سطوة المناخ والاستنزاف الجائر يتركان الأردنيين عطشى.. وموجة اللجوء السوري تفاقم أزمة المياه

إيمان الفارس

عمان - تتربع قضايا المياه على عرش التحديات، التي تواجهها المملكة، في وقت تنذر فيه قراءات مستقبلية بانخفاض متوسط استخدامات الفرد الأردني من المياه، والذي لا يتجاوز حاليا 140 مترا مكعبا سنويا، إلى ما دون 10 % من خط الفقر المائي، العام 2025.اضافة اعلان
ويعاني الأردن من جملة معيقات، ناجمة عن ظروف سياسية ومناخية واجتماعية، تحول دون إمكانية توفير "بحبوحة" مائية، في المملكة، التي تصنف كرابع أفقر دولة مائيا على مستوى العالم.
وفيما يستمر الطلب المتزايد على المياه، بسبب الضغط السكاني والتدفق المتزايد للاجئين السوريين الى الأردن، فإن وزير المياه والري حازم الناصر يقول إن الوزارة، وعبر بذل أقصى الجهود، استطاعت تأمين الكميات اللازمة للسكان، وتمكنت من تجاوز مشاكل فردية محدودة في التزويد المائي، نجمت عن انقطاع المياه في مناطق مختلفة.
ويبين الناصر، في تصريحات إلى "الغد"، أن وزارته "لجأت إلى اتخاذ عدة إجراءات لمواجهة الضغط على المياه، في ظل تزايد أعداد اللاجئين السوريين، إضافة الى الزيادة السكانية والتدفق السياحي صيفا".
ويشير الناصر إلى مساعي الوزارة لتنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ناقل البحرين (الأحمر - الميت)، الذي سيوفر كميات من المياه الصالحة للشرب، للجانبين الأردني والفلسطيني، إضافة لضخ كميات من المياه المالحة للبحر الميت.
وتصل تكلفة هذه المرحلة إلى حوالي مليار دولار، فيما يستغرق تنفيذها سنتين ونصف السنة، وتتضمن إنشاء محطة لتحلية مياه البحر شمال مطار العقبة.
وسيجري تنفيذ المشروع على خمس مراحل، تستمر لغاية العام 2060، وهو العام الذي سيكتمل فيه المشروع بشكله الإجمالي، وبالتالي فإن أسعار المياه المحلاة سيتم اقتراحها من قبل شركات استشارية، يجري اختيارها في حينه، عبر طرح عطاءات منافسة عالمية.
وحذرت دراسات الجدوى البيئية النهائية لمشروع ناقل البحرين مما يشهده مستوى سطح البحر الميت من انخفاض حاليا، موضحة أنه سجل انخفاضا بمعدل يزيد على 1000 ملليمتر سنويا منذ العام 2010، كما تقلصت مساحة السطح من 960 كيلومترا مربعا إلى 620 خلال الـ50 عاما الأخيرة، ويعد معدل هذا الانخفاض في تزايد.
وأسفر ذلك عن تزايد التدهور البيئي، وإلحاق الضرر بالصناعات والبنية التحتية، وله كذلك آثار غير ملموسة وتكاليف كبرى، بحسب الدراسة.
وأكدت الدراسة أهمية الأهداف الرئيسية في برنامج دراسة مشروع نقل المياه من البحر الأحمر للبحر الميت، والمتمثلة في "إنقاذ البحر الميت من التدهور البيئي، وتحلية المياه و/ أو توليد الطاقة الكهرومائية، بأسعار معقولة في الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، وإنشاء رمز للسلام في الشرق الأوسط".
وتشمل دراسة البنك الدولي سحب 2200 مليون متر مكعب من مياه البحر، والعمل على تحلية حوالي 930 مليون متر مكعب سنويا.
وتعول وزارة المياه والري حاليا على وصول مياه الديسي، في غضون الأسابيع الأربعة المقبلة لعمان، وفق ضخ جزئي يصل إلى حدود 70 مليون متر مكعب، مؤكدة أن الوضع المائي للمملكة "سيتحسن بشكل ملحوظ حينها".
وتواجه المملكة حاليا تحديات تتمثل في تدفق اللاجئين السوريين للمملكة، والذين باتوا يشكلون حوالي 10 % من سكانها، وبالتالي تزايد الضغط على مصادر المياه المتوفرة والشحيحة أصلا.
