الانتخابات النيابية

تُجرى الانتخابات النيابية والبلدية في الأردن منذ أواخر القرن التاسع عشر، وأخذت بعدا مؤسسيا متواصلا منذ عام 1928، ولم تنقطع سوى في الفترة التي اعقبت عام 1967 ليعود مجلس النواب المنتخب للانعقاد عام 1984، ثم تواصلت الانتخابات النيابية بعد ذلك بلا انقطاع سوى توقف لمدة سنتين.

اضافة اعلان

على الرغم من ذلك فإن الانتخابات النيابية والبلدية لم تتحول بعد إلى تقليد راسخ ومرجعية ثابتة في السياسة والإدارة والتنمية ومازالت لا تساهم في تشكيل الحياة السياسية والاجتماعية والعامة إلا بنسبة محدودة، لا تغير كثيرا في تركيبة النخب السياسية والاجتماعية، ولا في صياغة السياسات العامة.

والجدل والتساؤل الدائر اليوم حول الانتخابات النيابية (لماذا نسيت الانتخابات البلدية؟) هل تُجرى في موعدها أم تؤجل، هل يُحل المجلس أم يبقى؟ هل يغير قانون الانتخاب أم يظل على حاله؟ هل ستبقى الدوائر الانتخابية كما في الانتخابات السابقة أم يعاد تنظيمها؟ هل ستكون انتخابات حرة ونزيهة أم موجهة وتخضع للتدخل؟ يعكس حالة الهشاشة والضحالة في الجدالات المتشكلة حول الانتخابات؟ فالانتخابات النيابية لا تساهم في صياغة المشهد السياسي ولا في تحديد وجهة السياسات المستقبلية وتشكيل الحكومات والقيادات إلا بمقدار هامش ضئيل لا يزيد عن المساحة التي تشكلها الاقتصاديات الهامشية مثل جمع وتسويق "العكوب" في الناتج المحلي.

إلى أي مدى يساهم البرلمان في تشكيل الحكومات وصعود القادة السياسيين والوزراء؟ ما فرصة المسؤولين من الوزراء ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات وكبار الموظفين ومديري الشركات ورجال الأعمال والتجار في النجاح في الانتخابات النيابية؟ لماذا لا تنتظم هذه الشبكة من النخب السياسية والاقتصادية في أحزاب سياسية تسعى للمشاركة في الانتخابات النيابية؟ لماذا لا يجد هؤلاء فرصتهم في تعزيز وجودهم في السلطة والنفوذ بتشكيل أحزاب سياسية والمشاركة في الانتخابات النيابية؟ وكيف يمكن للمواطنين اليوم التنافس والتطلع للتقدم في الحياة السياسية والمهنية والعامة؟ وإلى أي درجة تساهم الانتخابات في هذا التنافس وهذه الطموحات؟

هذا الخواء السياسي محير يحتاج إلى توقف طويل، فهو ليس بنيويا راسخا، ولا يشكل جزءا من التركيبة الجينية والفطرية في المجتمع بدليل الحياة السياسية التي تشكلت في أواسط الخمسينيات وبين عامي 1989 – 1993، ولم تكن مشكلة هذه الديمقراطية، كما يبدو للوهلة الأولى، في صعود تأثير التيارات السياسية القومية واليسارية ثم الإسلامية، لأنه لا يمكن تصور حياة سياسية قائمة على التنافس والمشاركة والتداول إلا بوجود كتل سياسية متنافسة، بعضها يشكل الحكومة وبعضها يكون معارضة، وسيكون تضليلا كبيرا تبرير هذا الخواء بالخوف من المعارضة اليسارية أو الإسلامية، فلم تكن نهاية العالم والمصالح الأميركية والرأسمالية والأوضاع السياسية والوطنية وصول اليساريين إلى الحكم في أميركا اللاتينية ولا وصول الإسلاميين إلى الحكم في تركيا والعراق وأفغانستان والسودان وإيران. وما يقلق النخب العسكرية والسياسية العلمانية في تركيا هو تلك العقود التجارية والعطاءات والتوريدات المحالة إلى شركات يملكها الجنرالات والسياسيون وشركاؤهم والتي تحصل على إيرادات وأرباح سهلة بالمليارات، وما يسمى الصراع الإسلامي العلماني في تركيا لا يعكس سوى القلق على شبكة المصالح المتراكمة من الإيرادات والوظائف والتسهيلات والابتعاث، ولا علاقة للحجاب به إلا بمقدار العلاقة بين الجهات الأربع والفصول الأربعة، فكيف يفسر هذا الرفض الهستيري لوجود مروة قاوقجي في البرلمان لأنها محجبة ثم تعين أستاذة لتدريس السياسة العامة في جامعة هارفارد؟

وحتى نضع المسألة في السياق الصحيح للجدل حول الانتخابات النيابية فإن المعيار الحقيقي للديمقراطية والانتخابات بمقدار مساهمتها في توزيع الفرص والموارد وإدارة التنافس السياسي والاقتصادي والمهني بين المواطنين وبمقدار تأثيرها على تشكيل النخب والوظائف وتوزيع الموارد والضرائب واتجاهات الانفاق العام والرعاية الصحية والاجتماعية وبغير ذلك فإنها لا تختلف عن هواية جمع الطوابع. 

[email protected]