ما الذي يصلح القطاع العام وينتشله من ترهله؟

1640449282390663900
1640449282390663900

عبدالله الربيحات

عمان - أكد خبراء إداريون، أن ما ينقصنا لإصلاح القطاع العام، هو الإرادة الحقيقية للحكومات الساعية لتحقيقه، وبالتي فإن المطلوب، استراتيجية واضحة ودقيقة، تنتشل القطاع العام من ترهله.

اضافة اعلان


وبينوا لـ"الغد"، ان اختيار القيادات الإدارية العليا، المسؤولة عن الاستراتيجية، يجب ان يجري بعلمية موضوعية، بعيدا عن التحيز والشخصنة، ولأفراد يتقنون الإدارة الحديثة، موضحين ان تطبيق القوانين والأنظمة على نحو عادل وموضوعي، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، وانتهاج المؤسسية، والاستمرارية بتطبيق الاستراتيجيات والسياسات والتشريعات، سيكفل تحقيق الإصلاح.


وقال رئيس ديوان الخدمة المدنية السابق ،هيثم حجازي، "كما هو معروف فقد قامت الحكومة بتشكيل لجنة في شهر نيسان من العام الحالي مهمتها "إصلاح" القطاع العام. واليوم تعلن الحكومة أيضا تشكيل لجنة جديدة مهمتها "تحديث" القطاع العام. فما الذي حصل وما السبب الذي يقف وراء الانتقال من "الإصلاح" إلى "التحديث"؟، علما أن لكل مصطلح من المصطلحين المذكورين دلالاته وموجباته.

وأضاف حجازي "كذلك، لم تعلن الحكومة حينما تم تشكيل اللجنة الأولى عن أسماء أعضاء تلك اللجنة، ولم تطلع الحكومة أحدا على النتائج التي توصلت إليها تلك اللجنة. فهل فشلت تلك اللجنة في الوصول إلى حلول من شأنها "إصلاح" القطاع العام؟ أم أنها حققت نتائج يجب أن لا يعلم بها تتطلب الانتقال الى مرحلة "تحديث" القطاع العام".

وبين:"فيما يتعلق بتشكيل اللجنة الجديدة ثمة أمور يجب التوقف عندها. فاللجنة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء. وهذا يستدعي التساؤل: طالما ان رئيس الوزراء هو رئيس اللجنة، فلمن سترفع اللجنة تقاريرها ونتائج عملها؟ لقد كان الأولى أن يترأس اللجنة شخص آخر غير الرئيس".


وقال:"واللافت في تشكيل هذه اللجنة أن عدد أعضاءها 12 عضوا بالإضافة الى رئيس الوزراء. وقد ورد في خبر تشكيلها أن أعضاءها هم من المسؤولين المختصين والخبراء ممن لديهم الخبرة والتجربة في الإدارة العامة، بالإضافة الى شخصيات من القطاع الخاص.ومع كل الاحترام لأعضاء اللجنة جميعهم ولشخوصهم الكريمة فإن الذين يمتلكون الخبرة والمعرفة العميقتين بأحوال القطاع العام هم 3 فقط (المدير التنفيذي لمركز الملك عبد الله الثاني للتميز، ورئيس ديوان الخدمة المدنية، وأمين عام ديوان الخدمة المدنية السابق) في حين ان الأعضاء الآخرين إما أنهم لم يسبق لهم العمل في القطاع الحكومي، أو إذا كانوا قد عملوا كوزراء فإن فترات خدمتهم كانت قصيرة جدا لا تساعد على التعرف على نقاط قوة هذا القطاع وضعفه، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ان هناك العديد ممن عملوا في القطاع العام لفترة طويلة ولديهم الخبرة والمعرفة الكافية بمشاكل هذا القطاع وهمومه كان يمكن الاستفادة منهم في هذه اللجنة. كما أن إدارة القطاع الخاص تختلف كثيرا عن إدارة القطاع العام، بالإضافة إلى عدم إمكانية تطبيق ممارسات إدارة القطاع الخاص على القطاع العام بسبب اختلاف أهداف كل من القطاعين".


