اليوم العالمي للحق في المعرفة

تحتفي مئات المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية يوم 28 ايلول(سبتمبر) الجاري باليوم العالمي للحق في المعرفة الذي دُشن لأول مرة في عام 2003، ومنذ ذلك الحين ازداد عدد المجتمعات والمنظمات التي تحتفل بهذا اليوم زيادة مطردة. أما الأردن الذي كان أول دولة عربية تصدر قانوناً لضمان حق الحصول على المعلومات 17/6/2007 فلم يسبق له أن احتفى بهذا اليوم، لكن من المقرر أن يشاطر الأردن يوم 28 أيلول(سبتمبر) الجاري بقية العالم بالاحتفال بيوم الحق في المعرفة ولو رمزياً، من خلال أمسية رمضانية يقيمها "الائتلاف الأردني لحرية المعلومات والشفافية" الذي يضم عدداً من منظمات المجتمع المدني والنشطاء الحقوقيين والاعلاميين. ومن المقرر أن تقام احتفالات مماثلة في المغرب، تونس، مصر، والبحرين، حيث قامت أربع منظمات فيها، إلى جانب الأردن، بإطلاق أول شبكة عربية لحرية المعلومات في تموز(يوليو) الماضي.

اضافة اعلان

لقد تم اختيار يوم 28 أيلول(سبتمبر) كيوم عالمي للحق في المعرفة، بمناسبة تأسيس الشبكة العالمية للمدافعين عن حرية المعلومات (FOIA) في العاصمة البلغارية صوفيا في هذا اليوم من عام 2002، التي ضَمّت العشرات من ممثلي المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الدفاع عن حرية المعلومات على الصعد الوطنية والدولية. والملفت للانتباه انه بالرغم من أن القرار المذكور بإعلان 28 أيلول(سبتمبر) يوماً عالمياً للحق في المعرفة لم يصدر عن هيئة دولية مثل الأمم المتحدة أو اليونسكو، وإنما عن مجموعة من المنظمات غير الحكومية، فإن هذا لم يمنع من انتشار الاحتفال بهذه المناسبة في أرجاء العالم، ومن خلق ديناميكية متسارعة لنشاطات المدافعين عن حرية المعلومات.

لقد أطلقت الشبكة المذكورة وثيقة تأسيسية توضح الأسس والمنطلقات التي ترتكز عليها والأهداف التي تتطلع اليها، وأبرزت في الوثيقة انها تنطلق أساساً من المكانة التي يتمتع بها القانون الدولي والمعايير الدولية ذات الصلة بالحق في الوصول إلى المعلومات وحق المشاركة العامة في صنع القرار، ومن التشريعات السارية في البلدان الديمقراطية. لقد أكدت الشبكة على ان شفافية الادارة العامة (الحكومة) وتوفر المعلومات حول القضايا المتصلة بالمصالح العامة هي من الشروط المسبقة الأساسية اللازمة للمشاركة العامة في عملية صنع القرار وفي محاربة الفساد. وبعد أن دعت الشبكة كل البلدان، بما فيها القوى العظمى، لتوجيه جهودها المباشرة نحو ضمان الوصول الفعال إلى المعلومات المحفوظة في الوثائق الرسمية، نوهت الى أن العديد من البلدان قد بدأت فعلاً في تشريع قوانين تمكّن المواطنين من الوصول إلى المعلومات، ونوهت أيضاً إلى جهود المنظمات غير الحكومية التي نشطت، وتنشط حالياً، في حملات ترمي إلى تبني اصدار تشريعات وطنية لحماية وضمان حرية المعلومات، أو التي تنهمك في نشاطات تهدف الى تفعيل تلك القوانين والدفاع عنها، وضمان انسجامها مع المعايير والقيم السائدة في المجتمعات الديمقراطية.

لقد استخلصت الشبكة المذكورة بأن الجهود المشتركة بين المنظمات غير الحكومية، (الوطنية منها والدولية النشاط) هي وحدها التي سوف تقود إلى نتائج ملموسة لتبني وتطبيق قوانين تكرس حرية المعلومات وتعزز ممارسة هذه الحرية في مختلف البلدان.

