"جينغ خه" لصلاح جرار يحكي عن رحلات المستكشف للمحيطات الغربية

عزيزة علي

عمان- يتحدث د. صلاح جرار، وهو أستاذ في اللغة العربية ومتخصص في الأدب الأندلسي، عن البحار والمستكشف والدبلوماسي الصيني جينغ خه الذي قام برحلة بحرية زار خلالها دولا آسيوية وإفريقية ومدنا عربية منها عدن ورأس وظفار والمكلا.اضافة اعلان
ويشير جرار، في مقدمته للكتاب الذي قام بترجمته من الإنجليزية الى العربية بعنوان "وانغ جينان-رحلات جينغ خه-إلى المحيطات الغربية"، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الى أن جنيغ خه قام بهذه الرحلة في عهد سلالة مينغ "ming"، بين العامين 1405-1433م.
ويوضح المؤلف أن رفاق جنيغ خه الذين شاركوه في الرحلة السابعة وصلوا إلى مكة المكرمة لتأدية فريضة الحج، إلا أن جينغ خه نفسه لم يتمكن من مرافقتهم بسبب مرضه الذي أدى إلى وفاته في العام 1433م، وكان عمره "62" عاما.
ويقول جرار إن الكتاب يشتمل على مقدمتين؛ الأولى تتضمن حديثا مختصرا عن أهمية هذه الرحلات في تعزيز العلاقات الصينية الخارجية، وعن جهود الصين والحضارة الصينية في التبادل الثقافي العالمي. بينما تشتمل المقدمة الثانية على تعريف بسيرة جينغ خه منذ ولادته العام 1371م حتى وفاته العام 1433م، وما حققه من شهرة وإنجازات.
ويبين المؤلف أن رحلات جينغ خه بدأت في العام 1405م، عندما كان قد بلغ من العمر أربعة وثلاثين عاما بتكليف من الإمبراطور يونغلا "Yongle"، جعله فيه قائدا للأسطول الذي يقوم بتلك الرحلات الاستكشافية.
وقد ركزت الرحلات الأولى"1405م"، والثانية "1407م"، والثالثة "1409م"، على جنوب شرق آسيا. أما الرحلتان الرابعة "1413م"، والخامسة "1417م"، فكان الهدف منهما الوصول الى هرمز والعالم الإسلامي في غرب آسيا، بينما كان الهدف من الرحلتين السادسة "1422م"، والسابعة "1431م"، الوصول إلى ماليندي "Malindi"، وكينيا ومقديشو وجوبا في شرق إفريقيا، ومكة المكرمة.
ويؤكد جرار أهمية هذه الرحلات لأنها تصف أوضاع الصين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في تلك الحقبة، وتصف أوضاع المسلمين فيها، وما كانوا يتمتعون به من حرية دينية، كما تصف هذه الرحلات النشاط الاقتصادي والثقافي بين الصين والبلدان الإفريقية والآسيوية بما فيها شبه الجزيرة العربية، وما كانت تتبادله مع تلك البلدان من سلع ومنتجات.
ويرى المؤلف أن الدارس لهذه الرحلة يستطيع أن يكتشف وجود قدر كبير من التطابق بين ما وصفه الرحالة العرب والمسلمون القدماء للصين وما تكشف عنه رحلة جينغ خه في الجوانب السياسية والاقتصادية.
ويشير جرار الى أنه اعتمد في ترجمة هذه الرحلة الى اللغة العربية على النسخة الإنجليزية التي ترجمها عن الصينية إيغو "Ego"، موضحا أن النص الإنجليزي تضمن شروحا وتعليقات على الرحلة جعلها المؤلف بين مربعات في متن الرحلة تمييزا لها عن المتن الأصلي، وقد قام جرار بترجمتها إلى العربية وأبقى عليها في مواضعها في مربعات داخل النص.
وينوه الى أنه اختار من الصور المنشورة في النص الإنجليزي ما رآه يغني عن سائر الصور، وذلك لصعوبة تضمين صور بمواصفات عالية، وقد استعان في طريقة نطق الأسماء الصينية وكتابتها بالحروف العربية بالباحثة الصينية (ماشواه مي "Ma Xue Mei")، التي توجه لها جرار بالشكر، كما حرص على أن يكتب أسماء الأماكن والأشخاص الواردة في النص بالأحرف العربية أولا حسب طريقة نطقها في اللغة الصينية ثم وضعها بين قوسين كما وردت في نص الترجمة الانجليزية.
