"جهاد": طالبة غزية متفوقة يتهدد الفقر طموحاتها

منزل عائلة الطالبة جهاد في الرصيفة-(تصوير: ساهر قدارة)
منزل عائلة الطالبة جهاد في الرصيفة-(تصوير: ساهر قدارة)

حنان الكسواني

عمان- رغم المعاناة وأجواء الفقر والحرمان التي تعيشها الطالبة الغزية جهاد، فإنها تصر على إكمال مسيرتها التعليمية بتفوق ونجاح، حيث تنظر تارة بحسرة وقهر إلى والدها العاجز، وتارة أخرى إلى إخوانها الثمانية الصغار، فتستمد منهم القوة والعزيمة لتكافح ظروفها المعيشية القاسية.اضافة اعلان
تجلس العشرينية جهاد على مقعدها الدراسي في كلية العلوم التربوية والآداب (ناعور) التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" أونــروا"، وحلمها بالتخرج من الكلية يتصاعد عاليا، آملة أن تنضم إلى صفوف المعلمين في مدارس خاصة؛ لأن شروط التعيين في السلك التعليمي الحكومي يستثني كل من لا يحمل الرقم الوطني.
"بدي أنشل أسرتي من الفقر، وشهادتي مصدر كنزي".. بهذه الكلمات العفوية رسمت الطالبة جهاد -وهي اكبر أخواتها - طريق مستقبلها، لكن حديثها لـ"الغد" كان مثقلًا بغصة وحسرة، وبالكاد كانت ترتب كلماتها لتعبر عن احتياجاتها الخاصة.
وتضيف جهاد: "لم أخجل يوما من فقري وجوعي لأنهما مخفيان، لكن ملابسي الرثة أمام زميلاتي تجعلني أخجل أحيانا".
وتحاول جهاد (اسم مستعار) التي تقطن مدينة الرصيفة، أن تلملم قطع ملابسها من "البالات" لعلها تظهر بمظهر لائق "مستور" يتماشى مع ثقافة مجتمعية تصنف أحيانا الطلبة الجامعيين بنا على مظهرهم الخارجي، وفق قولها.
كما تحب أن تحمل حقيبة بيدها تحتوي على مصروفها اليومي، وباليد الثانية جهاز "لابتوب" تبحث فيه عن المعرفة، وتغذي أفكارها وتلبي تكليفات أساتذتها بإنجاز أوراقها العلمية، وصولا الى مشروعها بالتخرج، وتحمّل صورتها على سيرتها الذاتية بـ"روب" التخرج الأسود لعلها تجد من يوظفها.
وكلما رغبت جهاد بالدراسة في منزلها المكون من غرفتين، يلتف إخوتها حولها طمعا بعلمها وحنانها عليهم، فهي تسند أمهم المريضة، وما إن تنتهي من مهامها المنزلية حتى ينال منها التعب فتستسلم للنوم رغما عنها.
وتنتهز الطالبة جهاد رحلتها الطويلة المتعبة جسديا ونفسيا في وسائل النقل العامة من الرصيفة الى ناعور لتقلب أوراق دفاترها، وتستغل فرصة الهدوء في مكتبة الكلية لتدرس بجدية في كتبها، وما أملاه عليها أساتذتها من معلومات تربوية حتى تحافظ على تفوقها الأكاديمي.
وفي كلتا الحالتين، سواء كانت أجواء دراستها في الباصات أو المكتبة أو حتى بين المحاضرات، فهي تطارد الوقت لإنجاز مهامها في وضح النهار، لأن انقطاع الكهرباء ليلا عن منزلها بسبب تراكم الفواتير يترصدها باستمرار، فقد اعتادت أسرتها على مسلسل انقطاع الكهرباء والمياه منذ سنوات.
"من قال إنني لا أجهش بالبكاء؟" تتساءل جهاد، وتضيف: "كلما اقتربت من جيب والدي العاجز حتى أحصل على مصروفي اليومي أجدها مثقوبة، وإذا رغبت بأن أعمل لي "ساندويش" للجامعة ولإخوتي قبل أن يتوجهوا الى مدارسهم أجد الثلاجة فارغة إلا من ربطة خبز وبعض بقايا طعام قديمة.
ويحاول والد جهاد الأربعيني أن يعمل بالمياومة رغم إصابته بجلطات دماغية متكررة وتصلب في الشرايين، حتى بلغت نسبة العجز الجسدي لديه 80 %، بحسب تقاريره الطبية الحكومية.
هي أحلام بسيطة تحملها الطالبة "الغزية" المتفوقة التي تتمتع بذكاء اجتماعي وإدارة تفاصيل حياة أسرتها وحدها: مصروف يومي، كسوة جديدة لها ولإخوتها، وجهاز كمبيوتر"لاب توب" يساعدها في تحقيق مشوارها الأكاديمي لتنتشل أسرتها من براثن الفقر.