خبراء: تكرار الأحداث للجرائم مرده ضعف البرامج الإصلاحية

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- يبدو أن تكرار الحدث جرائم يرتكبها بعد خروجه من دار الرعاية، يطرح تساؤلا مهما عن ماهية البرامج الإصلاحية والحقيقية التي تقدم فعلا والتي يفترض أن تحميه من تكرار الأفعال التي يقوم بها وليس القيام بها مجددا.اضافة اعلان
غير أن الأرقام الصادمة عن أعداد اليافعين ممن يكررون جرائمهم، تؤشر ربما على "تقصير" واضح بالبرامج التأهيلية والنفسية والتوعوية وحتى التعليمية والتي يمكن أن تكون رادعا للأحداث وحماية لهم بالمستقبل.
خبراء أجمعوا على أن هنالك غيابا في برامج الإصلاح والتدريب والمتابعة النفسية والاجتماعية التي يفترض أن تراعي الأطفال الذين في نزاع من القانون في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، والسبب وراء تكرار أحداث جرائمهم، معتبرين هذه المؤسسات تغيب عنها منظومة الرعاية اللاحقة "ما بعد الإفراج" ويترك الأحداث لإصلاح أنفسهم بمفردهم.
غير أن وزارة "التنمية" تؤكد توفير برامج رعاية لاحقة للأحداث بعد الإفراج عنهم ودخلت حيز التنفيذ مطلع العام الحالي، وأن ما يقدم بدور الأحداث كاف، والدليل هو ثبات نسبة التكرار خلال الأعوام السابقة، ولكن الخلل في أسر الأحداث المكررين بالدرجة الأولى.
وجود برامج إصلاح حقيقية أمر في غاية الأهمية، بحسب أخصائي علم الاجتماع عميد كلية الأميرة رحمة الدكتور حسين الخزاعي، خصوصا بالنسبة للأحداث الذين لا يملكون أي مهارات سابقة، فيعودون مرة أخرى لمراكز التربية والتأهيل.
انسحاب معظم الأحداث من المدارس وانقطاعهم عن الدراسة يزيدان من ضرورة وجود برامج إصلاح فعالة لتطوير مهاراتهم الحياتية؛ إذ يشدد الخزاعي على ضرورة أن تشمل هذه الجوانب المهنية، النفسية والتفاعلية مع المجتمع.
ويرى الخزاعي أن الأرقام والإحصائيات الرسمية الصادمة التي تتعلق بجرائم ارتكبها هؤلاء الأحداث هي دليل على أنها جرائم مجتمع وليست أسرة فقط، ومثل هؤلاء الأطفال بحاجة إلى رعاية.
ويبين الخزاعي لـ"الغد" أن وجود فئة من الأحداث ممن آباؤهم وأمهاتهم بالسجون وبلا رعاية، ولا يوجد مكان لديهم للذهاب إليه سوى السجون، يدفعهم لتكرار جرائمهم، معتبرهم "مجرمين هواة" سيتحولون لمحترفين إن لم يتم تأهيلهم. ويشير إلى أن 40 % منهم يعودون إلى ارتكاب الجرائم، لاسيما وأن بعضهم يعاني من مشاكل أسرية كالتفكك الناجم عن الطلاق أو وفاة أحد الأبوين، كذلك رفاق السوء.
وبدوره، يؤكد الخبير في حقوق الطفل الدكتور هاني جهشان، غياب البرامج الفعالة في مؤسسات الرعاية الاجتماعية لمحاربة الثقافة الاجتماعية السلبية السائدة، والتي تعظم العنف وتربطه بالرجولة، وما يرافق ذلك من إخفاق في الترويج لمبادئ التسامح والحوار واحترام الآخر.
ويذهب جهشان إلى أن شيوع الثقافة السلبية في مؤسسات الرعاية الاجتماعية ينعكس سلبا على اليافعين ويعظم سلوكهم العنيف ضد رفقائهم في المؤسسة وضد المسؤولين والمشرفين عليهم وضد المجتمع على العموم.
وعلاقة اليافعين مع مؤسسات الرعاية الاجتماعية، بحسب جهشان، تتصف أحيانا بالعنف والسلطوية، تحديدا من قبل المشرفين على الأطفال، مما ينعكس سلبا على قدراتهم الإدراكية والعاطفية، وبالتالي عدم احترام المشرف وارتكاب العنف ضده وضد رفقائه في المؤسسة والهرب ليعود إلى البيئة الخطرة التي أدخلته للمؤسسة، والدخول في حلقة مفرغة خبيثة لا تؤدي إلا لتفاقم العنف.
أهمية إصلاح هؤلاء الأحداث، بحسب الخزاعي، ليست فقط في برامج إصلاح حقيقية وإنما أيضا بمنظومة الرعاية اللاحقة، "ما بعد الإفراج" وما تقدم لهم هذه المؤسسات أم أنهم يتركون لإصلاح أنفسهم بمفردهم.
ويبين أن العام 2017، وحسب الإحصائيات الرسمية، شهد ارتكاب الأحداث 2445 جريمة وجنحة منها 250 جريمة قتل وشروع بالقتل وإيذاء بليغ، و253 جريمة مخلة بالآداب العامة منها 230 هتك عرض، و14 حالة اغتصاب و6 زنا، وفواحش جنسية، و1642 جريمة سرقة بمختلف أنواعها.
