تعنيف الزوجة نفسيا.. إساءات "تتكرر" يفاقمها غياب السند الأسري

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- غياب السند الأسري في ظل ظروف عائلية صعبة وأسرة ممتدة ترفض فكرة الطلاق؛ تعيش كثير من النساء "أسيرات" داخل بيوتهن يعانين العنف النفسي والجسدي خلف أبواب مغلقة.اضافة اعلان
عنف من نوع آخر تعانيه سناء خالد (اسم مستعار)، فعدا عن ضربات تتلقاها على جسدها ولكمات على وجهها؛ تعيش مزيجا من مشاعر القهر والظلم والأذى النفسي الذي خلفته إهانات متكررة وألفاظ مسيئة، يوجهها زوجها طوال الوقت.
صمت ودموع وعزلة، أغرقت سناء في حزن وكآبة، لتعاني وحدها عنفا نفسيا موجعا لا تبوح به لأحد.
وتقول سناء؛ "ماعندي حدا أروح عنده وأهلي آخر ناس ممكن الجأ الهم"، فالطلاق مرفوض والعودة إلى منزل والدها برفقة أبنائها أيضا مرفوض، فتبقى أمام خيارين أحلاهما مر إما أن تبقى مع زوجها تعاني ما تعانيه بصمت وإما أن تخسر أبناءها وتذهب إلى بيت أهلها.
هذه الحقيقة التي لطالما حاولت سناء إخفاءها أو مواراتها كان يراها زوجها بعينيها في كل مرة يستقصد إهانتها، فيزيد عنفا واستقواء وإهانة ويمطر عليها وابلا من الشتائم موقنا بداخله أنها ستأخذ "جرعة العنف" بصمت ومن دون حتى أن تعترض.
إهانات متكررة وتقليل من الشأن وقهر نفسي لم تكن تملك سناء اتجاهه سوى الدموع ومزيدا من التشبث بأطفالها.
تهديد بالزواج الثاني ووعيد بحرمانها من أطفالها ومقارنات بنساء أخريات، وشتائم وتحقير لا ينتهيان، هو ما تواجهه انتصار (اسم مستعار) بشكل يومي من زوجها أمام أطفالها الأربعة.
"والله وجع القلب كبير"، هكذا تقول انتصار، ففي كل مرة يهدد زوجها المعنف بأنها ستترك البيت وأنها لم تعد قادرة على العيش معه، كان يذكرها بأنها في اللحظة التي تمسك بها مقبض الباب وتخرج من المنزل ستنسى أن لها ابناء وستحرم منهم للأبد، فتصمت وتقبل بالواقع.
في حين لم يسعف قانون حماية الأسرة أشجان تيسير (اسم مستعار)، التي توجهت له بعد سنوات من التعنيف النفسي والإهانات المتكررة والقهر الذي لم ينته وتمادي زوجها عليها بالشتائم التي وصلت إلى وصفها بصفات مهينة ونابية ومعيبة بحسب قولها.
وفي تفاصيل لجوئها إلى مركز حماية الأسرة تروي أشجان لـ "الغد" أنها وفي إحدى الأيام التي تمادى فيها زوجها في الشتائم والتحقير ونعتها بصفات لم تكن تتخيل أن يصفها بها أحد توجهت بعد خروجها من المنزل إلى مركز حماية الأسرة لتقدم شكوى رسمية ضد زوجها الذي يتسبب لها بألم نفسي كبير ويشتمها باستمرار وما كان من المسؤولين، رفض التحرك بهذه الدعوى ما لم يكن هناك تقرير طبي يثبت تعرضها للعنف.
وتقول "بدأت بالبكاء وقلت لهم كيف يمكن أن تثبت الشتائم والإهانات والتحقير بالتقرير الطبي"، ليردوا عليها آسفين هذا القانون.
وفي ذلك الشأن يطالب المحامي الشرعي والناشط في حقوق المرأة الدكتور عاكف معايطة توسيع عمل إدارة حماية الأسرة وأن يصل عملها إلى فئات أوسع مما هو الحال عليه، وأن تتحرك بشكل فوري لأي حالة عنف أسري.
ويقول المعايطة؛ ما يزال هناك ضعف في قانون الحماية من العنف رغم كل التشريعات التي يتم يقوم بها القانونيون ومحاولة تغيير الثقافة المجتمعية، إلا أن العنف مايزال يمارس على النساء بكافة أشكاله.
ويضيف "عملنا على الكثير من القوانين والمقترحات"، مؤكدا على ضرورة أن يكون دور إدارة حماية الأسرة بمعالجة الخلل قبل وقوعه من دون انتظار تقرير طبي.
ويؤكد معايطة على أن العنف النفسي من إساءات وألفاظ تقع على مسامع الكثير من النساء من أسوأ أنواع العنف وهو أكثر إيلاما ولا يمكن إثباته بالتقارير الطبية ويتطلب احضار شهود.
ورغم الجهود التي تقوم بها وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والناشطون والحقوقيون بحسب معايطة، إلا أن العنف غير الملموس لا يمكن إثباته، وبالتالي لا بد من تعديل القوانين بشكل جدي وهو أمر بيد إدارة حماية الأسرة بأن توسع التحقيق والتركيز على الحالات التي يوجد فيها عنف نفسي وإيذاء.
