاف من مركز الى اخر.


ويبقى ضعف الحملات التوعوية قائما، اذا لم تتكاتف جميع الجهات الرسمية والمجتمعية بالتصدي لمن يتاجرون بحياة الناس ويستغلون ضعفهم، بحسب رئيس نادي أطفال السكري سابقا في الجمعية الاردنية للعناية بالسكري الدكتور رشاد نصر الذي وصف التوعية "بخط الدفاع الاول".


حال فتيان السكري كحال أطفال السكريين، جميعهم يطالبون أن تصل رسالتهم إلى الجهات المعنية، لإدراج جهاز جديد، مجانًا، يخلصهم من تلك الإبر، التي نخرت أصابعهم، فيما شكلت حقن الأنسولين لوحات "مخيفة" رسمت على أجسادهم.

إقرأ المزيد :