ويؤكد الخزاعي ضرورة إيلاء موضوع الأحداث الاهتمام الكبير، خاصة أن جرائمهم تشكل 10 % من مجموع الجرائم التي ترتكب بالأردن.
ويتفق جهشان مع الخزاعي بضرورة إيجاد آليات عمل لمتابعة الطفل حول خيارات حياته المستقبلية؛ مثل توفير مكان سكن عقب خروجه، وتوفير عمل له، ومتابعته حول عملية إدماجه بالمجتمع والمراقبة الدورية للمؤسسات من قبل المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم البرلمانيون والقضاة.
كذلك، إيجاد آلية لجمع المعلومات في نظام عدالة الأحداث وإجراء الأبحاث والقيام بالمسؤوليات تجاههم وفق ما نصت عليه المادتان 4 و41 من قانون الأحداث النافذ حاليا والمادة 40 من اتفاقية حقوق الطفل.
ويلفت جهشان إلى أن الخطورة الفردية لدى اليافعين قد تتولد أو تتفاقم نتيجة العوامل المتعلقة بالبيئة المحلية للمؤسسة الاجتماعية أو المتعلقة بتقبل الثقافة السائدة التي تعظم العنف وأيضا خلل العلاقة مع المشرفين على المؤسسة الاجتماعية.
ويقول "لا يمكن حصر سلوكيات الأحداث السلبية في مؤسسات الرعاية الاجتماعية، بما فيها الهرب والعنف، بأحد العوامل السابقة، وإنما ناتج عن تفاعلها سويا".
ويستدرك جهشان "بيئة مؤسسات رعاية الأحداث تعاني من ضيق مساحة السكن، وعدم سهولة النفاذ إلى أماكن اللعب والترفيه وغياب المشاركة الإيجابية في المجتمع المحلي وعدم تنفيذ البرامج التي تتيح النفاذ للتعليم في المدارس خارج إطار المؤسسة الاجتماعية".
وحول غياب برامج الإصلاح الحقيقية في مؤسسات الرعاية، أوضح مدير دائرة الأحداث في وزارة التنمية محمود الهروط لـ"الغد"، أنه وبعد دراسة التقارير السنوية لدور تربية وتأهيل الأحداث ودراسة أعداد المكررين في تلك السنوات، تبين ضرورة توجيه برامج الإصلاح لأسر الأحداث والعمل عليها، وبالتالي تصبح الأسرة بعد تهيئتها مكملة لما تم إنجازه داخل دار الأحداث.
ويؤكد الهروط ضرورة عدم إغفال أحد الأسباب الرئيسية للانحراف، وهو ترك المدرسة للعمل نتيجة ظروف الأسرة الاقتصادية السيئة، ففي كثير من الأحيان يكون الحدث هو المعيل الوحيد لأسرته نتيجة هجران الوالد للأسرة أو الانفصال أو غيرها.
ويضيف الهروط "أن وجود الحدث داخل المؤسسة بدون علاج الأسرة يعني عدم نيل النتيجة المرجوة؛ حيث سعت وزارة التنمية جاهدة خلال العامين المنصرمين على توفير برامج رعاية لاحقة للأحداث بعد الإفراج عنهم ودخلت هذه البرامج حيز التنفيذ مطلع العام الحالي".
ويرى الهروط أن البرامج الموجودة في دور الأحداث كافية، والدليل هو ثبات نسبة التكرار خلال الأعوام السابقة، ولكن الخلل في أسر الأحداث المكررين بالدرجة الأولى؛ حيث يتم تأهيل الحدث داخل الدار وعند خروجه منها وعودته إلى البيئة الحاضنة يظهر التأثير الأكبر في إعادة تكرار الحدث للجرائم المختلفة.
وحول برامج الرعاية اللاحقة للأحداث بعد الإفراج، يشير الهروط إلى أنه ووفق نص المادة (5/أ) من نظام الرعاية اللاحقة رقم 67 لسنة 2016، تم تشكيل لجنة تسمى "اللجنة التوجيهية للرعاية اللاحقة للأحداث" في وزارة التنمية برئاسة مساعد أمين عام الوزارة لشؤون الرعاية والتنمية وعضوية أحد موظفي الوزارة يسميه الوزير وممثل عن كل من (وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة التربية والتعليم، وزارة الصحة، وزارة العمل، وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، المجلس الأعلى للشباب، إدارة شرطة الأحداث، إدارة حماية الأسرة، مؤسسة التدريب المهني).
كما تم مخاطبة جميع الجهات لتسمية مندوبيهم ليكونوا أعضاء في اللجنة مدار البحث وعقد اجتماع تأسيسي لمناقشة طبيعة الخدمات المقدمة للأحداث في دور تربية وتأهيل ورعاية الأحداث والإحصائيات التي تبين أعداد الأحداث الخارجين من الدور بشكل سنوي والمتطلبات الواجب توافرها للبدء بإعداد وتنفيذ برامج الرعاية اللاحقة، وإعداد مخطط ووثيقة للمشروع جرى بهما تحديد أهداف المشروع.