وبين حجازي أن "المبالغة في الاعتقاد والتركيز على أن تطوير التشريعات، ودمج المؤسسات، والتركيز على أتمتة الخدمات الحكومية سيساعد على تحقيق الإصلاح المنشود أمر في غير مكانه الصحيح. فالغالبية العظمى من التشريعات المعمول بها تتصف بالجودة وتتماهى مع أفضل الممارسات العالمية، وعملية دمج المؤسسات المستقلة التي بدأت عام 2012 أثبتت فشلها وعدم جدواها بل أدت إلى زيادة النفقات، علما ان دول العالم أخذت بالتحول عن نمط المؤسسات الحكومية التقليدي (الوزارات) والتوجه نحو النمط الحديث المتمثل في (المؤسسات المستقلة) لما لها من أثر فاعل في تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، والتقليل من عدد الوزارات وخفض تكاليفها. كذلك، فقد استطاع القطاع العام في الأردن تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، وكان القدوة للقطاع العام في العديد من الدول العربية حينما كان يعمل بالطرق التقليدية وقبل ان تظهر للوجود حكاية التحول الرقمي".

وأوضح حجازي "ما ينقصنا لإصلاح القطاع العام هو وجود الإرادة الحقيقية للحكومات بتحقيق هذا الإصلاح، ولعل المطلوب لتحقيق هذا الإصلاح وجود استراتيجية شاملة للدولة الأردنية، ينبثق عنها استراتيجية واضحة ودقيقة للقطاع العام. وتأتي الخطوة التالية متمثلة في حُسن اختيار القيادات الإدارية العليا المسؤولة عن تنفيذ تلك الاستراتيجيات والتي يجب ان يتم اختيارها وفق أسس علمية موضوعية بعيدة عن التحيز والشخصنة، وممن يتقنون علم وفن الادارة.كذلك فإن تطبيق القوانين والأنظمة الموجودة بشكلها الصحيح وبعدالة وموضوعية، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، وانتهاج المؤسسية والاستمرارية في تطبيق الاستراتيجيات والسياسات والتشريعات جميعها أمور ستكون كفيلة بتحقيق الإصلاح المنشود".

وزير تطوير القطاع العام الأسبق الدكتور ماهر المدادحة، قال ان اللجنة مهمة للاصلاح، برغم تشكيل لجنه للهدف نفسه في نيسان (ابريل) الماضي، لكن الاهم هو توافر الارادة السياسية لإنجاز الاصلاح والتحديث الاداري، الذي بدأ الحديث عنه في نهاية التسعينيات وما يزال مستمرا، لكن دون إنجاز حقيقي.


وأضاف المدادحة، ان التحديث الاداري مهم لأسباب عدة، ابرزها ان الاصلاح الذي بدئ به لن ينجح، ما لم يشعر الناس بتحسن احوالهم المعيشية ومستوى خدمات الدولة كالتعليم والصحة والبنية التحتية وغيرها.


ولفت الى أن من الاسباب المهمة لإنجاز التحديث، ويتضمن شراكة مع القطاع الخاص، يكمن في قدرة الحكومة على توفير التمويل في ظل تزايد عجوزات الموازنة العامة، وتراجع امكانية تقديم الخدمات، لذا فهذه الشراكة مهمة لتوفيرها قدرة تمويلية وكفاءة ادارية لإنتاج السلع والخدمات.


مدير عام معهد الإدارة العامة السابق راضي العتوم، بين ان الحكومة اعتادت عند حلّ أي اشكالية او قضية، تشكيل لجنة، وهذا إيجابي اذا كان الموضوع قيد الإشكال بحاجة لتوافق آراء وقرارات مشتركة، وتشكيل لجنة من مستويات عُليا بهذا الحال يكون مُفيدا، وسلبيا، وهو أنّ تشكيل اللجان وطبيعة سير عملها يأخذ وقتا طويلا ليتمكن من تحليل ودراسة الموضوع قيد البحث، ويصعب عقد الاجتماعات وترتيبها للوصول لتفاهمات موضوعية.


