الشخصية العفوية: كتاب مفتوح يربك من حوله أحيانا

الشخصية العفوية نتاجا لأسرة ضعيفة الاحتكاك الاجتماعي بالآخرين - (أرشيفية)
الشخصية العفوية نتاجا لأسرة ضعيفة الاحتكاك الاجتماعي بالآخرين - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان- يرى الموظف مراد العلاونة أن الإنسان العفوي لا يأبه بأحد، فهو يسبب الكثير من المشكلات والإحراج للآخرين، مؤكدا أن هذه الشخصيات تتعامل مع الأمور بلا مبالاة، حتى وإن كانت حساسة.
ويذهب إلى أن الإنسان العفوي يمتاز بطيبته الزائدة عن الحد، ولذا فقد يسهل خداعه والتغرير به، ويجعله عرضة للاستهزاء من قبل الآخرين.
العلاونة يقول ذلك بناء على تجربة له مع أحد الأصدقاء في العمل، الذي يمتاز بعفويته المزعجة، خصوصا في نقل الحديث بين الزملاء في العمل وأحيان يكون بطريقة خاطئة، وجراء مواقف عدة تعلم العلاونة أن يحسب حسابات كثيرة قبل الحديث أمام أي شخص عفوي.
وتوضح أميرة خالد (32 عاما) أن الإنسان العفوي يقوم بتصرفاته بكل تلقائية، ويتحدث في كل الأمور بنية صافية، بغض النظر عن المكان والزمان، وبدون أن يتعمد إيذاء الآخرين أو الإساءة إليهم، لأنه يتصرف قبل أن يفكر، ويسبق لسانه عقله.
وتضرب مثالا على الشخصية العفوية، إذ تقول “جدتي إنسانة عفوية جدا، لا تنتظر أن يستدرجها أحد بالحديث بل تبادر هي بالبوح بكل شيء، لا تحسب حسابا لكلامها أو تصرفاتها، فتسرد كل المواقف التي تحدث مع أفراد العائلة على الملأ، غير مدركة أن ذلك قد يسبب الضيق والانزعاج لهم، لدرجة أن ابنها اضطر لأن يقول لها يوماً أنه سيتوقف عن إخبارها بأمور كثيرة حتى لا تخبر الآخرين بها، فهذا الأمر يعرضه للإحراج ويشعره بأن خصوصيته انتهكت”.
وأكدت أميرة أنها في حياتها تتجنب التعامل مع الإنسان العفوي لأنه لن يفيد، والأفضل تجنبه وعدم البوح له بالأسرار، لأنه حتماً سيفشيها بسهولة وفي أقرب فرصة.
مواقف كثيرة وغالبيتها محرجة يعرضنا إليها الشخص العفوي، فهو كالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أي مكان وفي أي لحظة، لتسبب الكثير من الإحراج والمشكلات، أو المواقف المضحكة.
وتتباين آراء الناس حول الشخصية العفوية، فمنهم من يتخوف منها، كونه يفتح الباب على مصراعيه لتصبح حياته وحياة المقربين منه كتابا مفتوحا للجميع، ومنهم من يراه عملة نادرة في زمن ساد فيه التصنع والتكلف، ومنهم من يراه طيباً وصاحب فطرة سليمة ونية صافية، ومنهم من يربطه بالسذاجة.
الإختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد أن الشخصية العفوية نتاج لأسرة ضعيفة الاحتكاك الاجتماعي بالآخرين، متقطعة العلاقات ومنطوية، مما يولد لدى الفرد العفوي تلقائية الخبرة، التي لم يكتسبها بقدر ما استمرت معه عفويته التى تشكل لديه العديد من العوائق والمشكلات.
كما يرى أن العفوية تنبع من داخل الشخص ولا يمكن التظاهر بها، ويقول، “الإنسان العفوي هو الصريح، الذي لا يخدع الآخرين ولا يجاملهم، بل يتحدث بكل بساطة وصدق”.
ويصنف العفوية إلى نوعين؛ مقبولة ومرفوضة، وعنهما يقول، “المقبولة هي التي يتميز صاحبها بنيته الصافية وتصرفاته العفوية التي لا تتجاوز الحدود، أما المرفوضة فهي التي تصل إلى السذاجة ويتجاوز صاحبها الحدود، ورغم أنه لا يتعمد ذلك”.
وتعتقد الطالبة الجامعية مها الترك أن العفوية أجمل شيء في الحياة، التي تعلمت العفوية من والدتها،  وتقول، أحب الإنسان العفوي، واعتبر والدتي مثالا للعفوية، وعفويتها جعلتها تدخل قلوب الناس بسرعة، فالعفوي لا نفاق أو كذبا في حياته، ويكسب حب الآخرين أكثر من الشخص الغامض الذي يتصنع بكلامه وتصرفاته.
أما الأربعيني علي الزامل فيستبعد وجود شخص عفوي الآن مع طغيان المصالح على كل شيء،  مؤكدا أن الناس غالبا ما يربطون العفوي بالسذاجة، لأنه في زمننا لا ينفع التعامل مع الآخرين بعفوية، ولا يتجنب التعامل الإنسان العفوي، ولكنه يحتاط من الحديث أمامه عن أمور قد يفشيها أو يبوح بها للآخرين لطبيعته العفوية.
يلفت استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان إلى أن التعامل مع الآخرين فن، وهو يتأتى من خلال التعامل والتجربة والإطلاع والتدرب وحسن السريرة، وكلما كانت تجربة الإنسان أكبر ولديه قدرة على فهم نفسية الآخرين، كانت قدرته أكبر على حسن التعامل.
ومن هؤلاء الأشخاص من يوصفون بالعفوية في التعامل أو البساطة، وهي قد تكون مقبولة شريطة أن لا تسيء إلى الآخر أو تتدخل في خصوصياته أو تسبب له الإحراج، وفق سرحان، أما إذا تجاوزت ذلك إلى الإساءة والتدخل بالخصوصات، فإن ذلك لن يكون مقبولا حتى لو كان صاحبها يتصرف عن حسن نية أو بساطة.
ومن أسس النجاح في التعامل مع الآخر، كما يقول سرحان، هو طريقة التعامل وانتقاء الألفاظ والكلمات والتعابير واختيار الوقت المناسب للحديث، وتقدير عمر المخاطب، وموقعه الإجتماعي، فما يصلح للكبير ليس بالضرورة أن يكون مناسبا للصغير، وما يتكلم به وقت الفرح لا يتناسب ووقت الحزن، وما يتحدث به على انفراد مختلف عما يمكن قوله أمام الناس.

اضافة اعلان

[email protected]