بالنسبة للفلسطينيين؛ ترامب كله ألم.. ولا سلام

الرئيس الأميركي دونالد ترامب
الرئيس الأميركي دونالد ترامب

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إيشان ثارور* - (الواشنطن بوست) 28/9/2018


تضاءلت التوقعات الآن بأن الدول العربية الأخرى ربما تفاجئ الفلسطينيين بالتوافق مع خطة ترامب، وأصبح المسؤولون العرب يعربون عن قلقهم من احتضان ترامب الكامل للمواقف الإسرائيلية اليمينية. وكما كتب يورغن هينشوغين، مؤرخ عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فإنه "على الرغم من صعوبة تحقيق السلام مع عدو المرء، فإن من المستحيل صنع السلام من دونه أيضاً. لم تنجح عملية السلام أحادية الجانب في الماضي، ولا هي ستنجح الآن".اضافة اعلان
*   *   *
أصر الرئيس دونالد ترامب على أنه يمكن أن يصوغ "صفقة القرن" وأن يصنع السلام بين الإسرائيليين والفسطينيين. لكن إدارته عملت القليل في الواقع أكثر من دعم مواقف الحكومة اليمينية في إسرائيل. وبفعلها ذلك، أرسى ترامب ومعاونوه الأرضية لتحول درامي بعيداً عن السياسة الأميركية القائمة منذ وقت طويل -وجعل السلام أقل احتمالاً بما لا يُقاس.
في آب (أغسطس)، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستلغي، بشكل دائم، أكثر 200 مليون دولار من المساعدات التي كانت الولايات المتحدة تقدمها للفلسطينيين، في جزء من توجه أوسع إطاراً لقطع المساعدات الخارجية. كما تقوم الولايات المتحدة أيضاً بتصعيد هجومها على الأونروا، وكالة الأمم المتحدة التي تقدم المساعدات لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وكذلك في لبنان، والأردن وسورية. بل إن الولايات المتحدة تفكر في وقف كل تمويلها للأونروا.
مع ذلك، لا ينبغي أن يكون استهتار ترامب الواضح بمحنة الفلسطينيين مفاجئاً. فلم يخف ترامب في أي وقت ميله إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي رحب بانتخاب ترامب في العام 2016، وأيد رؤيته لبناء جدار على طول الحدود المكسيكية، وأثنى على سحبه الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران. وقد أشاد الرجلان في اجتماعات مختلفة بصداقتهما الوثيقة وآرائهما المتقاربة وتفكيرها المتشابه.
من بين هذه التشابهات، ذلك التناقض في المواقف عندما يتعلق الأمر باحتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة. ويعارض الوزراء الرئيسيون في ائتلاف نتنياهو علناً أي مسعى إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو الحل السياسي الذي طالما سعت إليه واشنطن. كما أن ديفيد فريدمان، سفير ترامب في إسرائيل، مؤيد قوي للمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وكان قد كتب قبل تعيينه مقالات تدعو إلى وضع نهاية لما دعاه "رواية الدولتين". وينظر الفلسطينيون إلى عمل ترامب الخاص لإسرائيل -الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية- على أنه رفض كامل لمطالبهم بالقدس الشرقية وبإقامة دولة جملة وتفصيلاً.
الآن يتحرك البيت الأبيض نحو مزيد من الضغط على الفلسطينيين. وقد نشر تحقيق أجرته مجلة "فورين بوليسي" في آب (أغسطس) رسائل إلكترونية مسربة كتبها جاريد كوشنر، صهر ترامب وأحد مبعوثيه المعينين لعملية السلام. وفي هذه الرسائل، يكشف كوشنر عن رغبته في تقويض الأونروا، إذا لم يكن تفكيكها بالكامل، وهي مؤسسة يكرهها اليمين الإسرائيلي.
كتب كوشنر في رسالة بريد إلكتروني مؤرخة بتاريخ 11 كانون الثاني (يناير): "من المهم أن يكون هناك جهد صادق ومخلص لتعطيل الأونروا. فهذه (الوكالة) تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة، ولا تساعد السلام".
وتحظى هذه الأطروحة بشعبية كبيرة في أوساط الصقور المؤيدين لإسرائيل في واشنطن ومؤيدي نتنياهو في إسرائيل، الذين ينظرون إلى المؤسسات التي تُعرِّف الراهن الفلسطيني، بما فيها الأونروا والسلطة الفلسطينية، على أنها مؤسسات معادية لإسرائيل. وهم مستاؤون بشكل خاص من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين لأنها تمنح صفة اللاجئ لملايين الفلسطينيين الذين لم يُطردوا هم لأنفسهم من الأرض التي تدعى الآن إسرائيل، ولكنهم ولدوا لعائلات كانت تعيش في فلسطين وهُجرت منها. وتفيد التقارير بأن كوشنر ومسؤولين آخرين في إدارة ترامب يسعون إلى تجريد هؤلاء اللاجئين من صفتهم من أجل إضعاف التفويض الإقليمي للأونروا.