تبنت الشبكة الدولية للمدافعين عن حرية المعلومات أربعة مبادئ موجهة وموحدة لجهودها، أولها التأكيد على أن الحق في الوصول إلى المعلومات هو أحد الحقوق الهامة والأساسية للتمتع بالحقوق الانسانية الأخرى. وثانيها أن الحق في المعلومات هو أساس الشفافية والمساءلة الحكومية. أما المبدأ الثالث فهو انه لا يمكن للمواطنين التأثير على السياسات الاجتماعية وعمليات صنع القرارات الخاصة بالحكم الا اذا تم احترام حقهم في الوصول إلى المعلومات. وأخيراً أكدت الشبكة، في مبدأها الرابع، على أن ممارسة الحق في الوصول إلى المعلومات ممارسة فعالة، وتطبيقه بشكل أمين، يتطلب اصدار قوانين ضامنة له، وأن تنظم ممارسة هذا الحق بالاستناد إلى المعايير الدولية.

لقد اشرنا في مطلع المقال إلى أن اعلان يوم 28 أيلول(سبتمبر) يوماً عالمياً للحق في المعرفة قد أثار ديناميكية واسعة للمطالبة بإقرار قوانين تضمن الحق في الوصول إلى المعلومات في أرجاء العالم. وبالفعل فقد شهد العامان الأخيران نشاطاً استثنائياً على هذا الصعيد، ففي عام 2006 تم التعرف على نشاطات قامت بها ستون منظمة مجتمع مدني ومفوضية للمعلومات تنتمي إلى 40 دولة في اليوم العالمي لحق المعرفة. وقد توزعت هذه النشاطات ما بين عقد المؤتمرات والحوارات وإصدار التقارير وتقديم جوائز للمؤسسات المميزة في تيسير المعلومات، سواء كانت حكومية أو خاصة أو منظمات مجتمع مدني. بل تضمنت قائمة النشاطات "جوائز سلبية" لأسوأ أداء على صعيد الالتزام بحرية المعلومات، لا بل مُنحت جوائز سلبية "لأسخف رد" على طلبات الحصول على معلومات، وكانت هناك "جوائز" لأكثرالردود غرابة أو أكثرها طرافة!

أما في يوم 28 أيلول(سبتمبر) من العام 2007 فقد دعت 170 منظمة و 190 شخصية عامة حكومات الاتحاد الأوروبي لضمان أن يكون حق الوصول إلى المعلومات مأخوذاً بالحسبان عند توقيعهم المعاهدة القادمة للاتحاد. وقد وضع مجلس أوروبا مؤخراً مسودة الاتفاقية الأوروبية للوصول إلى الوثائق الرسمية، وهو المجلس الذي يمثل 47 دولة.

لقد بلغ عدد الدول التي أصدرت تشريعات تحمي حق الوصول إلى المعلومات أكثر من 70 دولة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: اين العالم العربي من هذه التطورات. من الملاحظ ان  الأردن كان في طليعة الدول العربية التي أولت اهتماماً خاصاً بإصدار تشريع يضمن الحق في الوصول إلى المعلومات، وقد استغرقت عملية اقرار القانون مدة تقارب العامين (2005 / 2007)، حيث أخضعه مجلس النواب السابق لمناقشات مستفيضة وأدخل عليه تعديلات زادت من القيود والمحددات التي تضمنها المشروع الحكومي. أما في البلدان العربية الأخرى، فإن هناك جهوداً حكومية وبرلمانية لوضع قوانين تحمي حق الوصول للمعلومات، بدأت حتى الآن في كل من اليمن والبحرين والمغرب وفلسطين.

وتملي هذه الحقيقة على الأردن أن يقدم نموذجاً للممارسة الأفضل، وأن يساهم في دعم المبادرات العربية في هذا المجال، سواء على الصعد الحكومية والبرلمانية، أو على صعيد منظمات المجتمع المدني والخبراء الذين يستطيعون أن يقدموا العون في هذا المجال.

لكن ربما كانت العبرة ليس فقط بإصدار المزيد من التشريعات وإنما في تفعيلها وتشجيع المواطنين على استخدامها، وتأهيل المسؤولين الحكوميين للتعامل مع طلب المواطنين للمعلومات باعتباره حقاً من حقوق الإنسان، أقرته التشريعات الأردنية.

[email protected]