ويبين معايطة ان هنالك غيابا لمراكز الدعم النفسي والاجتماعي المجانية والتي تساعد النساء اللواتي تعرضن لإيذاء نفسي حتى دور الإيواء تستضيف النساء المعنفات لفترة قصيرة وبعد دراسة مطولة للحالة.
ويشدد معايطة بدوره على ضرورة تغيير آليات الإثبات التي تساهم في حل مشاكل العنف الأسري أو العنف الموجه ضد المرأة والتوسع في التحقق من الجانب الاجتماعي والنفسي مع الإرشاد والتوجيه ليكون هناك تغيير حقيقي.
خلاف ذلك، يلفت معايطة إلى أن العنف النفسي في كثير من الأحيان ينعكس على سلوكيات المرأة في تربية أبنائها وعلاقاتها الاجتماعية وقد يدخلها في حالة من الاكتئاب التي قد تنتهي بالانتحار نتيجة تراكم الأذى واستمراره لفترات الطويلة.
وتأتي حملة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة في مثل هذا الوقت من كل عام بحسب معايطة لمناقشة قضية العنف الأسري والعنف ضد المرأة بكافة أشكاله وتكشف الستار عن الانتهاكات والتجاوزات، وهذا كله دليل على وجود ضعف في القوانين التي تحمي النساء من كل أنواع العنف فما يزال هناك قتل واعتداء وتحرش وعنف يمارس على النساء في كل مكان.
وكانت وزارة التنمية الاجتماعية، في العام الماضي، قد تعاملت مع 10375 حالة عنف أسري، منها5776 سيدة، من خلال مكاتب الخدمة الاجتماعية البالغ عددها 18.
وأظهرت الدراسة التي صدرت بعنوان "نتائج تحليل بيانات مكاتب الخدمة الاجتماعية"، تفاوتا في عدد الحالات خلال عام 2020 فكانت أكثر الحالات المسجلة في شهر حزيران (يونيو)، بواقع 1160 حالة، وأقلها في شهر نيسان (أبريل) بواقع 319 حالة.
وبينت أن "أكثر حالات العنف الجسدي، والعنف النفسي كان المتسبب فيها الزوج بنسبة 64.4 % من مجموع حالات العنف الجسدي، 45 % من مجموع حالات العنف النفسي".
وأضافت أن "أكثر حالات العنف الجنسي كان المتسبب فيها من خارج الأسرة بنسبة 83.5 % من مجموع حالات العنف الجنسي، أما فيما يتعلق بالإهمال، فكانت الأم المتسبب الأكبر فيه بنسبة 34.4 % من مجموع حالات الإهمال".
من جهتها تشير الباحثة الاجتماعية والاختصاصية النفسية الدكتورة جميلة العلاونة أن العنف النفسي منأخطر أنواع العنف الذي يمارس على المرأة من قبل الزوج أو الأخ أو الأب وتواجهه في كثير من الأحيان بصمت وله مخاطر كبيرة عليها في الجانب النفسي والاجتماعي والسلوكي.
الأصل بالمرأة بأنها عامود البيت واللبنة الأساسية للأسرة، بحسب العلاونة وتعرضها للعنف النفسي يولد لديها خوف كبير، وتصبح غير قادرة على ضبط إنفعالاتها ويؤدي ذلك إلى تدني مستوى الذات لديها وتعيش العزلة محيطها الاجتماعي.
ويولد العنف النفسي الذي يمارسه الزوج على زوجته شعورا بالذنب، فالمرأة لديها كبرياء وعزة نفس ولاتستطيع البوح بما تتعرض له من إهانة وتحقير وتكون محرجة من نفسها من مستوى الإهانة التي تتعرضلها فتشعر بالوحدة والتوتر والقلق من أن يعرف أحد.
وتضيف العلاونة "العنف النفسي يغيب لدى النساء الشعور بالإستقرار النفسي والإطمئنان وهو أكثر ماتحتاجه المرأة في حياتها"، لافتة إلى أن الصحة النفسية من أهم مقومات الحياة الطبيعية.
وتنوه أن غياب الصحة النفسية والاضطراب والخوف من المستقبل يؤثر على قرارات المرأة وتفقد رغبتها في الحياة، فضلا عن الأمراض العضوية الناجمه عن الضغط النفسي.
وتبين العلاونة ومن خلال عملها في المجتمعات الفقيرة لاحظت تعرض نساء لعنف نفسي تسبب ذلك في دخولهن حالة من الاكتئاب والتفكير في الانتحار للتخلص من الذل والإهانة والضغط النفسي الذي يتعرضن له كشرب مواد التنظيف وغيرها من الأساليب لإنهاء حياتها.
من جانب آخر، فإن رفض كثير من النساء المعنفات نفسيا البوح بما يتعرضن له، بحسب العلاونة يدفعهن إلى الهروب من الواقع من خلال الإدمان على الكحول أو العقاقير، ويأتي ذلك في ظل غياب ثقافة الدعم النفسي في المجتمع فيبقى الأثر طويلا.
وتؤكد العلاونة أن إنكسار الزوجة يبدأ من غياب عائلة مساندة وداعمة، وبفقدان زوج يفترض ان يكون الملاذ الآمن والسند والرفيق بالنسبة لها.