إخضاع المقاومة.. حالة حزب الله

عندما انتصر حزب الله، أو على الأقل صمد صموداً بطولياً بوجه الإسرائيليين العام 2006، أذكر أني كتبت، في "الغد"، كيف أصبح حسن نصرالله، والحزب، في موقع قوة في خريطة العلاقة مع كل من النظامين السوري والإيراني، بما يؤهله لأن يكون رافعة لحركة ثورية وإصلاحية عربية، تضغط على هذين النظامين أيضاً، وتحرج باقي الأنظمة. لكن ذلك كان تفاؤلا غير مبرر، بل إنّ ما حدث مثال عملي كيف أنّ عدم استقلالية الحركة النضالية يضعفها كثيراً.اضافة اعلان
ما هو أهم من الدعم العسكري لنظام دمشق، أنّ حزب الله يقدم غطاء سياسيا للنظام. وكثيرون ممن يؤيدون النظام السوري سببهم في ذلك أنه لا يمكن أن يشاهدوا أنفسهم في غير صف حزب الله، المقاوم. هكذا ورطّهم الحزب.
في العام 2006 بعد الحرب، بلغ الحزب أوج قوته وشعبيته. وحينها كان التآلف بين التيارات القومية العربية، بما فيها اليسارية والإسلامية، في أوجه. وكان يمكن للحزب أن يبدأ بالتنظير وقيادة فكر جديد يتجاوز الطائفية التي كانت قد بُعثت من مرقدها على وقع الحرب الأميركية وحرب إسقاط صدام حسين في العراق، بالتحالف هناك بين واشنطن ولندن وحلفاء طهران العراقيين، ومعهم كثير من العراقيين الذي تمردوا على دكتاتورية صدام. لكن الحزب لم يطرح فكراً جديداً ولم يضغط على النظامين الإيراني والسوري. وكان يمكن للحزب أن يزاوج بين صموده العسكري في جنوب لبنان وبين قيادته حركة جماهيرية عربية إصلاحية، بطرح فكر إصلاحي ديمقراطي.
ما حدث أنّ الحزب، أولا، أعلن ولاءه الأيديولوجي الكامل صراحةً لفكرة الولي الفقيه، وفي خطابات علنية لأمينه العام حسن نصرالله، بل واعتبر ذلك مسألة عقائدية لا يجوز نقاشها. وهذا أمر يعني بوضوح أن القرار الحزبي في مرجعيته النهائية هو طهران. وثانياً، كان الحزب مرتاحا للتحالف مع نظام دمشق، واستثمر فائض قوته في صراعات هذا النظام، بدءا من لبنان وصولا لسورية. وقد خشي الحزب من تبعات الخروج السوري من لبنان، حتى لو كان هذا النظام متورطا باغتيالات ودماء لبنانية وسورية وفلسطينية كثيرة، وحتى لو كان فيه الكثير من الفساد والقمع والهيمنة. وكانت حسابات الحزب قصيرة النظر براغماتية تماماً. فمثلا، حليفه اللبناني الأول ميشال عون، كان هو نفسه الذي سعى في الولايات المتحدة لاستصدار قرار من الكونغرس الأميركي ضد سورية، وجلب الدعم ضد حزب الله، ولكن في سياق الانقسام السياسي تم التحالف مع عون، الذي يريد دعم الحزب ودمشق ضد خصومه اللبنانيين المسيحيين في سياق هوسه بمنصب الرئاسة اللبنانية. ومن هنا وجدنا الحزب يتحدث بصوت خافت أقرب إلى الصمت عندما ألقي القبض على جواسيس إسرائيليين قريبين من عون. ثم، وبعد المستنقع اللبناني الداخلي، جاء التورط في حرب النظام السوري، والآن الموقف من إطلاق ميشال سماحة، الوزير اللبناني الأسبق الذي اعترف ووُثقت كل مخططاته بالتعاون مع المخابرات السورية للقتل والاغتيال في لبنان، على نحو يعزز الافتراض بأن الاغتيالات التي يشهدها لبنان منذ عشرات السنوات بدءا من اغتيال رجل المقاومة كمال جنبلاط، هي من فعل الجهة ذاتها التي اشتغل عندها سماحة. ودفاع الحزب عن قرار إطلاق سماحة رغم جرائمه، هو إخفاق آخر للحزب.
يتورط حزب الله يوماً بعد آخر ويخطئ بحق نفسه وحق المشروع السياسي العربي الذي كان يمكن أن يشكل جزءا مهما منه، لو تبنى الوحدة والديمقراطية.
اعتمد حزب الله وفصائل أخرى، منها الفلسطيني، على طهران وما تقدمه من ملايين أو عشرات ملايين الدولارات سنويا من رواتب لجيوش، وتمويل مؤسسات حزبية، وقنوات تلفزيونية فضائية، وغيرها، وبالتالي أصبح توقف الدعم خطراً جداً على الحياة اليومية لهذه الأحزاب، وأعضائها، وبالتالي تصبح هناك ليونة فائقة في المواقف وتبعية مطلقة للراعي السياسي المالي. بينما اختارت فصائل فلسطينية الحياد أو الانحياز ضد النظام السوري، مع ما يعنيه هذا من معاناة مالية، مستفيدة ربما من دعم بديل من دول مثل تركيا وقطر.
وقع حزب الله، الذي تحول إلى دولة داخل دولة له ميزانياته وحساباته البراغماتية، في مجموعة متناقضات متراكمة، أفقدته وجهه التحرري.