وفي مقدمة الترجمة الإنجليزية، يبين أن هناك تاريخا طويلا وحافلا من التبادل الحضاري بين الصين والدول الأخرى، في مجالات الثقافة والاقتصاد والمفاهيم، وفي موضوع الحياة أو الثقافة البشرية والأفراد، وهذه التبادلات بين الصين والدول الأخرى من الممكن أن ترجع إلى عهد سلالة تشن "Qin" وسلالة خان "Han"، بشكل مباشر أو غير مباشر سواء في البر أو البحر.
وساعد هذا التبادل الثقافي المتعدد الأوجه وطويل المدى العالم على معرفة المزيد عن الصين وبقية دول العالم، ما زاد في ثراء البشرية على الصعيدين المادي والروحي، لافتا الى أن سلسلة الكتب المعنونة بـ"طرق إلى العالم"، تقدم أروع القصص على مستوى تاريخ التبادل الصيني الثقافي الخارجي.
ويوضح أن هذا الكتاب يعرض قصة جينغ خه، وهو عبارة عن سبع رحلات قام بها إلى المحيطات الغربية، وهو ملاح مستكشف من عهد سلالة مينغ "Ming"، قاد أسطولا ضخما وزار أكثر من "30" منطقة ودولة على الساحل الغربي للمحيط الهادئ والمحيط الهندي خلال الفترة ما بين "0514-3314م"، وذلك قبل نصف قرن من بداية الحقبة الزمنية العظيمة للملاحة في أوروبا. وقد وطدت رحلاته علاقات الصداقة بين الصين وجنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، وغرب آسيا وشرق آسيا ودول شرق إفريقيا في عهد سلالة مينغ، وقامت بإنشاء تبادلات اقتصادية وثقافية غير مسبوقة، ما أدى إلى إيجاد علاقات مفيدة للطرفين.
ويقول جرار، في مقدمته، إنه عندما برز الإسلام ظهرت عوامل جديدة لزيادة التواصل بين العرب والصين، وكان على رأسها عامل نشر الإسلام، والعامل العلمي المتمثل في طلب العلم "ولو في الصين"، ولاحقا إقامة علاقات دبلوماسية بين دولة الخلافة الإسلامية ودول العالم، فضلا عن العامل التجاري الذي توسع كثيرا بسبب حاجة الدولة الإسلامية إلى كثير من الصناعات والسلع الصينية كالورق والحرير والخزف وأنواع المجوهرات.
وينوه المؤلف إلى أن أخبار هذا التواصل وصل لنا في بداياته على شكل صورة حكايات وأقوال متفرقة تعزى إلى حكماء الصين وزعمائها ووردت في كتب الأدب العربي الأولى مثل "كتب الجاحظ وابن قتيبة وابن عبد ربه" وغيرهم، إلا أن الصورة الأجلى لهذا التواصل ظهرت في كتب الرحلات المتبادلة بين العرب والصينيين.
ويلفت جرار الى أن الوجود العربي والإسلامي في الصين لم يقتصر على سكان شبه الجزيرة العربية، بل شمل أيضا عربا ومسلمين وصلوا إليها من الأندلس وشمال إفريقيا، وقد تحدثت المصادر عن المحدث سعد الخير بن محمد بن سعد أبي الحسن الأنصاري البلنسي "541هـ"، أنه رحل حتى دخل الصين وكان يكتب في اسمه البلنسي الصيني، وتحدث عن شخص آخر أندلسي يعرف بعبد الرحيم الصيني، وممن أقام في الصين مدة طويلة أبو العباس الحجازي أقام بها وبالهند أربعين عاما وسمع منه أبو حامد الغرناطي بعض عجائب الصين.
ويشير المؤلف الى أشهر الرحالة من غير المسلمين الذين دخلوا الصين وسجلوا ملاحظاتهم وانطباعاتهم منهم الرحالة الشهير "ابن بطوطة شمس الدين أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن يوسف اللواتي الطنجي المغربي"، الذي قام برحلته الشهيرة المعروفة بـ"تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، التي طبعت طبعات كثيرة وترجمت إلى لغات كثيرة منها اللغة الصينية.
أما الرحلات الصينية التي وصلت الى البلدان العربية، بحسب المؤلف، فكان أقدمها رحلة (دو هوان du Huan)، التي قام بها في العام 762، خلال العصر العباسي الأول وخلال عهد أسرة تانع في الصين وزار خلالها دولا عربية كثيرة منها المغرب والشام والعراق.