وستذهب كميات من مياه الديسي الى مناطق العاصمة والزرقاء، فيما ستستفيد باقي المحافظات، هي الأخرى، من تلك الكميات لاحقا، إلى جانب الاستفادة من باقي مصادر المياه، التي ستتم إعادة توزيعها من جديد ما بين المحافظات.
ومن أهم الخطوات التي تم اتخاذها لاستقبال مياه الديسي، هي الاستعداد لنشر تلك المياه في كافة محافظات ومناطق المملكة، ولكن بشكل متتابع، علما أن خطة إعادة توزيع المياه تعني إعادة المياه المنقولة، من منطقة إلى أخرى، وإرجاعها لمنطقتها كخطوة أولى.
وبحسب وزارة المياه، فستتوفر كميات كافية من المياه بعد الانتهاء من مشروع الديسي، عبر خطة إعادة توزيع المياه، والتي نتج عنها الناقل الوطني، بين كامل محافظات المملكة، مشيرة إلى انتظار باقي التمويل اللازم، لتتحول الخطة من مؤقتة إلى كلية شاملة.
ويلعب مشروع الديسي دورا مهما في رفد موازنة المملكة المائية بـ100 مليون متر مكعب سنويا، وتوفير مصدر مياه جديد يساهم في حل مشاكل المياه، ولو على مدار فترة مؤقتة.
ومن المنتظر أن يتم تنفيذ سياسات مائية "حكيمة"، وسط تحديات كبيرة عالقة في ملف المياه الأردنية، يدرك طريقه باتجاه تفعيل حلول استراتيجية عملية، من أبرزها قضايا سرقات المياه والمياه الإقليمية المشتركة.
وما تزال آفة سطو بعض المواطنين على المياه، وضياعها هدرا في تلك السرقات، مشكلة رئيسية في الواقع المائي، خاصة وأن ذلك يتطلب إجراءات جدية وحازمة، والتعامل قانونيا مع تلك القضايا، بدون الاكتفاء بفصل أي نقاط اعتداءات على خطوط وشبكات المياه في مختلف مناطق المملكة.
ويمثل عدم الحزم في معالجة قضية الاعتداءات على المياه تاريخيا سببا رئيسيا في ضياع حصص المياه المتواضعة الخاصة بالمواطنين، في بلد لا تسمح ظروفه المائية بتلك التجاوزات.
وتنعكس تلك الممارسات السلبية على مفاقمة أزمة المياه، بمختلف مناطق المملكة، في وقت تذهب فيه 43 % من المياه المنقولة عبر الخطوط الرئيسية فاقدا، وتضيع هدرا، نتيجة سرقات المياه والاعتداءات على خطوط المياه الرئيسية، خاصة في منطقة جنوب عمان.
ويرى متخصصون أن تحديات المياه في المملكة تعد غاية في الحدة والتشابك، خاصة في ظل ارتباط بعض الأحواض المائية الرئيسية مع دول أخرى، وكونها عابرة للحدود، مثل حوضي اليرموك مع سورية، والديسي مع السعودية، وارتباط الأردن مع إسرائيل وفق اتفاقية وادي عربة.
ويلفت المتخصصون الى أن المملكة "ضاقت ذرعا" وعانت الأمرين من أزمات مياه ناجمة عن شح مواردها المائية، وسلب حقوقها المائية، إضافة لتذبذب مواسمها المطرية، التي أخلت باستقرار مخازين السدود، التي تعتمد على وفرة مياه الأمطار.
وما يزيد من محنة تحديات شح المياه في المملكة، التي تتراجع مرتبتها مائيا على الدوام، تجميد إمكانية حصولها على حقوقها المائية في سورية، بسبب الظروف السياسية غير المستقرة حاليا هناك.
أما موضوع متابعة خفض فاقد المياه، البالغ حاليا نحو 43 % في المملكة، فهو لا يقل أهمية عن مختلف تحديات أزمة المياه، حيث يؤمل أن تصل نسبته الى 25 % حتى العام 2018، لاسيما أن كل 1 % من الفاقد يشكل نحو مليون متر مكعب من موازنة المملكة المائية، وهذا المليون (مفوتر) ما يعني حوالي نصف مليون دينار.

[email protected]