يقول مقال نشرته مؤخراً صحيفة "هايوم" الإسرائيلية اليومية، أكبر صحيفة يومية في البلاد: "إن اللاجئين يمثلون الأمل الفلسطيني بالقضاء على إسرائيل، ويعني دعم الأونروا تأجيج الصراع وليس حله".
وكتب كوشنر في رسالته الإلكترونية المذكورة في كانون الثاني (يناير): "لا يمكن أن يكون هدفنا هو الحفاظ على استقرار الأمور كما هي الآن. في بعض الأحيان يكون عليك أن تخاطر استراتيجياً بكسر الأشياء من أجل الوصول إلى هناك".
لكن "كسر الأشياء" سوف يُلحق ضرراً حقيقياً بالفلسطينيين. ففي أجزاء من الأراضي المحتلة، توفر الأونروا خدمات حيوية، مثل الرعاية الطبية والتعليم. وفي الضفة الغربية وحدها، تقوم مدارسها ومراكزها المهنية بتعليم ورعاية نحو 50.000 طالب وطالبة. وفي غزة، يحصل ما يقرب من نصف مليون لاجئ فلسطيني على مساعدات غذائية ضرورية من الأونروا.
يقول ديلان وليامز، من جماعة "جيه ستريت" -وهي مجموعة ليبرالية مؤيدة لاسرائيل في واشنطن- في بيان صدر عن المجموعة في آب (أغسطس): "إن محاولة جاريد كوشنر عرقلة الأونروا من خلال خفض تمويلها -في تناقض مع توصيات وزارة الدفاع الاميركية ووزارة الخارجية ومجتمع المخابرات الأميركي- هي خطوة قاسية وخطيرة في الوقت نفسه. فقد أدت هذه التخفيضات إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وأسهمت في عدم الاستقرار الذي يهدد أمن إسرائيل، حسب جنرالات إسرائيل أنفسهم. ويشكل هذا أحدث دليل فقط على أن إدارة ترامب هي أكثر اهتماماً بالعمل العقابي ضد الفلسطينيين من اهتمامها بالسعي الجدي إلى تحقيق السلام".
من جهتهم، ينظر المسؤولون الفلسطينيون إلى التخفيضات في التمويل والهجمات على الأونروا على أنها اعتداء وجودي على عملية السلام. وفي حديث للصحفيين، قال حسام زملُط، رئيس الوفد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة: "هذا تأكيد آخر على التخلي عن حل الدولتين واعتناق أجندة نتنياهو المناهضة للسلام. إن تسليح المساعدات الإنسانية والتنموية واستخدامها كوسيلة للابتزاز السياسي لن تنجح".
في واقع الأمر، رفض القادة الفلسطينيون التفاوض مع المسؤولين الأميركيين منذ قرار ترامب نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس. وقد تضاءلت التوقعات الآن بأن الدول العربية الأخرى ربما تفاجئ الفلسطينيين بالتوافق مع خطة ترامب، وأصبح المسؤولون العرب يعربون عن قلقهم من احتضان ترامب الكامل للمواقف الإسرائيلية اليمينية. وكما كتب يورغن هينشوغين، مؤرخ عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فإنه "على الرغم من صعوبة تحقيق السلام مع عدو المرء، فإن من المستحيل صنع السلام من دونه أيضاً. لم تنجح عملية السلام أحادية الجانب في الماضي، ولا هي ستنجح الآن".
وقال دان شابيرو، سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل، صراحة في تغريدة على تويتر: "يشكل هذا القرار عملاً فظيعاً من جانب فريق ترامب، الذي يبدو أنه يعتقد بأن القرار سيضغط على الفلسطينيين لكي يأتوا الآن إلى الطاولة (لن يفعل)".
بدلاً من ذلك، يمكن لحملة الضغط التي يشنها ترامب أن تعمل على تمكين المتطرفين، وانهيار السلطة الفلسطينية، وتشكيل مخاطر أمنية جديدة لإسرائيل، كما حذر بيتر ليرنر، الناطق السابق باسم الجيش الإسرائيلي.
وكتب ليرنر في صحيفة "هآرتس" اليومية الإسرائيلية: "في حين أن من حق ترامب ومن امتيازاته أن يختار مَن الذين يريد أن يدعمهم وكيف يدعمهم، فإن تداعيات هذه الخطوات المفاجئة لن تؤدي إلا إلى تمكين المتطرفين. لا يمكن صنع صفقة القرن بإسرائيل بمفردها، ومن المرجح أن الضغط الشديد الذي يُمارس على الفلسطينيين لإجبارهم على الخضوع سينفجر أخيراً على عتبة إسرائيل".

* كاتب متخصص في العلاقات الخارجية في صحيفة "الواشنطن بوست".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: For Palestinians, Trump is all pain and no peace