وقال العتوم، إن تشكيل لجنة لتطوير وتحديث منظومة العمل العام، لا تكون بلجنة عُليا كهذه، فهذه القضايا بحاجة لخبراء ومختصي عمل عام، لهم تجارب في مؤسساته ليتمكنوا من تقديم مقترحات وتوجهات وآليات مفيدة، تخدم تطوير وتحديث سُبُل وآليات عمل القطاع العام.


وتساءل حول حاجتنا للتطوير، فلو كان الكل أدى واجباته في التحديث والتطوير، لما احتجنا للجنة اساسا، ولما كان هناك تراجع في الأداءالعام.


وبين العتوم ان هناك جوانب قصور في هكذا لجان، تتبلور بـ: تشكيل لجنة تقوم بمهام متعددة ومتباينة إلى حدّ معين، وهذه الموضوعات ستحتاج لـ3 لجان، لذا فهل الوزراء، أعضاء اللجنة، لديهم الوقت الكافي للاجتماعات والتحليل، وفهم الواقع والتشريعات، ومؤسسية العمل، والخدمات في آن واحد؟


ويرى أن ذلك غير ممكن، فبعض الأعضاء ليس لديهم أدنى خبرات في القطاع العام، وبعضهم الآخر سينظر من بُرج عاجي للعمل العام، وبالتالي، هناك قصور واضح في المعرفة بحيثيات العمل العام، فتشكيل لجنة عامة بهذا الحال، غير موضوعي، فأي التشريعات التي يجب إعادة النظر بها، وأي مؤسسات مستقلة او وزارات ينبغي إعادة ربطها او دمجها، وأي خدمات ينبغي هيكلتها وتطويرها، اذ ان هناك المئات من الخدمات العامة، وهل اللجنة تعي هذه الخدمات واجراءاتها ومواطن خللها، لتتمكن من تطويرها وتحديثها.

لا أحد يعرف في الادارة العامة أو يعتقد بذلك، فمن أين ستبدأ اللجنة أعمالها، وإذا بدأت بالتشريعات كأهمية حيوية، فمن اي تشريعات للقطاع العام بمكوناته ستبدأ؛ بالقوانين، أو بالأنظمة، أو بالتعليمات والمقررات؟ وهل ستبدأ بالحكومة المركزية، ام بالمؤسسات المستقلة، ام بالشركات المساهمة العامة.


وبأي الخدمات ستبدأ، وعلى ماذا ستطلع لخدمات 124 دائرة عامة، ان الأمر غاية في الضبابية، ما سيجعل من الخروج بنتائج عملية وفعّالة أمر صعب وغير كافٍ، ولا يتناسب وحجم المشكلة. هناك اهتمام واضح باشراك القطاع الخاص، وهذا مهم وواجب عام حيوي، لكن هل شراكة أعلى الهرم هو الصحيح، وهل يمكن الإفادة من تجربة بنكية قائمة على تعظيم ثروة المُلاك هو الأنسب؟


وبين العتوم، إن إشراك احد شركات التدقيق والرقابة المالية الأجنبية الذين يسمونهم الشركات الكبرى الأربعة (The Big 4)، هو حقيقة على دراية بالعمل العام من حيث التشريعات والمؤسسية والخدمات، لا اعتقد ابدا.


وقال إن "تجربتي لسنوات عديدة مع معظم تلك الشركات في دبي والرياض والأردن لا تبشّر بتفاؤل، فالاسم كبير، ومستوى التقديم المتخصص متواضع، كما أن مستوى معظم الذين يسمونهم خبراء، متواضعون كذلك، هذا فضلا عن بُعدهم عن طبيعة العمل العام.

فالتدقيق المالي والمحاسبي، وبعض الاستشارات، لا تعني قدرتهم على تطوير التشريعات، والعمل المؤسسي، وإجراءات الخدمات العامة على اتساع نطاق العمل المحدد للجنة.


وبين أن من نسّب لرئيس الوزراء بتشكيلها، هو ذاته بحاجة لأن يتعرّف أكثر على دوائر القطاع العام وأعمالها، وتشريعاتها.

إقرأ المزيد :